مراكز “الرّقية الشّرعية” في إدلب تهدف للربح وترسيخ ممارسات الشعوذة
إدلب – نورث برس
تمتنع رويدة زكوان (28 عاماً) وهو اسم مُستعار لنازحة بمدينة حارم غربي إدلب، بعد أن ساءت حالتها النفسية والجسدية، عن حضور جلسات في مركز لـ “الرّقية الشّرعيّة”، تابعة لهيئة تحرير الشّام (جبهة النّصرة سابقاً).
وتقول “زكوان” لنورث برس، “كان يقيد أطرافي ويغطي عيني ويضربني، وأحياناً أخرى يسكب الماء على جسدي”.
وتضيف أنه بعد خضوعها لأربع جلسات في المركز الذي كان يشرف عليه أحد المغاربة، “حاولت الانتحار”.
وشَخص المغربي حالتها بـ “مس الجن والسّحر”، حسب تعبيرها، وتقول إنها “تعاني من اضطرابات نفسية وجسدية”.
ومؤخراً، علمت الشّابة المُنحدرة من مدينة معرة النّعمان، جنوب إدلب، أنّ تلك الممارسات ما هي إلا أساليب للتعذيب والشّعوذة.
وتشير إلى أنها سألت عدداً من الشّيوخ، الذّين حذروها من الاستمرار في الجلسات، “وأخبروني أنها تشويه للدين ونعتوها بأعمال مشينة”.
وفي إدلب، افتتحت عدة مراكز “العلاج بالرّقية الشّرعية” يديرها أشخاص من بلدان عربية كالمغرب، وتونس، وليبيا، حيث تعلموا في معاهد هيئة تحرير الشّام، وروجوا لأنفسهم بأنّ عملهم مطابق للشريعة الاسلامية، بحسب سكان محليين.
ويصل عدد تلك المراكز في إدلب وهي عبارة عن فروع إلى 17 فرعاً، وتتوزع في مدن حارم وسرمدا وإدلب وجسر الشّغور وأطمه، إضافة لمراكز أخرى في ريف حلب الغربي.
“منافية للشريعة”
ويرى عبد الله المحمد، وهو إمام مسجد شمال إدلب، أنّ جميع هذه الممارسات التي تنفذها مراكز العلاج من المس والسّحر والجن والعين وغيرها، “منافية للشريعة تطبيقاً ومضموناً، لأنها تسعى للربح ونشر فكرة وجود الشّعوذة”.
ويتقاضى الذين يديرون هذه المراكز مبالغ تتراوح بين 50 100- ليرة تركية عن كل جلسة(نحو 28 ألف ليرة سورية)، فضلاً عن الهدايا التي تقدم لهم في حال الشفاء، بحسب “المحمد”.
بينما ينفي محمد الجّزراوي ( 38 عاماً) وهو اسم مستعار لأحد الرّقاة في مراكز العلاج، وأيضاً عنصر في هيئة تحرير الشّام، أنّ عملهم “شعوذة وأفعال لا أساس لها”.
ويتهم الرّجل من يحارب تلك المراكز بـ “الكفر والضّلالة” ويصفها بالـ “واجبة على كل مؤمن”.
وتلقى مراكز الرّقية في إدلب إقبالاً “جيداً”، إذ يبلغ عدد مراجعيه للتخلص من “السّحر والجن” عشرون شخصاً شهرياً، إضافة لعشرات يقبلون عليه لأخذ النّصائح، حسب الرّاقي.
ضحية الجّهل
وفي بداية العام الجاري، انتحرت نورا الأمينو (34 عاماً) وهو اسم مُستعار لنازحة في مخيمات دير حسان الحدودية شمالي إدلب، خلال فترة خضوعها لـ “الرّقية الشّرعية”، في مدينة حارم غربي إدلب.
وعانت نورا من ألم دائم في رأسها يتزامن مع ارتجاف عصبي، الأمر الذي دفعها بأخذ نصيحة أقاربها والجيران لقصد مركز “الرّقية”، حسب والدتها.
وهناك شُخصت حالتها بـ “السّحر المشروب”، على حد وصف الأم، التي لاحظت تدهور الوضع الصّحي لابنتها، إلا أنّ “الشّيخ” أخبرها أنه أمر عادي، ولا يدعوا للقلق، لتتابع الفتاة الجلسات.
وكسابقتها تعرضت الشّابة للضرب وسكب الماء البارد على جسدها في كل جلسة، الأمر الذي أزم حالتها النّفسية والجسدية، فانتحرت بحبة “فوستوكسين”، كما تقول الأم.
وبعد تشريح الجثة لتأكيد سبب الوفاة، كانت المفاجأة الصّادمة للعائلة، حيث أخبرهم الطبيب الشّرعي، أن أنها كانت تعاني من شحنات كهربائية زائدة في رأسها، مما سبب لها الألم والارتجاف، حسب مصادر مقربة من العائلة.
ويقول إمام الجامع عبد الله المحمد، إنّ “هناك حالات لا تستلزم الرّقية الشّرعية بل زيارة أطباء مُختصين، إذ أنّ هناك أعراض وحالات معينة تخضع للرقية فقط، وتكون بقراءة القرآن في إذن المريض، دون أي ضرب أو سكب للمياه”.
ظاهرة مُتنامية
ومن جانبه، يقول المرشد النّفسي والاجتماعي في إدلب طاهر رضوان (35 عاماً) إنّ سبب الإقبال على هذه المراكز هو “الجهل والتّخلف والموروث الثّقافي الخرافي، الذي يتأثر به المجتمع المحلي”.
ويعاني المجتمع في إدلب من فرض أفكار معينة وصفها سّكان محليون بأنها مشابهة لنهج “داعش” مُستغلين في ذلك الانفلات الأمني والإيمان بالخرافات في تلك المناطق الذي مع الحرب في البلاد.
ويبدو أنّ التّرويج العلني لهذه المراكز صرف أنظار السّكان عن التّوجه للعيادات الطّبية، واللجوء للحل الأسهل والأكثر توفيراً وهو قصد مراكز “الرّقية” حسب قول “المرشد”.