جرائم الكراهية.. من كندا إلى شنكال

أقدم سائق حاقد في كندا على دهس عائلة مسلمة عن عمد وسبق إصرار وتصميم، فقتل منها أربعة أفراد فيهم الأب والأم والجدة والبنت ولا زال الابن يعالج من جروح خطيرة.

وحين سيق المجرم للمحاكمة، أكد أنه لا يعرف الضحايا وليس بينه وبينهم أي علاقة، ولكنه أراد أن يقول إن كندا بلد ممنوع على الإسلام والمسلمين.

وأثارت الجريمة حملة استنكار عالمية واسعة النطاق وتحدث الرئيس الكندي ترودو بلغة حزينة، مؤكداً أن الجريمة وقعت على خلفية كراهية للدين الإسلامي وأعلن أن هذه الكراهية مرفوضة وأن الإسلاموفوبيا (ظاهرة الرعب من الإسلام) مرفوضة وخبيثة ولا يمكن لبلد حر ومستقل في العالم أن يتقبل هذا اللون من الحقد والإجرام.

وبعيداً عن التحقيق القضائي والموقف السياسي المتوقع، ولكن ما الذي يجعل مجرماً كهذا يقدم على جريمته؟ وما هي الأسباب العميقة لثقافة الكراهية، وكيف يمكن أن ينتظر مجرم كهذا ثناءً من فئة في المجتمع، وهو ما توقعه بكل تأكيد، وربما حصل عليه أيضاً.

يجب أن نعلم أن هذه الجريمة هي نتيجة لسلسلة طويلة من ثقافة التحريض والتحقير التي مارسها أشرار حاقدون ضد الإسلام وأهله، وللأسف فإن كثيراً منها يبدأ نقاشاً لاهوتياً ثم ينتهي إلى اتهامات بالهرطقة والزندقة، ومع أنها تتوقف في الغالب عند هذه النقطة، ولكن قسماً غير قليل من الانفعاليين والدهماء يندفعون إلى الخطوة التالية وهي الحوار بالحقد والدم.

إنه خيط رفيع ذلك الذي يفصل بين النقد والحوار المشروع، وبين الحقد والتشويه الممنوع، وإنني أحترمك ناقداً مأجوراً، ولكنني سأحتقرك حاقداً مغروراً.

كم أتمنى أن يقدم لنا التحقيق الكندي سجلاً بالدراسات والمقالات والمشاهد التي أسست لدى هذا المجرم ثقافة الكراهية، وأن يتم تدوين تأثير هذه المؤثرات بلغة الديجتال، بحيث ندرك أثر كل فكرة في بناء ثقافة الكراهية على أساس من التدوين الإحصائي بشروطه العلمية ليدرك أصحاب الأقلام ومخرجو الأفلام أنهم شركاء في صناعة الكراهية وأنهم إذ يشيطنون الآخر بأسلوبهم الحاقد فإنهم يدفعون فرقاً من الحمقى لارتكاب الجريمة، وقناعتي أن العلم قادر بوسائله الإحصائية وخوارزمياته المتطورة أن يحدد قيمة رقمية لكل خطاب كراهية، وأن يكون لهذا التقدير أثر حقوقي في رصد خطاب الكراهية ومواجهته بالوسائل القانونية أيضاً.

لقد نجحت وسائل التواصل الاجتماعي فيسبوك وتويتر وانستغرام ويوتيوب في امتحان أخلاقي مهم، حين أشارت خوارزمياتها الهندسية الدقيقة في إثبات أن حساباً يعود لشخص عنصري أبيض يحرض على العنف ويمهد لمشاعر الكراهية القاتلة، ومع أن الرجل كان يجلس على كرسي البيت الأبيض، ويتمتع بنفوذ جبار في العالم، وهو قادر أن يحشد الملايين من أجل الكراهية، وامتلكت هذه المواقع الشجاعة الكافية لحجب هذا الحساب للمتطرف الأبيض على الرغم من نفوذه العالمي الهائل، وأعلنت أن موقفها الأخلاقي يلزمها مواجهة خطاب الكراهية.

إنني أعتبر أن هذا الموقف يؤسس لميثاق عالمي للأخلاق يندرج فيه خطاب الكراهية في سياق الجرائم ضد الإنسانية، ولا شك أن ذلك سيكون يوماً ما مناسباً لعقلنة خطاب الحرية السائب، والتمييز بدقة بين حقوق الإنسان في الفكر وبين سلوكه في التكفير والتحريض على القتل.

ومن أفق آخر، فإنني أعتقد أن هذه الجريمة لا تبعد كثيراً عن جرائم سوداء تجري في بلادنا باستمرار، ولعل أكثرها بؤساً تلك الجريمة السوداء التي مارسها أشرار حاقدون في شنكال وجبل سنجار ضد اليزيدية، وما ارتبط بهذه الجريمة من قتل وسبي وتحقير، ومع أن العالم الإسلامي كله أدان هذه الجرائم، حيث كتب الفقهاء المرجعيون في العالم الإسلامي بلا استثناء إدانات واضحة للجريمة المتوحشة، وقد شارك ذلك كل أصحاب القلم، ولكنني لا أجد بداً من الاعتراف أننا إنما أنكرنا الفصل الأخير من الجريمة فقط في حين أننا قمنا عن عمد بتبرير الفصول الممهدة والمؤسسة لهذه الجريمة.

حين يقوم كاتب بشيطنة فئة من المجتمع عن عمد وتصميم ووصفهم بعباد الشيطان والفرج، ورسم صور مخزية لسلوكيات لا تليق بالبهائم وإلحاقها عن عمد بإخوة له في الوطن، فإنه بذلك يكون الشريك الممهد للجريمة وهو يتحمل قدراً غير قليل من توفير شروط الجريمة ووسائلها وأدواتها من حيث يعلم أو لا يعلم.

والأسوأ من ذلك أن يعتبر أن ما يكتبه عن إخوانه في الوطن من تشويه لعقيدتهم واتهام لعامتهم وافتراء على حرائرهم جزءاً من الدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة!!

لا يمكنك إدانة الجريمة في كندا وأنت تمارس في توفير أرضية الكراهية والحقد ضد المختلف عنك في اللون أو العرق أو الدين، ولا يمكن أن نلعن الإجرام في كندا ونحن نلتمس المعاذير ونبرر لمجرمي الدواعش في شنكال جريمتهم في الاعتداء على أبرياء بأنها ردة فعل فيزيائية ضد استفزاز متكرر من قوم يعبدون الشيطان!

لم نقم بما يكفي للدفاع عن إخوتنا في الإنسانية من أبناء الديانة اليزيدية (الإيزيدية) الذين تعرضوا تاريخياً لأكثر من سبعين عملية اجتياح على خلفية الكراهية الدينية، ولم نجد من يرفع الصوت بالدفاع عن حق الإيزيدي في اعتقاد ما يشاء على منطق لكم دينكم ولي دين، وفي الوقت نفسه الدفاع عن العقيدة الإيزيدية كعقيدة توحيد تحمل فهماً خاصاً بشأن عزازيل وليس كعقيدة إجرامية تلعن الله وتعبد الشيطان!!

لقد شهدنا الاجتياح السبعين للقرى الإيزيدية، وأخشى أن نكون قد بدأنا من جديد ممارسة الإعداد للاجتياح الحادي والسبعين عبر العودة إلى تدريس ثقافة الكراهية والتحقير وإعادة تدريسها بالصيغة المتوحشة التي أدت إلى تلك الفصول الدامية!!

لا يمكنك أن تدين الإجرام ضد العائلة المسلمة في كندا وأنت تبرر لمجرم آخر أن يمارس الدعس نفسه ضد السياح في فرنسا على شاطئ نيس حيث قتل المجرم 86 شخصاً في مجزرة دم واحدة، وتكتفي بالتعليق أن هؤلاء القتلى هم أبناء المستعمرين الذين احتلوا أراضينا وسرقوا خيراتنا!!

لا يمكن أن تدين إجرام الدهس في كندا وأنت ترحب بجريمة الدهس في فرنسا أو بجريمة الدهس والطعن في فلسطين المحتلة وتعتبر ذلك نضالاً فدائياً مبروراً.

لا يمكنك أن تدين الدهس في كندا وأنت تقف مع جماعات هائجة في مدن إسلامية غاضبة رفعت اللافتات للترحيب بجريمة ذبح المعلم الفرنسي من قبل قوقازي مجرم جاء ليثأر لرسول الله!!

الجريمة في كندا بشعة، وكذلك في نيس وفي شنكال وفي كل مكان يهان فيه الإنسان ويذبح، ولا يمكن تبريرها بأي وجه، ولكن يجب تفسيرها بشكل دقيق، ويجب تحديد نظائرها وشبيهاتها التي تتكرر كل يوم، ويجب تحديد مكانك الحقوقي في تبرير هذه الجرائم أو في مواجهتها بشجاعة ويقين.

من قتل نفساً بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعاً ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعاً.