الانتماء لــ”قسد” ذريعة الفصائل الموالية لتركيا لزج السكان في السجون

تحقيق: علاء الحربي

لم تعلم عائلة الشاب علي سليمو (24 عاماً)، بأمره لشهور عدة بعد اختفائه فجأة من قريته الواقعة في ريف بلدة أبو راسين شرقي مدينة سري كانيه (رأس العين)، شمال شرقي سوريا، قبل نحو عامين. لتكتشف العائلة لاحقاً وجوده في أحد معتقلات فصائل المعارضة المسلحة الموالية لتركيا، في مدينة سري كانيه، وذلك عن طريق أحد المدنيين الذي كان معتقلاً معه في السجن وأفرج عنه مؤخراً.

وتتهم عائلات سورية تعيش على خطوط التماس، فصائل سورية معارضة باختطاف أبنائها، عقب العملية العسكرية التي أطلقت عليها أنقرة ‘‘نبع السلام’’ والتي استهدفت منطقتي سري كانيه وتل أبيض في تشرين الأول/ أكتوبر 2019.

وعقب العملية وصلت فصائل المعارضة من جهتي الشرق والجنوب إلى مشارف بلدة أبو راسين التي تبعد 30 كيلومتراً عن مدينة سري كانيه و75 كيلومتراً عن مدينة الحسكة.

الشاب علي سليمو (24 عاماً)

يقول ذوو الشاب ‘‘سليمو’’ المعتقل منذ السابع والعشرين من تشرين الأول/أكتوبر 2019، إن عناصر من فصائل مسلحة تواصلوا معهم وطالبوهم بفدية مالية قدرها خمسة آلاف دولار أميركي، مقابل إطلاق سراح ابنهم.

إلا أن الفصائل عادت وتجاهلت الأمر من خلال إخفاء الشاب، فلم تعد عائلته تملك أي معلومة عنه منذ ذلك الحين.

وبدأت قصة الشاب، عندما تم اختطافه عن طريق الخلايا التابعة للفصائل المتمركزة على تخوم البلدة، بذريعة انتمائه لقوات سوريا الديمقراطية، لكن العائلة تنفي انخراط ابنها في أي قوة عسكرية.

ولا تملك العائلة الآن، سوى مناشدة المنظمات الإنسانية لتخلص ابنها من يد الفصائل، خاصة في ظل عدم وجود معيل لزوجته وطفلته وسط ظروف معيشية بالغة الصعوبة.

وبالإضافة إلى عشرات القصص التي تشابه قصة “علي” فقد تسببت العملية التركية بنزوح نحو 300 ألف شخص من ديارهم، بينهم ما يقارب 175 ألف شخص تم تهجيرهم من المنطقة الممتدة بين سري كانيه وتل أبيض والتي كان يزعم الرئيس التركي إنشاء “منطقة آمنة” فيها.

وأشار تقرير حديث نشرته رابطة “تآزر” لضحايا الاجتياح التركي لشمال شرقي سوريا، إلى أن أقل من 15 بالمئة من سكان سري كانيه، عادوا إلى منازلهم بعد سيطرة تركيا والفصائل على المنطقة.

وتمددت الفصائل بأرياف سري كانيه الشرقية والغربية والجنوبية وصولاً إلى تخوم ناحيتي أبو راسين وتل تمر وطريق (إم فور).

اعتقلوه أمام أطفاله

ويقول تقرير لرابطة ‘‘تآزر’’ عن ضحايا الاجتياح التركي، إن المنطقة شهدت خلال عامين 386 حالة اعتقال بينها 48 امرأة و12طفلاً، بينما تم إخفاء 152 شخصاً بشكل قسري.

ويضيف أن السجون في مناطق السيطرة التركية تشكل “كابوساً” بالنسبة للسكان المحليين، حيث سجلت على مدار عامين نحو 232 حالة تعذيب داخل السجون قضى بسببها ثلاثة أشخاص على الأقل.

ويشكل الشباب أبرز الشرائح التي تطالها الاعتقالات، ليبقوا بعدها مغيبين أو يتم مطالبة ذويهم بفدى مالية.

فمن قرى مريكيس وعباه والكاطوف الواقعة ما بين بلدة أبوراسين ومدينة سري كانيه ثمة العشرات من المعتقلين ممن تتراوح أعمارهم بين 18 و 30 عاماً، بحسب سكان، لكن غياب الاحصاءات الرسمية يصعب من معرفة الأعداد الحقيقية.

وفي الثالث عشر من شهر كانون الثاني/يناير الماضي، اعتقلت مجموعة مسلحة تطلق على نفسها “المخابرات التابعة للشرطة المدنيّة” شاباً يبلغ 26 عاماً من منزله في الجهة الشرقية لمدينة سري كانيه.

وجرى الاعتقال أمام أطفاله وزوجته وذويه بتهمة المحاربة في صفوف قوات سوريا الديمقراطية ضد تركيا والفصائل.

تقول عائلة الشاب إن ابنها ألقي في أحد سجون مدينة سري كانيه مع شبان آخرين من قريته اعتُقلوا في الفترة نفسها ووجهت لهم التهم نفسها.

وقال أحد ذويه إنّ المعتقل عُرض على ما تعرف بـ”المحكمة المدنية” في عدة جلسات وأمام قضاة مدنيين،  ليتم نقله فيما بعد  إلى الشّرطة العسكرية لاستكمال محاكمته بحجة أنه متطوع في صفوف قوات سوريا الديمقراطية.

وقضت المحكمة العسكرية عليه بالسجن لمدة عامٍ كامل قضى منها ستة أشهر، بحسب العائلة.

“خلعوا ملابسنا”

وفقاً لمصادر مطلعة تحدثت لـنورث برس، يتعرض المدنيون المعتقلون لدى الفصائل المسلحة، لأشد أنواع التعذيب والإهانة.

ويكون جمع المال من ذوي المعتقلين تحت التهديد بالقتل والتنكيل بالمعتقلين أحد عوامل ازدياد الاعتقالات لاسيما بحق الشباب.

وبحسب شهود عيان في ريف سري كانيه الشرقيّ، فإنّ الفصائل المسلحة كانت تجمع الشبان ممن تجاوزت أعمارهم 18 عاماً في الساحات وتجبرهم على خلع ملابسهم للتأكد من وجود آثار حمل السلاح على أكتافهم لتوجيه التهم لهم.

محمد خضر، أحد الناجين من هذه الاعتقالات، يقول: ‘‘كانت أرتال سيارات المسلحين تدخل القرى بشكل همجي، ويجرون الشبان من منازلهم وأمام أعين ذويهم ويجبرونهم على الركض في ساحات القرى وخلع ملابسهم، للبحث عن آثار للقتال والأسلحة في أجسادهم”.

وقال الشاب إنه كان من بين  المعتقلين في إحدى السّاحات وتعرض للضرب المبرح على وجهه وجسده.

وأضاف: ‘‘خلعت ملابسي أمام مرأى الجميع ليبحثوا عن أي علامة أو إصابة تدل على حملي سلاحاً أو المشاركة مع قوات سوريا الديمقراطية ضدهم”.

وبقي “خضر” واقفاً لساعات مع آخرين في إحدى الساحات إلى أن  سُمح لبعضهم بالذهاب للمنزل، بعد إنذارهم بعدم الخروج من المنازل وعدم مزاولة أيّ أعمال إلا بإذن الفصائل”.

أطلق عليه 50 رصاصة

في جريمة قتل وصفت بـ”البشعة”، قتل مستوطن يدعى (محمد علي بشير) في الثامن من حزيران/ يونيو 2020 شاباً  جنوب غرب بلدة أبو راسين.

وبحسب أقرباء الشاب فإن ‘‘بشير’’ أطلق أكثر من 50 رصاصة من سلاح (كلاشينكوف) على الشاب أثناء رعيه لأغنامه بالقرب من قريته، دون أن يسبق ذلك أي مشكلات بينهما.

وكان المغدور متزوجاً وأباً لخمسة أولاد، ولم ينتمِ لأي فصيل عسكري أو سياسي منذ بداية الأحداث، بحسب مصادر من أقربائه.

وجاء الجاني مع عائلته برفقة الفصائل المسلحة إلى ريف بلدة أبوراسين الشرقي، إبان العملية العسكرية التركية، بعد أن سمحت  تركيا لعناصر الفصائل المسلحة بجلب عائلاتهم وأقربائهم وإسكناهم في بيوت المدنيين الذي هجروا قسراً من ديارهم.

وتستقوي معظم العائلات أو المدنيين المرافقين للفصائل المسلحة بالفصائل وبقادتها لارتكاب انتهاكات بحق المدنيين أو سلبهم ممتلكاتهم، وذلك عبر خلق الحجج واتهامات تلصق بالضحايا من السكان الأصليين بدافع إخافتهم وتهجيرهم، بحسب سكان وتقارير محلية.

وقبل عامين وفور بدء العملية العسكرية التركية، جمعت منظمة العفو الدولية أدلة تشير إلى أن القوات التركية والفصائل المسلحة الموالية لها “أبدت تجاهلاً مخزياً للحياة المدنية، وارتكبت انتهاكات جسيمة وجرائم حرب، بما في ذلك القتل المتعمّد والهجمات غير القانونية التي أدّت لقتل وجرح المدنيين”.

“جرائم حرب”

ونددت الكثير من المنظمات الدولية بـ”جرائم الحرب” التي اقترفتها القوات التركية وفصائل المعارضة ضمن المناطق الخاضعة لسيطرتها في شمال شرقي سوريا.

ولعل أبرز “جرائم الحرب” التي تصدرت المشهد طيلة العامين الماضيين هو نقل القوات التركية عشرات الأشخاص من سوريا إلى أراضيها، قالت تقارير حقوقية إنه “انتهاك صارخ لاتفاقية جنيف الرابعة”.

وفي شباط/فبراير 2021، قال تقرير لمنظمة هيومن رايتس ووتش إن “تركيا والجيش الوطني السوري اعتقلا ونقلا بشكل غير شرعي 63 مواطناً سورياً على الأقل من شمال شرقي سوريا إلى تركيا لمحاكمتهم على خلفية تهم خطيرة قد تزجهم في السجن المؤبد”.

كما قالت المنظمة في التاسع من تشرين الأول/ أكتوبر 2019، إن تركيا والفصائل التي تدعمها قصفت مناطق المدنيين عشوائياً، ونفذت ما لا يقل عن سبع عمليات قتل خارج القانون، واحتلت منازل ومتاجر المدنيين الخاصة بصورة غير قانونية ونهبت أملاكهم، ولم تُفسر اختفاء عمال إغاثة قسرياً أثناء عملهم في مناطقها.

وقال مصطفى أوسو  وهو عضو في مركز عدل لحقوق الإنسان بشمال شرقي سوريا، إن ’’مايجري في المناطق المحتلة بسري كانيه وتل أبيض من جرائم وانتهاكات لحقوق الإنسان (..) هي جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية وفق قواعد القانون الدولي لحقوق الإنسان’’.

وأشار إلى أن هذا التوصيف القانوني للجرائم المرتكبة من قبل الجهات الآنفة الذكر في مختلف المناطق بسوريا، ’’تبنته أيضاً لجنة التحقيق الدولية الخاصة بسوريا ومنظمة العفو الدولية ومنظمة هيومن رايتس ووتش وغيرها في تقاريرها المختلفة عن سوريا وأوضاع حقوق الإنسان فيها’’.

وأضاف: ’’يتعرض مئات المدنيين المعتقلين لدى الفصائل المسلحة لأشد أنواع التعذيب والإهانة لأسباب مختلفة منها انتماءهم لقسد وأسباب أخرى أهمها جمع المال من أهالي المعتقلين تحت تهديد رسائل القتل والتنكيل بالمعتقلين’’.

تحرير: حمزة همكي


  • تم إخفاء الأسماء الحقيقية لبعض الضحايا وذويهم بناء على طلب العائلات.