كاتب وناشط كردي من سوريا، يكتب مقالات رأي في الصحف والمواقع المحلية والدولية، وله أبحاث منشورة حول القضايا المتعلقة بكرد سوريا.
هل الوقت مناسب لإجراء الانتخابات في شمال شرقي سوريا؟
داريوس الدرويش
تحتاج الإدارة الذاتيّة الديمقراطيّة أن يكون لها من اسمها بعض النصيب. صحيحٌ أنّها إدارة قائمة على مشاركة الشعوب المحليّة فيها بشكلٍ لا مثيل له في المنطقة، إلّا أنّها تفتقد للديمقراطيّة الحقيقيّة، والتي لم تعرفها البشريّة عمليّاً حتّى اليوم إلّا بشكلٍ واحدٍ فقط هو انتخاب الشعب لممثّليه في السلطتين التشريعيّة والتنفيذيّة، وبشرطٍ واحدٍ فقط هو توفّر الحرّيات السياسيّة الأساسيّة (كحقّ تشكيل الأحزاب وحريّة الإعلام وغيرها).
إلّا أنّ نقاشاً كثيراً في الأوساط العامة يدور بشأن حُسن توقيت إجراء الانتخابات في هذه الفترة، ويتمحور هذا النقاش حول نقطتين أساسيّتين: الأولى هي مدى جدوى اتخاذ مثل هذه الخطوة في مرحلة تعاني فيها المنطقة من ظروف سياسيّة معقّدة وخطرة للغاية، وقد تودي بمستقبل المنطقة بأكملها. النقطة الثانية هي عدم جاهزية الظروف السياسيّة الداخليّة لإجراء الانتخابات العامّة في ظلّ غياب منافسين أقوياء يستطيعون منازعة حزب الاتحاد الديمقراطي على ما بحوزته من سلطة تشريعيّة وتنفيذيّة.
الواقع أنّ الانتخابات لطالما كانت مرحلة تتّسم بالتوتر والاستقطاب السياسيّ، وثمّة مخاطر محتملة من نشوء أزمات سياسيّة بعدها تمنع تشكيل الحكومة وتترك البلاد في حالة فراغٍ دستوريّ. ولكنّ الواقع أيضاً هو أنّه لم يسبق لمثل هذه الأزمات في بلدان أخرى أن أثّرت عليها خارجيّاً، ولا كان لها أيّ تأثير مقابل المخاطر الوجوديّة التي تتهدّدها، كما هو الحال في إقليم شمال شرقي سوريا، بل عادة ما يقتصر تأثيرها على عدد محدود جدّاً من القضايا الداخليّة، والتي تسيّر معظمها إدارات الدولة بعيداً عن التجاذبات السياسيّة في الحكومة.
في المقابل، وفي هذه المرحلة بالذات، فإنّ لإجراء الانتخابات مكاسب مادية ومعنويّة ملموسة، فمن جهة ستكون فرص انتعاش الفساد أقل، وفرص ترشيد الحكم أكبر في ظلّ وجود نظامٍ ديمقراطيٍّ يحاسب المسؤولين الفاشلين، أقلّه عبر عدم إعادة انتخابهم، وهو ما يزيد بطبيعة الحال من فعاليّة استخدام الموارد المتوفرة التي تحتاج المنطقة كل نقطة منها بشدّة لمواجهة التهديدات الخارجيّة. من جهة أخرى، سيكون المثال الديمقراطي الذي يقدّمه الإقليم الجديد علامة فارقة في الشرق الأوسط الموبوء بشتّى الأمراض السياسيّة، وهو ما سيضيف الشيء الكثير إلى السمعة الحسنة التي صنعتها شجاعة مقاتلي قوات سوريا الديمقراطيّة في حربهم على داعش.
الواقع أيضاً أنّ الحزب الديمقراطي الكردستاني المستند إلى جمهورٍ واسعٍ من البرزانيين من الممكن أن يشكّل منافساً قويّاً لحزب الاتحاد الديمقراطي. ولكن حتّى لو افترضنا غياب مثل هذا المنافس، فسيكون ذلك بالدرجة الأولى نتيجة لغياب الانتخابات وليست مبرّراً لعدم إجرائها. إذ إنّ عدم تداول السلطة بين الأحزاب السياسيّة يحرمها من القدرة على إقناع جماهيرها المحتملة بصحة برنامجها السياسي الذي يبقى في قالبٍ نظريٍّ جامدٍ يستقطب فئات قليلة من السكان، والأمثلة على ذلك كثيرة، فجميع الدول غير الديمقراطيّة تغيب عن ساحتها المعارضة أحزابٌ قويةٌ، وذلك ليس كلّه نتيجة القمع، إذ إنّ أحزاب الجبهة الوطنيّة في سوريا لا تتعرّض للقمع، ولكنّها بقيت رغم ذلك أحزاباً صغيرة.
أضف إلى ذلك أنّ الانتخابات هي آليّة تصحيحٍ ذاتيّة تعيد تشكيل الخارطة السياسيّة، ببطء أحياناً وبسرعة أحياناً أخرى، ومن شأنها أن تضمن في الدورات اللاحقة تقوية أحزاب وإضعاف أحزاب أخرى حالما يجد المُنتخِبون أنّ ممثّليهم يملكون القوّة الفعليّة لإجراء التغييرات التي يرونها مناسبة، والتي يكفلها لهم الدستور. كما أنّها تملك على المدى الطويل المقوّمات التي تؤهّلها لإيجاد مكان للمتعاطفين مع "الخدمات" على الساحة السياسيّة الكرديّة بين المتعاطفين مع الآبوجيين والبرزانيين.
تقع على عاتق الإدارة الذاتيّة مهمّة تهيئة الأجواء الضروريّة لإجراء الانتخابات، من استبدال حاجة الأحزاب للترخيص إلى حاجتها للإشهار وفقاً لآليّة تنظيم عصريّة، ومن إطلاق يد الإعلام ومنحه حريّته التي يحتاجها السكان للحصول على المعلومات التي تعينهم على تحويل خيارهم الديمقراطي إلى نتيجة مفيدة، ومن دعوة جميع الأحزاب السياسيّة من جميع القوميات للتشاور حول إجراء الانتخابات وتحديد موعد لها في أقرب وقتٍ ممكن، والأهم هو ضمان الجهات المتنفذة في الإدارة الذاتيّة قدرة الأشخاص المنتخبين على ممارسة صلاحياتهم وفق القانون.