موظفون حكوميون في حلب: الرواتب بعد الزيادة تكفي لتأمين مؤونة يومين

حلب – نورث برس

يبدو أمين الصاري (43 عاماً)، وهو موظف حكومي في حلب شمالي سوريا، غير مكترث برفع الأجور الذي أقرته الحكومة السورية قبل أيام، فقيمة الزيادة لا تستحق الاهتمام على حد قوله وموظفين آخرين.

يقول الموظف إن راتبه بعد الزيادة أصبح 112 ألف ليرة سورية (أقل من 50 دولاراً أميركياً)، “وهي بالتأكيد لا تسد احتياجات أسرة مؤلفة من ستة أطفال، إضافة لزوجتي ووالدي”.

ويعمل “الصاري” سائقاً  لسيارة أجرة (تكسي) بعد نهاية دوامه في المؤسسة العامة لمياه الشرب والصرف الصحي، فالراتب قبل الزيادة وبعدها “لا يكفي” لتأمين احتياجات عائلته الأساسية.

والأربعاء الماضي، أصدر الرئيس السوري بشار الأسد ثلاثة مراسيم تشريعية تقضي برفع رواتب وأجور وتعويضات العاملين المدنيين والعسكريين وأصحاب المعاشات التقاعدية.

ويقضي المرسوم رقم 29 لعام 2021 بزيادة 30 في المائة إلى الرواتب والأجور المقطوعة لكل العاملين في الدولة من مدنيين وعسكريين.

وهذه الزيادة هي الثانية خلال عام 2021، بعد الزيادة الأول التي صُدرت في تموز الماضي بنسبة 50%.

وفي اليوم الذي تلا زيادة الرواتب، قالت صحيفة “الوطن” إن زيادة الرواتب والتعويضات جرى تغطيتها من خلال رفع أسعار بعض السلع ومن الضرائب والرسوم التي تم تحصيلها من كبار المكلفين.

ونهاية تشرين الأول/ أكتوبر الفائت، تناقلت وسائل إعلام محلية، كلمة لعضو مجلس الشعب السوري، عبد الرحمن الخطيب، دعا فيها الحكومة السورية إلى ربط رواتب العاملين بالدولة بسعر صرف الدولار الأميركي.

ونقلت عن “الخطيب” قوله إنه “يجب ربط أسعار المواد الغذائية في سوريا بسلم الرواتب الممنوح للموظفين، فالناس تعبت من كل شيء”.

احتياجات وأرقام

وبينما كان ينتظر راكباً لنقله إلى وجهته، يعدد الموظف المصاريف الشهرية الثابتة لعائلته، إذ أن قيمة فواتير المياه والكهرباء النظامية والهاتف الأرضي والمحمول تبلغ  نحو 25 ألف ليرة سورية على أقل تقدير.

كما أنه يدفع 32 ألف ليرة سورية ثمن كهرباء الأمبيرات (المولدات الخاصة) شهرياً، بمعدل ثمانية آلاف ليرة للأمبير الواحد أسبوعياً، إضافة إلى أجور المواصلات لذهاب أطفاله إلى المدرسة وتقدر بنحو 20 ألف ليرة سورية في حال تم استخدام وسائل النقل العامة.

كما يتحمل الموظف تكلفة شراء مازوت التدفئة من السوق السوداء بأكثر من 2.800 ليرة للتر الواحد ويشتري أسطوانة الغاز بـ 65 ألف ليرة، إضافة إلى تكاليف المعاينات الطبية وشراء الأدوية في حال مرض أحد أفراد عائلته، إلى جانب  شراء المواد الغذائية والتموينية.

يتساءل بعد عد كل هذه المصاريف: “كيف سيكفينا الراتب؟ فالزيادة لا تغطي نفقات الفواتير والضرائب الحكومية”.

ويقول سامر علي ديب (49 عاماً)،  وهو موظف ورب أسرة مكونة من ستة أفراد، إنه يطالب الحكومة بإلغاء قرار الزيادة وخاصة أن أي رفع أجور تصدره الحكومة يعقبه ارتفاع ملحوظ في أسعار المواد الأساسية وانخفاض بقيمة العملة المحلية أمام الدولار.

يقول بعد نهاية دوامه في مديرية التربية في حلب وقبيل توجهه لعمله الإضافي إن “الوضع المعيشي كان سيئاً طيلة الأعوام الماضية، لكنه يتجه الآن للأسوأ”.

وتصدرت سوريا قائمة الدول الأكثر فقراً بالعالم، بنسبة بلغت 82.5%، بحسب بيانات موقع “World By Map” العالمي، التي وردت في تقرير له في شباط/ فبراير الماضي.

“تكفي لأغذية يومين”

ويشير “ديب” إلى أن شراء احتياجات بسيطة من خضار وخبز ليوم واحد يكلف نصف راتبه الحكومي، أما إذا أراد شراء سترة أو معطف شتوي، “فذلك يكلف الراتب كله”.

ويضيف باستياء: “الأسعار تحلق في السماء ورواتبنا لا تزال بالقاع، لولا عملي الإضافي لكنت عاجزاً حتى عن توفير الطعام لعائلتي، بقي أننا نلتحف البطانيات لأننا لا نملك ثمن وقود التدفئة “.

وللعام الثالث هذا الشتاء، لم تستلم عائلات في حلب مخصصاتها من مازوت التدفئة رغم تخفيض الكميات عاماً بعد آخر إلى أن بلغت 50 ليتراً للعام كله، بينما استلمت أخرى مخصصاتها العام الماضي أو الذي سبقه.

ويعبر ياسين علو (38 عاماً)، وهو مهندس مدني في بلدية حي الأنصاري بحلب، عن ندمه لبقائه في البلاد وعدم السفر للخارج عندما سنحت له الفرصة قبل أعوام.

وكان المهندس يأمل أن تتحسن ظروفه المعيشية بعد انتهاء المعارك في مدينته وأن تعمل الحكومة على تحسين الواقع الاقتصادي في البلاد “ولكن كل ذلك لم ينفذ منه شيئاً”

ومطلع العام الجديد، سيستلم “علو” 132 ألف ليرة سورية بدلاً من 102 ألف ليرة، “هذا إن لم تفرض ضريبة دخل على الزيادة الأخيرة كما جرت العادة”.

ويقول الشاب الثلاثيني الذي يبلغ إيجار منزله 120 ألف ليرة سورية إن الهجرة إلى الخارج باتت هدفاً له وسيسعى لتحقيقه، “فالبقاء في البلاد يعني  التعرض للموت جوعاً”، على حد قوله.

إعداد: رامي صباغ –  تحرير: سوزدار محمد