غرفة الأخبار- نورث برس
تواظب تركيا منذ اجتياحها لعفرين وريفها شمالي حلب عام 2018، بمساندة فصائل المعارضة السورية المسلحة، على بناء المستوطنات، في ظل انتهاكاتها المتواصلة ضد المنطقة، لتتركز أغلبها جنوبي شرقي عفرين.
ومن أكثر الأمور اللافتة في هذا الشأن، الوتيرة المتسارعة التي اتبعتها تركيا في بناء تلك المستوطنات، وخاصة قبيل الانتخابات التركية التي حُسمت بفوز الرئيس رجب طيب أردوغان، بولاية جديدة، حيث كان ملف اللاجئين السوريين حاضراً بقوة كورقة انتخابية، رافقه قلق ومخاوف سادت بين اللاجئين السوريين وحتى اللحظة.
أول مستوطنة بنيت في عفرين حملت اسم “كويت الرحمة” أواخر 2018، حيث بنيت بدعم كويتي وتنسيق تركي في حرش الخالدية جنوب شرقي عفرين، وضمت نحو150 شقة سكنية”.

إحصائية
منذ بداية العام الجاري، أنشأت تركيا 10 مستوطنات، تركزت 5 منها في جبل الأحلام بناحية شيراوا، واثنتان في ناحية جنديرس (أجنادين والزعيم) واثنتين في ناحية شران وواحدة في ناحية الشيخ حديد.
ويبلغ عدد المستوطنات التي بنتها المنظمات التركية والكويتية والفلسطينية والقطرية، في منطقة عفرين نحو 25 قرية، تتوزع في مناطق شيراوا والشيخ حديد وجنديرس وراجو، قرب مدينة عفرين، وذلك حسب ما رصدته نورث برس، في جولتها بالمنطقة مؤخراً.
أنشأت تركيا في ناحية جنديرس 4 مستوطنات، وناحية الشيخ حديد 3، جبل الأحلام وحرش الخالدية 10، وناحية مركز عفرين 4 وناحية شران 3، وواحدة في راجو، ووسطياً تتضمن كل مستوطنة 100 منزل.
رحّلت الآلاف
وتنفذ السلطات التركية حملات اعتقال بحق السوريين بين فترة وأخرى، تقول إنهم ارتكبوا مخالفات، ومن ثم تنظم ضبوطاً لازمة بحقهم وترحلهم إلى سوريا بذرائع تتعلق بعدم امتلاكهم للوثائق القانونية اللازمة، وفقاً للعديد من التقارير الصحفية.
ومطلع شباط / فبراير الماضي، كشفت إدارة معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، شمالي إدلب، عن أعداد السوريين الذين رحلتهم السلطات التركية خلال شهر كانون الثاني/يناير الفائت، وبلغ 1325 شخصاً.
فيما وصلت أعداد اللاجئين السوريين ممن رحلتهم تركيا، منذ بداية العام الماضي وحتى تشرين الأول/ ديسمبر، نحو 16173 شخصاً عبر معبر باب الهوى، وفقاً لإحصائية خاصة حصلت عليها نورث برس من إدارة المعبر.
ويقول غزوان قرنفل مدير تجمُّع المحامين السوريين، في تركيا، لنورث برس، إن خطة الحكومة التركية بإعادة مليون لاجئ “ليس أمراً جديداً، وتم العمل منذ أكثر من عام لتأمين موارد مالية لإقامة مستوطنات سكنية للعائدين”.
ويضيف “قرنفل” أن أردوغان “لا يمكن له أن يطوي ملف اللاجئين، لأنه أطلق وعوداً لقاعدته الانتخابية ولعموم المجتمع التركي بنقل مليون سوري لمناطق شمالي سوريا إلى مساكن بتمويل من قطر”.
ويتوقع الحقوقي السوري أن “خطة إعادة اللاجئين هي خطة طويلة الأمد والمليون هي دفعة أولى، وسيتم ترحيل، على الأقل، اثنين مليون، بحيث لا يبقى أكثر من نصف مليون سوري في تركيا، بمن فيهم المجنسين”.
يرفضون العودة
يقول أحمد الرجب (30 عاماً) وهو اسم مستعار للاجئ سوري مقيم في تركيا، إن المنازل التي تبنيها تركيا سواء في ريف عفرين أو أعزاز “غير آمنة وغير مؤهلة للسكن”.
ويضيف “الرجب” لنورث برس: “نحن كسوريين لن نرضى السكن في تلك المنازل لأننا نريد العودة إلى بلدنا”. مشيراً إلى أن بناء تلك المستوطنات من قبل تركيا “ماهي إلا خطة خبيثة”.
ويشير إلى أن تركيا “تريد أن توطِّن السوريين هناك وتنسى منازلها وأراضيها، وأنهم باتوا راضين بهذا الحل”.
وبدلاً من بناء المستوطنات، يطالب اللاجئ السوري، تركيا بـ”إرجاعنا لمناطقنا وأراضينا بكرامتنا”.
ويرفض محمد الياسين ( 33 عاماً) وهو اسم مستعار للاجئ سوري مقيم في تركيا، العودة لمكان غير الذي ولد فيه، يقول لنورث برس: “أنا مهجر احتل الأسد منزلي وممتلكاتي وأهلي من بيتي وأرضي، كيف لي أن أخذ مكاناً غيره وقد ذقت ذات الشعور؟.
فيما تعتقد المهندسة هدى الديري مهجرة من درعا الى عفرين، أنه “لا أحد يقبل بالعودة إلى مكان لا ينتمي له من حيث اختلاف البيئة والعادات والتقاليد”.
وتشدد “الديري” في حديث لنورث برس، على أن “طريقة إعادة اللاجئين هذه، هي التفاف على القرار الدولي ٢٢٥٤ ومخالفة للقانون الدولي لحقوق الإنسان من حيث وجوب حماية اللاجئين وعدم إجبارهم على العودة إلى المناطق التي هربوا منها طالما أن الخطر الذي خرجوا بسببه لا يزال موجوداً”.
خطورة المستوطنات
يقول المتحدث باسم منظمة حقوق الإنسان في عفرين، إبراهيم شيخو لنورث برس: “ما تقوم به تركيا من عمليات تغير ديمغرافي واسع النطاق في عفرين وريفها، وعلى مرأى ومسمع المجتمع الدولي والمنظمات الحقوقية من خلال بناءها للمستوطنات، تخالف المواثيق والعهود الدولية، وخاصة مادة 42 من لائحة لاهاي لعام 1907”.
ويرى “شيخو” أن بناء تلك المستوطنات يهدف من جهة إلى تحويل عفرين “لمنطقة مستوطنات وتكون ملحقاً للدولة التركية، وبالتالي التخلص من عبء اللاجئين السوريين على أراضيها”.
ومن جهة أخرى، “تريد تركيا تكريس سياسة التغير الديمغرافي وتتريك المنطقة لتكون امتداداً لمناطقها، كون عفرين متاخمة لحدود هاتاي التركية، وبذلك تمنع عودة المهجرين قسراً من سكان عفرين وريفها”.
ويشدد “شيخو” على مطالبهم، كحقوقيين سوريين، للمجتمع الدولي “بإيقاف سياسية التغيير الديمغرافي وبناء المستوطنات وتشجيع السكان الأصليين المهجرين على العودة بحماية وضمانات دولية”.