زيارة الأسد إلى الإمارات وعلاقتها بموسكو وواشنطن

أربيل- نورث برس

في أولى زيارة له إلى دولة عربية منذ بداية الحرب السورية عام 2011، التقى الرئيس السوري بشار الأسد، الجمعة، مع قادة دولة الإمارات العربية المتحدة، مما أثار جدلاً في الأوساط السياسية حول أسباب الزيارة ودوافعها بعد سنوات القطيعة.

وجاءت الزيارة في خضم عدّة قضايا، لعل أبرزها الحرب الأوكرانية الروسية، والذكرى الحادية عشرة من الحرب السورية.

وكانت سنوات الحرب كفيلة بإحداث تغييرات ملموسة على صعيد علاقات الدول مع حكومة دمشق، بعد أن خرجت محاولة تغيير “النظام” منذ انطلاق أولى شرارات “الثورة” في الخامس عشر من آذار/ مارس 2011  بالنتيجة صفر.

وتشهد سوريا نزاعاً دامياً، تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص، ودمار هائل بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، كما أنه سمح بصعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

وعلى ضوء المتغيرات التي حصلت في علاقات بعض الدول العربية مع دمشق، أعادت دول عربية العلاقات معها في السنوات الأخيرة بمستويات متفاوتة، كالإمارات ومصر والبحرين والأردن، إضافة لإعلان دول أوروبية نيّتها إعادة فتح سفاراتها بدمشق.

قراءة في البروتوكول

ومن الممكن قراءة سطور تحليلية من بروتوكول الاستقبال، الذي يُظهر التعامل مع الأسد كمسؤول وليس كرئيس، حيث تقبّل واقع استقباله من دون حرس شرف أو استقبال رسمي بالمطار، كإشارة إلى أنه “الراغب بفتح قناة اتصال وليس المرغوب فيه”.

واُستقبل الأسد بصفته رئيس دولة شبه معزول، من قبل وزير بإمارة دبي ثم أمير دبي ومن ثم الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات، في الوقت الذي تعتاد البروتوكولات على أن يتم  استقبال الرؤساء من قبل النظراء لدى وصولهم إلى المطار وبتحية شرف، بالإضافة إلى كرسيه المصفوف إلى جانب باقي الكراسي بصالة الاستقبال عند اللقاء.

وبالرغم من أن استقبال دولة عربية للأسد، بالنسبة للأخير هو إنجاز بحد ذاته، بعد مرحلة طويلة من العزلة، لكن طريقة وتسلسل الاستقبال “بمثابة إشارة تحجيم لدمشق”.

كما ترسل برسالة مفادها أنه “من المبكر فتح الأبواب على مصراعيها أمام مقبوليته دون تنازلات، ورسالة أخرى تشير إلى أن الأسد مسيّر للقيام بمثل هذه الزيارة غالباً من قبل الروس”.

بعد زيارة قادة إماراتيون إلى موسكو

وجاءت زيارة الأسد، بعد أيام من لقاء وزير الخارجية الإماراتي عبد الله بن زايد بنظيره الروسي سيرغي لافروف في موسكو.

وأعرب خلالها وزير الخارجية الإماراتي عن اهتمام بلاده ببحث الأزمات المختلفة حول العالم من أوكرانيا إلى سوريا والعراق وإيران واليمن والساحل والصحراء في إفريقيا.

وأظهر مقطع فيديو تداولته وسائل إعلام عدة ما قاله الشيخ عبدالله بن زايد خلال اجتماعه مع نظيره الروسي، “دائما هناك ما هو مهم وما هو متطور في العلاقة التي تربط روسيا الاتحادية والإمارات العربية”.

ركود في العلاقة الخليجية الأميركية

وأتت اللقاءات الروسية الإماراتية، في خضم الحرب التي تشنها موسكو على أوكرانيا، ووسط الحديث عن رفض الرياض وأبو ظبي الرضوخ لضغوط أميركية فيما يخص النفط ذو القيمة المرتفعة بعد غزو أوكرانيا.

وما زالت السعودية والإمارات تواجهان ضغوطاً أميركية لزيادة ضخ النفط في السوق العالمية لمنع ارتفاعات جديدة متوقعة في أسعاره التي وصلت إلى أقل من 140 دولاراً للبرميل الواحد.

كما اتخذت السعودية والإمارات موقفاً ثابتاً من العملية العسكرية الروسية، التي بدأت في أوكرانيا بتاريخ الرابع والعشرين من شباط/ فبراير الماضي، وهو الوقوف بعيداً عن الاصطفاف إلى جانب الولايات المتحدة التي تدعم كييف.

وامتنعت الإمارات عن التصويت في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة ضد الهجوم الروسي، فيما تشير تقارير إعلامية أن أحد أبرز عوامل ابتعاد السعودي والإماراتي، هو “إزالة إدارة بايدن للحوثيين من قائمة الإرهاب العالمية، والمفاوضات مع إيران من أجل إحياء استئناف الاتفاق النووي”.

هذه الخلافات دفعت الخليج للاقتراب من موسكو، لا سيما أن دول الخليج تشدد التزامها باتفاق تحالف “اوبك بلاس” حول كميات إنتاج النفط، الذي تقوده إلى جانب روسيا الداعم الأكبر للأسد.

لشكل المعارضة ومقبوليتها دور

ومن جانب آخر، قد تكون دلالات الانفتاح العربي التدريجي، هو تفضيل السيء عن الأسوأ بعد أن خيّبت المعارضة المسلّحة ظن الأنظمة العربية، بسبب خوضها معارك تركية من جهة والتشدد الذي طغى عليها من جهة أخرى.

ويًفسر مراقبون، أن معظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا، جاءت بعد انعدام فرص إسقاط الحكومة عسكرياً في ظل الدعم الروسي والإيراني، وتفادياً لمزيد من التوتر في علاقتها مع الدولتين الداعمتين.

فيما يرى آخرون، أن شكل المعارضة الذي تحوّل من السلمي إلى كيان سياسي تحت أعلام تركية، دفعت بالكثير إلى تفضيل دمشق عن غيرها من فصائل المعارضة، ورأت أن من مصلحتها إعادة تطبيع العلاقات مع حكومة دمشق.

ولا يخفى على أحد أن روسيا وإيران، باعتبارهما أقرب حلفاء دمشق، دعمتا بشار الأسد خلال طوال فترات عزلة “النظام السوري”، وأيدتا محاولته بقائه في السلطة، وحذت حذوها كيانات رديفة في المنطقة كحزب الله في لبنان وفصائل ولائية في العراق.

بينما قادت الولايات الأميركية المتحدة ودول غربية أوروبية نهجاً مغايراً، وبغض النظر عن دعمها لمشاريع الإغاثة الإنسانية، فقد رفضت بشكل قاطع التطبيع مع دمشق.

وشددت واشنطن في عدة محافل، آخرها بمناسبة ذكرة “الثورة السورية الـ11″، على رفض أي دعم للجهود الرامية إلى تطبيع العلاقات، وأنها لن ترفع أي عقوبة مفروضة على سوريا ولن تغيّر موقفها المعارض لإعادة إعمار سوريا، ما لم يُحرز تقدم لا رجوع عنه نحو حلّ سياسي.

قانون قيصر

وتعتزم واشنطن رفع العقوبات المطبّقة في إطار قانون قيصر عن شمال شرقي وشمال غربي سوريا، باستثناء مناطق سيطرة هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة سابقاً)، في خطوة تستثني المناطق التي لا تخضع لسيطرة حكومة دمشق من القانون الذي استهدف سوريا.

وسيستمر تأثير القانون الأميركي باستهداف المناطق الخاضعة لسيطرة الأسد، حيث يمنع القانون الكيانات الأجنبية من التعامل مع الأسد أو المشاركة في أنشطة البناء وإعادة الإعمار في هذا الجزء من الأراضي السورية.

بينما وبموجب الإعفاء المرتقب من قانون قيصر للمناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديموقراطية “قسد” والفصائل الموالية لتركيا، ستتمكن هذه المناطق من الاستفادة من التعاملات التجارية مع كيانات ودول خارجية.

وتترقب دول مستثمرة هذه الخطوة، وقد تستعد الإمارات لدخولها بصفتها إحدى أكبر الدول ذات الامتياز في مجال الاستثمار، الأمر الذي يدفع أبو ظبي إلى التمهيد لذلك دون التأثير على علاقاتها المتنامية مؤخراً مع دمشق، وهذا هدف آخر من اللقاء السوري الإماراتي.

إعداد وتحرير: هوزان زبير