عيده الحمودي.. دعوة لمراجعات عميقة

سيبقى هذا الاسم يحفر مكان الألم والوجع في الذاكرة مرتبطاً بالضحية البريئة التي دفعت حياتها ثمناً لجاهلية متوحشة أقدم فيها أب جاهل وإخوة مجرمون على اقتياد أختهم ذات الستة عشر خريفاً إلى ملعب الموت ومعهم أعوان محرضون من العشيرة وأفرغوا في رأسها الرصاصات الكافرة وهم يسجلون بالصوت والصورة انتقامهم وثأرهم لشرفهم الأسود وجنونهم اللئيم.

القصة هزت المجتمع السوري كله، وبالذات محافظة الحسكة، حيث ارتكبت هذه الجريمة الشنعاء من قبل قوم لا شرف لهم ولا ضمير، بعد أن ضاع شرفهم وضميرهم في أوهام الحقد والجهل والجريمة.

من يبرر هذه الجريمة الشنعاء:

القانون: لم يعد القانون اليوم مسؤولاً بعد أن تم تعديله وتوقف عن مهزلة حماية هذا النوع من الإجرام الذي كان يمنحه العذر المحل والعذر المخفف، وهي جاهلية قانونية تسببت في العقود الماضية بتسهيل عدة جرائم من هذا اللون المتوحش.

الدين: لا يمكن اعتبار الدين مسؤولاً عن جريمة كهذه، فالدين قوامه الحكمة والموعظة الحسنة، ومهمة الإسلام الإصلاح والتربية وليس الانتقام والقمع، والرسول (بوصفه نبياً) صاحب الرسالة وخاتم الأنبياء لا يملك حق قتل خاطئ، بعد أن حدد له القرآن الكريم بوضوح رسالته وهدفه: فذكر إنما أنت مذكر لست عليهم بمصيطر، ثم أضاف إليه وما جعلناك عليهم حفيظاً، وما أرسلناك عليهم وكيلاً، أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين.

ويجب التوضيح هنا أنه يملك ذلك بصفته رئيس دولة انعقدت له بيعة صحيحة، بعد محاكمات عادلة وقانون واضح، وقد أكدت أصول الدين وفروعه أن إقدام أي عالم أو فقيه على إقامة الأحكام وتنفيذها هو اعتداء على حق الله وافتئات على كرامة الأمة، فكيف إذا كان الفاعل أجهل الجاهلين وأحمق الحمقى ولا يعرف كتاباً ولا سنة ولا قبلة!.

ولكن من المسؤول؟ لا بد أن أحداً ما زرع في نفوس هؤلاء المجرمين أن تلقيم مسدساتهم بالرصاص وإطلاقها في وجه المغدورة هو لون من البطولة والنخوة والشرف، فهم يعلمون ماذا يفعلون، ليس يعلمون فقط بل يصورون ويتباهون ويجهدون أن تصل بطولتهم إلى محيط عشائري يبدو أنه بات مقتنعاً بتبرير هذه الجرائم.

العشيرة ليست بالضرورة هؤلاء المرضى الجاهلون، لا بد أن في العشائر من تعلم وترقى في العمل العام، وهنا تترتب مسؤولية حقيقية على العشيرة، وزعماء العشيرة مطالبون  أن يعلنوا موقفاً واضحاً بكل وسائل الإعلام أن العشيرة بريئة في قيمها وتقاليدها من توحش كهذا، ولا بد أن تشير إلى القتلة باعتبارهم مجرمين قاتلين وأن تساعد في تسلميهم للعدالة، وأن تقيم التكريم اللائق لفتاة دفعت حياتها ثمناً لجهل الآخرين.

ويجب القول إن رجل الدين يتحمل جزءاً من المسؤولية غير المباشرة فهذا التحريض المستمر الذي تمارسه منابر داشرة، ضد المرأة وضد خروجها وضد اختيارها، ووجوب إلزامها حصير البيت والشك والريبة في كل تصرف أو حرية تختارها، واعتبارها عورة تقبل في صورة شيطان وتدبر في صورة شيطان، وسرد روايات الغضب الإلهي من السافرة واستعداد نار جهنم لحرقها وشيها وقليها وسلخ جلدها عن عظمها وتعليقها بأثدائها في جهنم إن هي كشفت شعرها أو خرجت دون إذن أهلها أو زوجها أو إخوتها، فهذا التحريض كله يجب أن يتوقف، وشخصياً أحمّل كثيراً من الخطباء المتعصبين مسؤولية نشر الجهل في الآباء وتحريضهم من حيث لا يريدون على ارتكاب الفظائع.

يستدعي ذلك مواجهات مباشرة مع التراث، وأستطيع أن أكتب هنا بثقة ويقين أن كل ما يرويه الواعظون والواعظات عن غضب الله وانتقامه وسعيره وناره بحق المرأة التي تتهاون في حجابها أو تخرج عن طاعة أهلها في زواج تختاره هي فهوم لا وجود لها على الإطلاق في القرآن الكريم، ولا وجود لها على الإطلاق في السنة الصحيحة، وإنما هي روايات ضعيفة باطلة وضعها أولئك الذين لا يعرفون الله إلا جلاداً ولا يعرفون ملائكته إلا جلاوزة، ولا يدركون مكان الحكمة والموعظة الحسنة في هذا الدين.

أو قل بعبارة دقيقة: إن كل ما ورد في أمر تزويج المرأة جبراً من لا ترضاه فهو كذب موضوع، وأما منعها من الفن والحياة والجمال فهي نصوص غير ثابتة صريحها غير صحيح وصحيحها غير صريح.

يستدعي ذلك مواجهة مباشرة مع فكرة الرجم الخطيرة المدسوسة في الدين، وهي أن الرجل أو المرأة إذا ثبت عليهما الفاحشة فإنهما يلقيان في ساحة عامة ويجتمع الجمهور الهائج ويضربهما بالحجارة حتى الموت، وهي ممارسة طالما سمعناها من الخطباء الغاضبين على المنابر وطالما أسندوها لنا بروايات موصولة ينسبونها إلى عمر بن الخطاب وعمر منها براء، ويعتبرونها عدالة ربانية وتطهيراً لمجرمة أثيمة، والحديث المشهور في ذلك أن عمر قال: لقد كان في القرآن آية ولكن لا ندري من حذفها وهي تقول: الشيخ والشيخة إذا زنيا فارجموهما البتة نكالاً من الله والله عزيز حكيم.

والنص في الواقع عند التمحيص هو نص يهودي لازال موجوداً في العهد القديم ورد في سفر التثنية اصحاح 22 ونصه كالتالي: إذا ثبتت صحة التهمة ولم تكن الفتاة عذراء – يؤتى بالفتاة إلى باب بيت أبيها ويرجمها رجال مدينتها بالحجارة حتى تموت، لأنها ارتكبت قباحة في إسرائيل، وزنت في بيت أبيها، وبذلك تستأصلون الشر من بينكم.
وهو نص مناقض بالمطلق للقرآن الكريم الذي نص بوضوح على عقوبة الزنا بأنها مائة جلدة، يقوم بها القاضي بعد تطبيق شروط مستحيلة لا يمكن تحقيقها، ولذلك لم يطبق حد الجلد خلال التاريخ كله إلا مرات معدودة، أما الرجم فيمكنني أن أؤكد أن كل تطبيق له خلال التاريخ فهو عدوان على القرآن والسنة وقد قامت به الدول الزائفة كدول الخوارج والقرامطة والحشاشين والدواعش ولم تقم به الدول الحقيقية في الإسلام.

خرافة الرجم، (ولا أتنازل أبداً عن هذا المصطلح) الواردة في بعض كتب التراث يجب الحكم عليها وفق قواعد المحدثين بأنها حديث شاذ، والشاذ هو حديث صح إسناده ولكنه عارض ما هو أصح منه سنداً، والقرآن أصح منه سنداً وهو يعارض هذه الخرافة بشكل مباشر ونهائي، والرواية تسيء إلى النبي الكريم وتتهمه بأنه حذف من القرآن آية أو كتمها، وتسيء لعمر بن الخطاب بأنه يملك آيات خارج القرآن ويريد وضعها في القرآن ولكن يخاف من كلام الناس، وتسيء للقرآن الكريم نفسه بأنه قرآن ناقص تائه ضائع فيه آيات مسروقة مخبوءة وتسيء إلى اللغة العربية التي لا تعرف مصطلح الشيخ والشيخة، بل مصطلح الشيخ والعجوز، وقال تعالى: أألد وأنا عجوز وهذا بعلي شيخاً!.

إنني لا أجهل أن هذه المسؤوليات التي نلقيها على بعض رجال الدين ستثير تساؤلات كبيرة، ولا أجهل أن هناك حججاً تعارض ما أقول ولكنني متمسك بكل حرف كتبته، وقد فصلته بكل رواياته منذ عشرين عاماً في كتابي: المرأة بين الشريعة والحياة، وكتابي نور يهدي لا قيد يأسر، ولكن ماذا يصنع البرهان مع قوم لا يقرؤون ولا يكتبون.