مُخرج سوري كردي لـ “نورث برس”: ما يُمارس بحق الكردي سيُمارس بحق بقية مكوّنات المجتمع السوري

دمشق – أحمد كنعان – NPA
من المعروف أنه منذ بداية الأحداث في سوريا في آذار 2011 كان انخراط الفنانين في الحراك الشعبي شديد البروز، ولكن بتصنيفاتٍ مختلفةٍ فمنهم من ذهب مع الحراك بمختلف مراحله حتى النهاية، ومنهم من وضع نفسه في خندق الحكومة، ومنهم من كان رمادياً لم يفصح عن موقفٍ، ومنهم من ظل مع الحراك الشعبي بمطالبه المُحقة، ولكنه انسحب عندما انحرف هذا الحراك إلى دُور العبادة وانجرف إلى الاقتتال والصراع المسلّح على السلطة.

ليس للكردي إلّا الريح
ولعلّ التصنيف الأخير هو الأقرب لموقف المخرج السينمائي الكردي محمد عبد العزيز القادم إلى دمشق من الشمال السوري، والذي تحدّث مطوّلاً لـ "نورث برس" حول ما يتعرض له شمال شرقي سوريا من هجومٍ تركيٍ واستهدافها للشخصية الكردية فيه.
حيث قال "نعم ليس للكردي إلّا الريح والموت وطيش الجغرافيا السائلة طالما المشروع الوطني الحقيقي المُتمدّن غائبٌ، لكن الموت هنا بُعدٌ فيزيائيٌ وتحوّلٌ وصيغة اندماجٍ، وكون عدم فهم السمات الشخصية الميثولوجية الخاصة بالكردي من هذه الزاوية يحدث دائماً خللاً في التعاطي معه".
وتابع "ولكن من المهم أيضاً أن نعلم مدى تمرّغ الروح والعقل الجمعي الكردي بصيغ التمرد والعوم في فضاءات الرفض ومماحكة السائد بمستوياته السياسية والاجتماعية عبر تاريخهم الدموي الطويل ومقارعة السلطات في كل منطقة، هذه الروح المتمردة هي إيجابيةٌ وديناميكيةٌ فعندما يقول الكردي "لا" هذه الـ لا، تحمل صيغة إعادة تفكيك وتركيب المألوف والمترسب والسائد".

ويرى عبد العزيز أنّ الخطر محدقٌ بجميع السوريين وأنّ ما يُمارس بحق الكردي سيُمارس بحق بقية مكوّنات المجتمع السوري، مضيفاً "كل المكوّنات السورية ليس لها إلّا الريح والهباب طالما مقوّمات الدولة العصرية بمبادئها المدنية العلمانية غائبة، فليس للسوريين اليوم سوى الريح  من هنا علينا قراءة الكرد ضمن المنشور السوري المتعدّد، من عرب وسريان وأرمن وشركس وكلدان وآشور، والذين يشكّلون بمجموعهم البُعد الحضاري والثقافي الفاحش الثراء لسوريا".
متسائلاً "هذا الخواء بالشخصية السورية العامة يدفعنا للنظر مجدداً بطريقةٍ مختلفةٍ في طرح السؤال حول هويتنا الوطنية السورية، ولماذا تمزقت إلى هذا الحدّ، ما المزيف والهش والضحل فيها؟ وماهي مقوّمات إعادة بناءها بشكلٍ واقعيٍ ومعاصرٍ دون التباسٍ؟".

الإدارة الذاتية متقدمةٌ على صيغة المركزية الإدارية
وعن الإدارة الذاتية في مناطق شمال شرقي سوريا قال المخرج "من الممكن تطوير الإدارة الذاتية والبناء عليها عبر المؤسسات الدستورية في البلاد بعد التصويت أو الاستفتاء عليها عندما يكون المُناخ ملائماً لذلك، إنّ هذه الصيغة وإن كانت بدائيةً أو ربما كانت مسودةً لسد الفراغ الذي حدث في المنطقة  فقد حافظت على السلم الأهلي ووحدة البلاد".
أضاف أنّ "مشكلتها تكمن في أنها متقدمةٌ على صيغة المركزية الإدارية وعلى جمود وتحجّر الوعي السياسي السوري نتيجة نصف قرنٍ من المركزية الشمولية وتأميم العقل العام والوعي الجمعي التعددي تحت الستار الحديدي الصَّلد للهوية القومية ذات البُعد الواحد في مجتمعٍ منوعٍ وثريٍ كالمجتمع الأهلي السوري".
ويرى أنّ تنوّع المجتمع الذي كان يُفترض أن يتكئ عليه مشروعنا الوطني تم سلبه أو تهميشه وتعويم مشروعٍ ذو بُعدٍ واحدٍ ففقدت البلاد نتيجة ذلك لسانها، بالتالي لن يكون من السهل على المجموع قراءة وتفهم هذه الصيغة الإدارية بأبعادها الوطنية وتطويرها.
وبحسب رأيه "إذا وجدوا بأنّ الإدارة مُخلةٌ أو لا تؤدي إلى المرجو منها فيمكن رفضها، لكن هذا يحدث عادة عندما تكون البلاد بكامل عافيتها، لهذا ترى هذا التشظي العميق والانغلاق الذي يعانيه المواطن السوري على مساحة البلاد حول هوياتهم المناطقية أو الطائفية أو القومية والأثنية الضيقة".

 

 

أردوغان ضبع مقابر
وعن رأيه بالاتفاق الروسي التركي قال "لا أعتقد أنّ شخصاً مثل أردوغان وحكومته لديهما أيُّ نيةٍ طيبةٍ تُجاه بلادنا، أردوغان ضبع مقابر يقتات على الأزمات وإثارتها، ربما لو قدم مجرد اعتذارٍ لشعوب المنطقة من عرب وكرد وسريان وإيزيديين، وقتها فقط يمكن أن نفكر بتصديق نواياه من الناحية الإنسانية".

 

 

المثلث الحدودي في فيلم
وعما إذا كان يفكر بصناعة فيلمٍ عن هذه الجريمة النكراء التي يشهد عليها العالم صامتاً  قال "منذ 2009 كان عندي مشروعٌ بالاشتراك مع الراحل خالد تاجا عن المثلث الحدودي في شمال شرق سوريا وقد انجزنا النص سويةً وبدأنا بالبحث عن الجهات المموّلة، لكن وبسبب الأحداث ثم رحيل خالد توقف المشروع، ربما إذا وجدتُ التمويل المناسب يوماً ما لأجل خالد تاجا والعديد من الأسباب سأنجز ذاك المشروع".
الجدير ذكره أنّ فيلم " نصف غرام نيكوتين " وهو الفيلم الأوّل للمخرج محمد عبد العزيز وقد حصد ثلاث جوائز في مهرجان «باري» في إيطاليا (2009) وثم تتالت أفلامه التي كان آخرها "الرابعة بتوقيت الفردوس" وله في التلفزيون "ترجمان الأشواق " وأعمال أخرى.