المدارس المختلطة في اللاذقية بين النزعة المتزمتة وفورة الشباب وتكوين رابطة مقدسة
اللاذقية – عليسة أحمد - NPA
يعتبر الاختلاط أو الفصل بين الذكور والإناث في المدارس السورية، قضية تربوية شديدة الحساسية، لم يحسم حتى الآن، الجدل فيها، فرغم رجوح كفة نظام الاختلاط، على كفة نظام الفصل، إلا أن الفصل بين الذكور والإناث، نظام ما زال معمولاً به في بعض المدارس، مراعاة لحساسية بعض الشرائح المجتمعية، التي لا تفضل إرسال بناتها، إلى مدارس يختلط فيها الطالب مع زميلته.
وتعد محافظة اللاذقية من المناطق التي تنحو لنظام الاختلاط بشكل كبير، وتشجع عليه، إذ درجت العادة في هذه المحافظة، على اعتماد الاختلاط بين الجنسين في المدارس الحكومية، منذ مدة طويلة، لكن لا يخلوا الأمر من بعض الاستثناءات، كاحترام خصوصية وحساسية بعض المناطق من موضوع الاختلاط.
فيما لوحظ في السنوات الأخيرة، تراجع للمدارس التي تفصل الذكور عن الإناث في اللاذقية، بشكل كبير، بعد سلسلة تجارب وحوادث لم يمنع نظام الفصل من وقوعها.
هذه الأسباب أثبتت حاجة المدارس للرقابة والإشراف، أكثر من الفصل، كما تتركز المدارس التي تعتمد نظام الفصل في بعض أحياء المدينة، وفي تجمعات مخصصة، بينما مدارس الريف فهي مختلطة بأغلبها.
وجهة نظر
وبين تفضيل الفصل أو الاختلاط في المدارس، كان لأهالي اللاذقية وجهات نظرهم بكلا النظامين، حيث تقول مرح ديوب وهي طالبة في الصف الثاني الثانوي في مدرسة غير مختلطة، إنه لا فرق لديها إن كانت مدرستها مختلطة أم لا.
إلا أنها تضيف مرح لكلامها السابق، أنه على الرغم من أنها تتصرف بحرية هي وزميلاتها في الصف، دون الشعور بالإحراج، لعدم وجود زملاء ذكور، إلا أنها "تفتقد تلك الأيام في المدرسة الابتدائية، التي كانت تلعب وتمرح بها، مع أصدقاء الطفولة دون تمييز بين ذكور وإناث".
فورة شباب
أما عبد الرحمن فاروسي، الذي يشتغل بالأعمال الحرة، ويسكن في منطقة عائلاتها محافظة، وتتحسس من الاختلاط المدرسي، يقول بأنه يشعر بالقلق على ابنتيه اللتين بلغتا مرحلة المراهقة.
ويبرر فاروسي ذلك بالقول إنه يتخوف من "اختلاطهن بالذكور داخل المدرسة، لأنهم جميعاً في مرحلة فورة شباب، وقد ينجرفون لمشاكل نحن بغنى عنها".
ويعتقد أن وجود ابنتيه في مدرسة تفصل الذكور عن الإناث، "تزيح فكرة العلاقات الغرامية التي يتخوف منها الأهل، في هذه المرحلة، وترفع تحصيلهم الدراسي لتركيز تفكيرهم بالدراسة فقط".
رابطة مقدسة
فيما قالت كاترينا اليوسف وهي طالبة جامعية تروي تجربتها بالاختلاط أيام الثانوية: "درسنا في مدارس مختلطة وكانت الأمور على ما يرام، ولدينا أصدقاء دراسة لا نزال نفتخر بهم وأغلبهم رافقونا إلى مقاعد الجامعة".
وتردف قائلة: "الاحترام والذكرى الجميلة، هو ما يجمعها بهم"، فيما لا ترى كاترينا أي مبرر للتخوف من الاختلاط، لأن الجنسين سيختلطون عاجلاً أم أجلاً، بل ترى أنه "سيهذب الطرفين ويجعلهم يشعرون بالمسؤولية تجاه بعضهما البعض".
وتابعت بأن "الكثير من أصدقائها الشباب كانوا يدافعون عن زميلاتهم، ضد من يحاول مضايقتهم داخل المدرسة وخارجها، وهذا نمَّى داخلها احترام لهذا الذي وصفته بـ" الرابطة المقدسة".
دفع للتحرش
ويروي المدرس سعيد عثمان، وهو أب لثلاثة أبناء، خلاصة تجربته لـ"نورث برس" عن كلا النظامين، ويرى أنه على عكس الشائع، بأن فصل الذكر عن الأنثى في فصول المدارس، يمنع الوقوع في المحظورات الأخلاقية، مستذكراً حالات كثيرة غير أخلاقية، شهدها في مدارس تتبع نظام الفصل بين الجنسين.
ويضيف بأن "منع التقاء الطالب بالطالبة واحتكاكهم في المدرسة لن يمنع التقائهما خارج المدرسة"، معتبراً أن عزل الطالب عن زميلته يفتح باب اعتبار كل طرف للآخر غريباً، لا بد له من استكشاف وجوده، ما قد يشجع على التحرش.
ويرد المدرس عثمان ذلك إلى عدم تعلم الطالب لأصول التعامل بين الذكر والأنثى، ويرى أنه من الطبيعي، اختلاط أبنائه بكلا الجنسين، لأن الاختلاط هو الأمر الطبيعي، ويضيف قائلاً: "المدارس تهذب الإنسان بمراحل مبكرة، وتدفعه للاتصال الاجتماعي بطريقة صحيحة".
نزعة متزمتة
أما المرشدة الاجتماعية إلهام غانم، في مدرسة تتبع نظام الاختلاط، كما أنها أم لفتاتين وشاب، تخطوا مرحلة المدرسة، تقول "وظيفتنا التربوية، هي إنشاء جيل متوازن من كل النواحي، ومن الخطأ الاعتقاد أن فصل الذكور عن الإناث قد يمنع الوقوع في المحظورات الأخلاقية".
وتضيف أن "الفصل يجعل السعي للاختلاط، هاجساً أساسياً لدى الطرفين، قد يترجمونه بشكل غير لبق مع معايير مجتمعهم وعائلاتهم، فالاختلاط قد يحدث بأي مكان، والأرجح قد يحدث سراً في أماكن بعيدة عن العين، كما يجب ألا ننسى أن الإنترنت لعب دوراً أساسياً في هذا المجال".
وتؤكد غانم أن الاختلاط "يردم الفجوة بين الجنسين، ويقلل نسبة الخطأ، ويعلم اللباقة في التعامل".
كما تتابع "نحن مختلطون بالحياة بشكل طبيعي، ويجب السير مع الطبيعة، وعدم الانسياق مع النزعة المتزمتة لعزل الطرفين"، واعتبرت أن فوائد الاختلاط كثيرة ومهمة في مجال التربية، "ولكن الأهم هو الرقابة والإشراف الصحيح على الطلاب من جانب الأهل والمدرسة".
يبدو أن تراجع الاعتماد على الفصل بين الجنسين في المدارس والتوجه للاختلاط المدروس والمراقب، برعاية تربوية وأسرية، قد يخفف المخاوف من الاختلاط، والذي يرفعه ويؤسس له، نمو الوعي، يوماً بعد الآخر، على اعتبار أن الفصل لم يثمر النتائج المرجوة.