كتاب الطفل ضائعٌ بين رأس المال الجبان والتكنولوجيا الرقمية المسيطرة!
دمشق- جاد نجار - NPA
مع صرف مبالغ طائلة على ألعاب الأطفال ومنافسة التكنولوجيا الرقمية للكتاب الورقي تتضاءل مبيعات كتب الأطفال، ما يثير التساؤل حول دَورِ دُور النشر في شدّ الطفل نحو إِعمالِ عقله وجذبه للكتاب الورقي؟.
أكثرُ من عشرين دار نشرٍ لكتب الأطفال تشارك في معرض الكتاب الحالي. لكن خمسة أو ستة دورٍ منها فقط مختصةٌ فعلاً بالكتاب المطبوع والباقي تهتم بالوسائل والألعاب التعليمية والترفيهية وقطع التركيب (البازل).
يُصرَفُ على هذه الألعاب مبالغٌ طائلةٌ في مقابل نسبةٍ ضئيلةٍ من ميزانيات الدُورِ تذهب نحو الاهتمام بالكتب المطبوعة التي تتراوح أسعارها بين ألف ليرة وسبعة آلاف ليرة بحسب جودة الورق المصقول وأهمية الرسّامين وعراقة الدار.
وفي زمن التكنولوجيا المنافسة التي تسحب اهتمام الأطفال بعيداً عن عالم الكتاب الورقي كان لـ"نورث برس" جولة على دور نشر كتب الأطفال.
اصدارات سنوية متجددة
يقول أمجد ترجمان (مسؤول دار الربيع الموجودة في سوق النشر السوري منذ عام 1960) "في زمن التقنيات هذا نهتمّ ونتوسع بالمطبوعات الموجّهة للأعمار الصغيرة (منذ عمر السنتين حتى العاشرة)، من حيث المناهج التربوية المطوّرة والألعاب التعليمية وحتى بدمج تقنيات التكنولوجيا في مطبوعاتنا".
ويشير إلى أنّ "اعتمادهم على أفكار التسالي والألعاب الجاذبة والألغاز التفاعلية هي ما يشدّ الطفل نحو إِعمالِ عقله والتفكير بحلولٍ للمشاكل التي يمرّ بها. ولذلك كل سنةٍ لدينا إصداراتٌ جديدةٌ ومتجددةٌ من حيث المحتوى ومدروسة من اختصاصيين نفسيين وتربويين".
وعن المُميز هذه السنة يقول "لدينا جناح تخفيضاتٍ خاص فكل ما هو منشور منذ أكثر من عشر سنوات يباع فقط بخمسمئة ليرة مراعاةً لوضع الناس. ولدينا كتب مختصّةٌ بذوي الاحتياجات الخاصة وأطفال التوحّد، فيها ميزاتٌ خاصةٌ من حيث الترابط بين الألوان والطرق الخاصة بتحريك القطع والصفحات مثل سلسلة لوجيكو".
علاقة تراجعية مع الكتاب
فيما يشير موفّق حافظ (مسؤول جناح دار الحافظ 1997) في حديثه لـ"نورث برس" إلى أنّ "هناك تراجعاً بشكلٍ عامٍ ليس فقط على مستوى كتب الأطفال إنما على صعيد العلاقة مع الكتاب".
ويضيف "لكننا حاولنا إيجاد نوعياتٍ جديدةً من الكتاب التفاعلي وانتقاء نوعية المواضيع مثل سلسلة عجائب العلوم/الكتاب الصوتي التفاعلي مع كود خاص موجود على غلاف الكتاب"، ويشرح حافظ عن كيفية استعمال الكود "بعد شراء الطفل للكتاب يأخذه هذا الكود نحو موقع الكتروني خاص اشتغلناه كجزيرة للمعلومات العلمية المرتبطة حصراً بما هو موجود داخل الكتاب. كي لا ينسى الطفل أهمية الكتاب واستخدامه مع التقنية".
يوافقه في الرأي نوّار كاتبة (مسؤول مؤسسة سين للثقافة والنشر)، ويقول "التكنولوجيا اكتسحت حياتنا كلّها ومعها حياة أطفالنا. أصبح الكتاب صديقاً من الماضي. لكن رؤيتنا للثقافة هي أن نصرَّ على بقاء الطفل متعلّقاً بالكتاب بوصفه شيئاً حميماً يمكن له أن يجد فيه معلوماتٍ متخصصةً بكون أنّ الباحث يجتهد في صناعة كتابه ومراجعه كمادة موثوقة أكثر من وسائل الانترنت الواسعة والمتشعبة لكن قليلة الموثوقية".
ويضيف كاتبة: "لنكن صريحين الأطفال بالعموم ينجذبون للوسائل التعليمية أكثر من الكتاب المطبوع في حدّ ذاته حتى لو احتوى على قصصٍ مشوقةٍ وصورٍ أو رسومات لافتة ومفرحة. لكننا نحاول".
الطفل يقلّد ولا يسمع
السيدة فاتن بهلول أستاذة جامعية تقول "أولادُك يرونك ولا يسمعونك كما يقول المثل. بمعنى أنّ الأطفال يقلّدون الأهل بما يرونهم عليهم بالسلوك والفعل وليس بالملاحظات والتلقين أو الإجبار".
ونوّهت إلى أنّ "التكنولوجيا في نهاية الأمر هي وسائل معرفة مهمّة وباتت ضرورةً ملّحةً في هذا الزمن التقني، لكن ليس جميع الأطفال يعرفون كيف يستفيدون منها. هناك بحرٌ مخيفٌ ومتشعّبٌ من المعلومات منها ما يحمل الطفل نحو الأعلى ومنها ما يشوّه ويسيء".
واقترحت السيدة بهلول كنوعٍ من الحلول لهذه الإشكالية "أن يُعتَمد الكتابُ الالكتروني أو الكتاب السمعيّ كحلٍّ وسطٍ بين الكتاب الورقي وتقنيات الذكاء الاصطناعي بأشكالها المختلفة". مشيدةً بالفكرة التي بادرت بها إحدى دور النشر بالتعاون مع المدارس تحت ما يسمّى "الطفل القارئ" وهي مسابقة تشجع الطفل على أن يبقى على علاقة وتواصل مع الكتاب الورقي مع الاهتمام والتركيز على جواهر ومواضيع قيّمة.
رأس مال جبان
فيما اشتكى وجد منصور (أبٌ لثلاثة أطفال) من الأسعار المرتفعة في دور النشر العربية واللبنانية والتي تتراوح بين ثلاثة آلاف إلى ستة أو سبعة آلاف ليرة سورية خاصة للمطبوعات باللغة الإنكليزية أو الموسوعات العلمية بالأبعاد الثلاثية وتحجيمات الصور والرسوم وهو مبلغٌ "يكسر الظهر في حال رغب المواطن أن يشتري لكل أفراد عائلته".
فيما أشارت السيدة فاتن كِتّاني بقولها "نحتاج إلى إعلانات تربوية في التلفزيون إعلانات جاذبة للطفل وموجّهة له نحو القيم الجمالية والمعرفية للكتاب. لكن رأس المال جبان ولا أحد يهتم بصناعة إعلاناتٍ عن منتجاتٍ ثقافيةٍ مثل الكتاب لأنّهم يعتقدون أنّ ذلك غير مربحٍ وغير ذي جدوى اقتصادية. بكل أسفٍ".