خارج التغطية منذ نحو /3000/ يوم.. مأساة أخوين من الحسكة إلى دمشق
الحسكة – أفين شيخموس - نورث برس
أبو "الحسنين" كالكثير من رجال حي تل حجر في مدينة الحسكة، متزوج من امرأتين، هما أم حسين التي كانت تعد أيام شهر حملها الأخير كي تنجب حسين، أما أم حسن فكانت في الشهر الثاني من حملها عندما أتاهن خبر وفات زوجهما أبو الحسنين بحادث سير.
أبصرت أعين حسين إلياس حسو، النور من غير رؤية والده ليتبعه أخوه بـ /7/ أشهر على هذه الفاجعة، وأفنت السيدتان حياتهما لتربية الحسنين، وتعويضهما حرمان والدهما، لكن ظروف الحياة الصعبة أجبرت الأخوين على ترك دراستهما والعمل في سنٍ مبكرة.
كبر الطفلان دون معيل ودون شهادة تسند ظهرهما، فكل ما كسبوه من هذه الحياة، العمل، وتأمين قوتهم اليومي.
قررت وضحة حسين مراد "أم حسين" تزويج ابنها وهو في الـ/19/ من عمره كي تدخل الفرح لقلبها وقلبه، وتحظى برؤية أحفادها، وأتمت الأمر على عجل، لتنجب زوجة حسين طفلة، ومن ثم رزقه الله بطفل ليقرر حينها أنهم لن يستطيعوا البقاء في مدينة الحسكة أكثر، لأن ظروف المعيشة باتت أصعب مما كان يتوقعها.
إذ قرر "الحسنين" السفر إلى دمشق، كي يعمل الجميع في مزارع منطقة بلودان لتأمين حياتهم.
عمل حسين في إحدى المستودعات كـ"عتال"، أما حسن عمل كسائق في إحدى حافلات النقل الداخلي في دمشق، وهناك التقى حسن بشريكة حياته وتزوج منها ورزق بطفل.
وجاء اليوم "المشؤوم" كما وصفته أم حسين لـ "نورث برس" ففي ليلة الـ/18/ من شهر أيار/ مايو عام 2012 ذهب "الحسنان" لزيارة عمهما الذي قدم من الحسكة إلى دمشق.
بعد خروجهما بساعات جرت اشتباكات قوية قريبة من منزلهم "كانت ليلة سوداء بكل معنى الكلمة كانت القيامة"، هذا ما سردته أم حسين واصفة تلك الليلة.
وتابعت: "بعد سماعي أصوات الرصاص سارعت إلى الاتصال بمنزل عمهم وأخبرتهم آلا يعودوا إلى المنزل فقد قامت القيامة في حينها".
ولكن بعد منتصف الليل قرر الأخان العودة إلى المنزل، حيث اتصلت زوجة حسن على هاتفه الجوال لكنه فصل المكالمة، وكما قالت أم حسين أن زوجة حسن أخبرتنا حينها "يبدوا أنهما باتا قريبين من المنزل لذا فصل الخط".
بدأت آثار الراحة ترتسم على وجوه العائلة لكن الخوف كان الأقرب إلى قلبهم، فقد مرت ساعة كاملة على إغلاق المكالمة، وعاودت الزوجة الاتصال من جديد، لكن الهاتف أصبح خارج نطاق التغطية.
منذ ذلك الوقت إلى الأن لا يزال الهاتف خارج نطاق التغطية، ولا أثر للحسنين الذين لم يشاهدا أباهم ولا أبناءهم، الذين ولدوا من بعدهم إلا أن وسيلة التعارف بينهم كانت الصور القديمة الموجودة لدى أفراد العائلة.
"عناصر المداهمات في حي عش الورور، كانوا أقرب في تلك الليلة إليهم من بيتهم"، تعاود آلاء علي "زوجة حسن" الحديث عن تفاصيل جديدة.
وتضيف قائلة: "اعتقلت سلطات الأمن السوري زوجي وأخيه وإلى هذه اللحظة لا يخبروننا الحقيقة، ولا نعلم إن كانوا أحياء أم تم تصفيتهم"، هذا ما أكملته زوجة حسن التي تبلغ من العمر (29عاماً) وهي أم لطفل وحيد لم يرَ أباه، حيث كان يبلغ من العمر أنذاك /7/ أشهر.
وتتابع آلاء علي "زوجة حسن" إنها لم تترك مخفراً أو قسماً للشرطة العسكرية أو فرع أمن تابع لقوات الحكومة السورية، إلا وراجعته أكثر من مرة، ولكن دون جدوى، حتى أنها تابعت جميع سجلات الوافيات ولم تحصل إلا على جواب واحد "إضبارتاهم ليست لدينا".
أغلقت أم حسن يداها قائلة "شهر كامل وأنا أبحث عنهم في دمشق دون جدوى، ثم قررنا العودة إلى الحسكة من جديد، لتبدأ رحلة أقسى مما عايشناه سابقاً".
تؤكد زوجة حسن أنها كانت ولا تزال إلى اللحظة هذه تبحث عن الحسنين، ففي كل مرة يأتي شخص ويقول لهم "سوف أساعدكم في الوصول إليهم مقابل مبلغ مالي، لم تعد تذكر كم مرة دفعوا كي يحصلوا على معلومة مؤكدة فـ /100/ ألف و/500/ ألف ومليون ليرة سورية، كلها كانت عمليات نصب غير مجدية إلى أن وصلوا إلى مرحلة التشتت والحرمان.
"وقبل /8/ أشهر اتصل بنا خال حسين وأخبرنا أن لديه صديق يستطيع الوصول إلى الحسنين وإخراجهم، أينما كانوا، ويعودا إلينا سالمين"، تقول الزوجة وعلى شفاهها بسمة خيبة لقد طلب منا حينها /12/ مليون ليرة سورية، "أخذتنا الدهشة كما اليوم، وقررنا أن نبيع منزلنا الذي كان يقدر بـ/30/ مليون، لقاء مبلغ /15/ مليون ليرة.
وأكملت زوجة حسين حديثها قائلة: "وجاء آخر نصاب" كما وصفته متابعة "جلسنا هنا أمامه مع خال حسين استلم /5/ ملايين ليرة سورية، وقال بعد /21/ يوم ستذهبين إلى دمشق كي تلتقي بالحسنين وتُسلِّمي باقي المبلغ، وبعد أن وصلت إلى دمشق أخبرني أن ازوده بـ/2/ مليون أيضاً، لأنه أنفق الكثير من المصاريف ليصبح ما حصَّله منا /7/ ملايين".
تابعت زوجة حسن، "قال لي انتظري نصف ساعة في الشارع الرئيسي وسيأتي من تنتظرونهم منذ سنوات، انتظرنا /12/ يوماً ولم يأتِ من كنا ننتظرهم منذ /8/ سنوات، والمخيب أكثر أن الرجل اختفى منذ ذلك الحين، وخال حسين يهددنا بدلاً من أن يهون علينا مما حل بنا بسببه".
واستطردت، "عدنا خائبين لا منزل، لا زوج ولا شيء نستطيع أن نفعله، سوى راتبي الذي أتقاضاه كل شهر ويقدر بـ/65/ ألف ليرة، كما أن الحياة لم تفرغ من الناس الأكارم فقد منحنا جارنا منزلاً يملكه كان يعطيه بالإيجار لكنه أعطانا إياه من غير مقابل ونحن مدينون له".
تضيف زوجة حسن المفقود في معتقلات الحكومة السورية: "الأطفال كبروا ويبدوا أن قدر آبائهم يسيطر عليهم من جديد، وكل ما تتمناه أمهاتهم ألَّا يعيد القدر نفسه من جديد".
وتعيش أم "الحسنين" وزوجتيهما على أمل أن يعودا إليهم، "لتأمين مستقبل أطفالهم ومحاسبة كل من تسبب لهم بأذى في عز ضعفهم".