ما الذي يريده أردوغان من المنطقة الآمنة؟
خورشيد دلي
لا يتوقف الرئيس التركي رجب طيب أردوغان عن التهديد، بأنّه ما لم تكن المنطقة الآمنة وفق شروط تركيا، فأن بلاده ستلجأ إلى تنفيذ خططها الخاصة لإقامة هذه المنطقة بمفردها، أكثر من ذلك، صعّد أردوغان من لهجته الخطابية تُجاه الإدارة الأمريكية، بتحديد مهلةٍ لها حتى نهاية الشهر الجاري لإقامة هذه المنطقة وفق الشروط التركية وإلّا فأنّ تركيا ستقوم بعمليةٍ عسكريةٍ في شرقي الفرات، وبين كل خطابٍ وخطاب، يزيد أردوغان من شروطه وتصعيده، إلى درجة أنّه يوحي بالتخلي عن الاتفاق الذي تم التوصل إليه مع الإدارة الأمريكية في السابع من الشهر الماضي لإقامة هذه المنطقة.
أهداف تركيا
في الواقع، منذ لحظة التوقيع على الاتفاق، كانت أولويات الأطراف المعنية مختلفةً، فالجانب الأمريكي أراد من إقامة المنطقة الآمنة معالجة المخاوف الأمنية على جانبي الحدود، ومنع الصدام بينهما في ظل التلويح التركي الدائم بتكرار تجربة عفرين في شرقي سورية، بدورها حرصت قوات سورية الديمقراطية (قسد) على التهدئة، ونزع المبررات التركية، والسعي إلى نيل شكل من أشكال الاعتراف الإقليمي والدولي عبر هذا الاتفاق، فيما تركيا هدفت إلى إقامة "منطقة آمنة" تحت سيطرتها، تحقق بقاء نفوذٍ دائمٍ لها في كامل المنطفة الحدودية شمال سورية. وعليه، رغم تنفيذ الأطراف الثلاثة العديد من خطوات الاتفاق، كإقامة مركز تنسيق أمريكي – تركي مشتركٍ، وتنفيذ طلعاتٍ جويةٍ مشتركةٍ، وكذلك دوريات داخل الشريط الحدودي، مقابل قيام (قسد) بخطواتٍ مهمةٍ على الأرض، من ردم لتحصنيات دفاعية وانسحاب قواتها لبضع كيلومترات، إلّا أنّ الجانب التركي يُبدي المزيد من التذمر، وكأنّ لسان حاله يقول إنّ المنطقة الآمنة ليست حلاً، وأنه سيلجأ إلى مشروعه الخاص. وعليه ، فأن السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا، هو ماذا تريد تركيا من وراء إقامة المنطقة الآمنة؟. |
في الواقع، لا يُخفى على المراقب جملة الأهداف التركية التالية:
1- أن تكون "المنطقة الآمنة" تحت السيطرة التركية المباشرة، بهدفٍ أساسيٍ هو القضاء على تجربة الإدارة الذاتية، ومنع تحولها إلى تجربةٍ راسخةٍ على مستوى المنطقة، وهذا يتطلب وفق المفهوم التركي القضاء على البنية العسكرية لقسد بحجة مكافحة الإرهاب، علما أنّ قسد هي قوات مختلطة تمثل مختلف مكوّنات منطقة شرقي الفرات، وهي أكثر قوات حاربت "داعش" وألحقت به هزيمةً مدوّيةً بدعمٍ من التحالف الدولي.
2- توطين ملايين اللاجئين السوريين في تركيا في المنطقة الآمنة، وذلك لتحقيق جملة أهداف، في مقدمتها، إحداث تغييرٍ ديمغرافي في المنطقة، فضلا عن التخلص من أعباء اللاجئين السوريين لديها، ولاسيما بعد الإجراءات الأخيرة التي اتخذتها الحكومة التركية ضدهم.
3- تحويل المنطقة الآمنة إلى منطقة نفوذٍ تركيٍ مباشرٍ، من خلال تشكيل إداراتٍ محليةٍ من الجماعات المسلّحة التابعة لها، وهو ما يعني القضاء على تجربة المجالس المحلية التي تشكّلت في المنطقة بدعمٍ من قسد والتحالف الدولي. \
على ماذا تستند تركيا؟
تستند تركيا في تطلعاتها السابقة على جملة من العوامل، لعل أهمها:
1- الايديولوجية التركية السائدة ضد الكرد أينما كانوا، إذ ترى تركيا أن تجربة إقامة "منطقة آمنة" شمال شرقي سوريا قد تؤدي إلى اعترافٍ تدريجيٍ بالإدارة الذاتية هناك، وهو ما سيزيد من مصاعب تركيا في ظل غياب أي مسارٍ سياسيٍ لحلٍّ سلمي للقضية الكردية في الداخل التركي، إذ إنّ من شأن المسار السابق مطالبة كرد تركيا بإدارةٍ ذاتيةٍ تعبيراً عن وجودهم، وإرادتهم، وحقهم في المشاركة بالحياة العامة.
2- استراتيجية توجيه أنظار الداخل التركي إلى الخارج، ففي ظل تراكم الأزمات التركية الداخلية ولاسيما الاقتصاد وتفكك حزب العدالة والتنمية الحاكم وحساسية أردوغان من الجيش، وانسداد سياسته في سوريا، بات من الواضح، أنّ أردوغان يعتمد هذه الاستراتيجية للهروب من هذه الأزمات من جهةٍ، ومن جهة ثانيةٍ لإشغال الجيش بمعارك دائمةٍ مع الخارج، خوفاً من حصول انقلابٍ عسكريٍ ضدّه كما يقول المتابعون للشأن التركي.
3- التصويب من بوابة إيران وروسيا على الوجود الأمريكي في شرقي الفرات، إذ تتفق الدول الثلاث في إطار مسار أستانا على استهداف هذا الوجود، بوصفه غير شرعي أولاً، وثانياً في إطار الصراع على النفوذ في الأزمة السورية وكيفية حلّها، حيث تبرّر تركيا رغم أنّها عضوٌ في الحلف الأطلسي وحليفةٌ تاريخيةٌ للولايات المتحدة، بأنّ الأخيرة تخطط سراً لإقامة دولةٍ كرديةٍ في المنطقة، وأنّ المُستهدف الأساسي من هذه السياسة هو تركيا.
حسابات متداخلة
ثمّة من يرى أنّ التصعيد التركي، والتهديد الدائم بغزوٍ عسكريٍ لشمال شرقي سوريا، يندرج في إطار السعي التركي لدفع الإدارة الأمريكية إلى تقديم أقصى التنازلات بخصوص المنطقة الآمنة، ولاسيما لجهة العمق والسيطرة، والقضاء التدريجي على تجربة الإدارة الذاتية، ولعّل أكثر ما يزعج أنقرة، هو سلوك الإدارة الأمريكية التي تبدي التمسك بحماية حلفائها المحليين ـ أي قسد ـ واستمرار تقديم الدعم العسكري لها، في وقت ترى أنقرة أنّ هذا السلوك يخالف ثوابت العلاقة التركية – الأمريكية. وأمام هذه المعضلة التركية، من الواضح أنّ أردوغان يراهن على علاقته الخاصة بنظيره الأمريكي دونالد ترامب، وعلى تقديم مغرياتٍ للإدارة الأمريكية على شكل صفقات السلاح، حيث كان لافتا إعلان أردوغان قبل أيام عن رغبته بشراء منظومة باتريوت للصواريخ، وذلك لتحقيق أكبر قدرٍ من الدعم من ترامب خلال القمة المرتقبة بينهما في الأيام المقبلة على هامش أعمال الدورة السنوية للجمعية العامة للأمم المتحدة. في الواقع، من الواضح أنّ شروط أردوغان بخصوص "المنطقة الآمنة" لا تصب في نهج تحقيق الاستقرار والتهدئة، وإنما تدفع بالأمور إلى فصل جديد من التأزيم وخلط الأوراق، والانفتاج على سيناريوهاتٍ مفتوحةٍ، وهو ما يشكل ضربةً للاستراتيجية الأمريكية نفسها في المنطقة. والسؤال هنا، هل ستغير الإدارة الأمريكية من استراتيجيتها المرنة في التعامل مع أنقرة لأسبابٍ كثيرةٍ، أم أنّها ستواصل سياسة تدوير الزوايا معها بحثا عن تفاهمات ممكنة؟ وفي ظل تعثر الإجابة عن هذا السؤال حالياً، كل الأنظار تتجه إلى نتائج القمة المرتقبة بين ترامب وأردوغان.