أسعارٌ مُلتهبة ومشاريع مواد التّنظيف الصّغيرة في مخيمات إدلب تلبي حاجة السّكان

إدلب – نورث برس

يشتري زهير اليوسف (33عاماً) وهو نازح من ريف حماة الشّمالي، إلى مخيمات دير حسان شمالي إدلب، مواد التّنظيف، من معمل مُصغر لجاره عامر الخالد النّازح من حمص، نظراً لانخفاض أسعارها عن المُستوردة  في الأسواق.

ويشير “اليوسف” إلى أنّ سعر الكيلو غرام الواحد من سائل الجّلي عند جاره لا يتجاوز العشر ليرات تركية، في حين تباع العبوة سعة (ليتر واحد) ضمن الأسواق بعشرين ليرة تركية، هذا الفارق جذب العديد من سكان المخيم لشراء منتجاته.

وهنا لا بد أنّ نلفت النّظر إلى أنّ انهيار الليرة التّركية مقابل الدّولار الأميركي، وتذبذب أسعارها في الأسوق، فاقم من صعوبة الوضع، فلا تتجاوز الأجور اليوميّة للعاملين العشر ليرات تركية.

ويتوزع في شمال غربي سوريا، 1153 مخيماً، منها 242 عشوائية، يسكنها ما يقارب المليون نسمة، حسب إحصائية فريق “منسقو استجابة سوريا”.

وبلمسةٍ مُبتكرة، حَوَّلَ “الخالد”، خيمة لجوءٍ مُتواضعة في تجمع دير حسان شمال إدلب، إلى معملٍ لإنتاج الصّابون ومواد التّنظيف، ليستمر بمهنةٍ حملها معه من عبق أرضه.

فبعد أنّ اندلعت الأحداث السّوريّة في 2011، نزح العديد من سكان المدن، “قسراً” بحثاً عن مكان أكثر أمناً، مُتجهين نحو مصير مجهول، وأغلبهم اليوم تؤويهم مخيمات النّزوح.

وللظروف الاقتصاديَّة المُترديَّة، النّصيب الأكبر بإعادة “الخالد” النّظر بتكرار تشغيل المعمل بإمكانياتٍ أبسط، “لم أملك رأس المال الكافي، لإعماره وشراء آلات حديثة”.

عمل مُثمر

ويقول النّازح لنورث برس، “أثمرت أشهر من التّفكير، عن افتتاح معمل الخالد منتصف العام المُنصرم، بخيمة صغيرة مجاورة لخيمته”.

وتنتشر في المخيمات مشاريع وأعمال صغيرة لذوي الدّخل المحدود، منها ما هو مدعوم وأخرى لم تدخل حيز التّنفيذ نظراً لسوء الأحوال المعيشية.

ولا يتجاوز عرض وطول الخيمة الواحدة سوى بضعه أمتار، تكفي لعدد محدد من أفراد الأسر، وبالتالي يصعب ممارسة المهن والأعمال فيها، حسب سكان الخيام.

وعلى ما يبدو أنّ نزوح الشّاب الثّلاثيني من مسقط رأسه في منتصف 2018، وفقدانه لمعمله المعروف في حي الوعر بحمص، الذي كانت تُصدر منتجاته لجودتها إلى كافة المدن السّوريّة وبعض الدّول الأوروبيّة، لم يُنسه التّمسك بمشروعه الخاص، حسب جيرانه.

وهنا دقت عقارب السّاعة في حياة الرّجل معلنةً “وقت العمل الجاد” حسب وصفه، فصنع العديد من مواد التّنظيف كـ”المعجون، صابون الغار الحلبي، وغيرها”.

ويُفضل ذوو الدّخل المحدود من قاطني المُخيمات، مُنتجاته، لأسعارها البخسة، إذ يشير الرجل إلى أنّ سعر كيلو الشّامبو “نورا” في المحال يصل لخمسة وعشرين ليرة تركية (ستة آلاف وثماني مئة ليرة سورية)، في حين أنّه لا يتجاوز عنده العشر ليرات تركية.

وحسب نازحين في مخيمات دير حسان، فإن المعامل الصّغيرة الموجودة ضمن المخيمات، وفرت عليهم الكثير من المصاريف، في ظل الظّروف المعيشية الصعبة التي يعيشونها.

 أسرارٌ ناقصة

وفي ظل ظروف النّزوح الصّعبة يختلف الأمر، إذ يقول “الخالد” إنّ “العديد من المواد الأساسيّة التي تعتبر من أسرار المهنة، وتحدد جودة المُنتجات، غير متوفرة في أسواق إدلب، وبعضها باهظة الثّمن”، مقارناً إياها بما كان ينتجه في مَعملهِ السّابق.

والمواد هي “التّكسابون وله أنواع عدة، حمض السّلفونيك (الزّفتة)، البستائين، وغيرها”، والتي أثر غيابها بشكل ملحوظ على جودة الإنتاج، وبالتالي صعوبة تصريف المواد في الأسواق التّجارية، وفقاً لما أفاده.

ولا ينكر رب العمل، أنّ منتجاته بالرّغم من جودتها، إلا أنها لا تنافس الماركات العالمية كما في السّابق، ولكن عمله يؤمن له “مصدر دخل جيد” على حد تعبيره.

ويفكر “الخالد” بالتّوسع وتحويل مقر عمله لمبنى إسمنتي، نظراً لخطورة العمل في الخيمة القُماشية، لأن “بعض المواد المُستخدمة كيميائية”.

وبهذا يكون الحذر في التّعامل مع مواد التّنظيف، وإبعادها عن الأطفال خلال تصنيعها، ضرورةً مُلحة، يدعوا إليها الشّاب، لتجنب خطرها على الجّلد، والعينين، والجَّهاز التّنفسي، إضافة لأهمية الالتزام بنسب معينة من المواد الأولية.

ولعل أكبر الصّعوبات التي واجهها النّازح الحمصي، “معرفة طبيعة سوق العمل في إدلب، باعتبارها تحولت لحاضنةٍ تضم مئات آلاف النّازحين من مُدنَ سُوريَّةٍ مختلفة، فالمنتجات التّركية التي ملأت الأسواق غطت على الصّناعة المحلية”، حسب قوله.

إعداد: براءة الشّامي . تحرير: آيلا ريّان