أطفال مصابون في إدلب فقدوا حيويتهم مع حاجتهم لأطراف صناعية بآلاف الدولارات

إدلب – نورث برس

يتألم آباء وأمهات في إدلب، شمال غربي سوريا، لمصير أطفالهم الذين أصيبوا خلال سنوات الحرب وفقدوا أحد أطرافهم، بينما لا يتمكنون من تأمين أطراف صناعية تحسن معنوياتهم وتعينهم على الاستمرار في حياتهم.

وما تزال والدة الطفل وليد الأسعد (عشرة أعوام)، وهما نازحان من مدينة سراقب إلى إدلب المدينة تتذكر دموعه حين سمع خبر بتر قدمه بعد إصابته قبل عام خلال قصف ضمن عملية عسكرية لقوات الحكومة السورية بريف إدلب الجنوبي.

وتحول حال “الأسعد” وأطفال آخرون في إدلب وريفها من تلاميذ مفعمين بالحيوية إلى ضحايا يحتاجون إلى مساعدة في كل تفاصيل حياتهم، ويعيشون منعزلين أو مكتئبين وسط تبدد أحلامهم، بينما يزيد عدم تمكنهم من الحصول على أطراف صناعية من تدهور حالهم.

كانوا مفعمين بالنشاط

وكان وليد يحلم بأن يصبح لاعباً محترفاً لكرة القدم التي يصفها بـ”الرياضة المحببة إلى قلبي.”

وبدأ حزن الطفل عندما أصيب قبل عام في مدينته سراقب، “كنت في طريقي إلى المدرسة، حين سقط صاروخ من طائرة حربية على مقربة مني.”

وكانت الطائرات الحربية السورية والروسية قد أغارت على مدينة سراقب بريف إدلب في الحادي والعشرين من كانون الأول /ديسمبر من العام الماضي ما أسفر عن وقوع ضحايا وإصابات آنذاك.

يقول الطفل لنورث برس إنه لا يذكر تفاصيل أخرى سوى وجوده في المستشفى رفقة والديه، وسماع الطبيب يخبرهما “بضرورة بتر قدمه بسبب تضررها بشدة وعدم إمكانية شفائها.”

وتلا ذلك، وفق ما روت الأم، “ﻧﻘﺺ ﺍﻷﺩﻭﻳﺔ ﻭﺍﻟﺮﻋﺎﻳﺔ ﺍﻟﻄﺒﻴﺔ ﻭﺍﻟﻘﺼﻒ ﺍﻟﻤﺴﺘﻤﺮ ﻟﻠﻤﺸﺎﻓﻲ التي جعلت ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ ﺍﻟﻄﻔﻴﻔﺔ مصائب.”

وحاولت العائلة الدخول إلى تركيا لعلاجه، عسى ألّا تضطر لخيار البتر، “لكننا لم نتمكن من ذلك.”

تصف الأم حال ابنها الآن: “تحول من طفل يملؤه النشاط إلى يائس ومنعزل عن الآخرين، يرفض حتى مقابلة الأقارب أو الجلوس معهم.”

كما ويضطر الكثير من الأطفال المصابين لترك تعليمهم نتيجة عدم توفر مدارس خاصة لحالاتهم، فضلاً عن تعرضهم للتنمر من قبل أقرانهم.

واضطر أحمد العثمان (12 عاماً)، وهو طفل نازح من ريف معرة النعمان الشرقي إلى مدينة إدلب، لترك المدرسة بعد بتر قدمه عقب إصابة بشظية قذيفة هاون سقطت على مقربة من منزله في شهر تشرين الأول/أكتوبر من العام الماضي.

بعد مرور سبعة أشهر وشفاء جروحه، حاول الطفل العودة إلى مقاعد الدراسة باستخدام عكازين، لكنه واجه صعوبات تتعلق بعدم توفر وسيلة مواصلات توصله للمدرسة التي تبعد مسافة كيلومتر واحد، بالإضافة لوجود السلالم داخل المدرسة.

يقول “العثمان” لنورث برس: “كان رفاقي يساعدونني في الوصول إلى صفي، لكنني كنت أتعرض للسخرية من قبل آخرين.”

أطراف بآلاف الدولارات

وتتفاقم ﺍﻹﺻﺎﺑﺎﺕ، وسط ضعف الرعاية الصحية، لتتحول ﺇﻟﻰ إصابات ﺩﺍﺋﻤﺔ ﻛﺒﺘﺮ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﺃﻭ ﺣﺼﻮﻝ ﺘﺸﻮﻫﺎﺕ دائمة أو الإصابة بالشلل ﺃﻭ ﺗﻌﻄﻞ بعض الوﻇﺎﺋﻒ الحيوية، لكن حتى الحلم في الحصول على أطراف صناعية أو كراس متحركة لا يبدو في متناول عائلات هؤلاء الأطفال المصابين.

ولم تتمكن الطفلة رشا الابراهيم (تسعة أعوام)، التي تتحدر من بلدة احسم بجبل الزاوية بريف إدلب الجنوبي، من الحصول على طرف صناعي بعد بتر يدها اليسرى منذ ثلاثة أعوام.

يقول والدها لنورث برس: “فقدنا أخاها الصغير البالغ عاماً واحداً أثناء تعرض منزلنا في إحسم لقصف طائرات النظام، وبترت يد رشا، حاولت مراجعة مراكز الأطراف الصناعية لتحصل على طرف صناعي ذكي، لكن دون جدوى.”

ويضيف: “ولم أتمكن من تأمين ثمن الطرف الصناعي الذي يصل إلى آلاف الدولارات.

وتباع الأطراف الصناعية في المراكز الخاصة بأسعار مرتفعة تفوق قدرة ذوي المصابين، إذ يتراوح سعر الطرف الصناعي العادي بين 600-1500 دولار أميركي، بينما يتراوح ثمن الذكية منها بين 3500-4000دولار.

ويعاني أطفال بُترت أطراف لهم من صعوبة الحصول على الأطراف الصناعية وﺍﻟﺘﺄﺧﻴﺮ في ﺎﻟﻤﻮﺍﻋﻴﺪ نتيجة ﺍﻻﺯﺩﺣﺎﻡ، فضلاً عن حاجة الأطفال لتبديل الأطراف باستمرار لتتلاءم مع نموهم وأحجامهم الجديدة، بحسب مختصين.

ويتفق محمد العمر، وهو اسم مستعار لعامل فني في تركيب الأطراف الصناعية في منطقة إدلب، مع عائلات الأطفال المصابين، في أن أحوال كثيرين من مبتوري الأطراف في إدلب تتفاقم نتيجة عدم حصولهم على علاج وأطراف صناعية في المراكز المتوفرة.

وقال لنورث برس إن “ﺍﻟﺪﻋﻢ ﺍﻟﻤﻘﺪﻡ ﻟﻤﺮﺍﻛﺰ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﺍﻟﺼﻨﺎﻋﻴﺔ المجانية ﻣﺤﺪﻭﺩ، ﻭﻋﻤﻠﻴﺔ ﺗﺼﻨﻴﻊ ﻫﺬﻩ ﺍﻷﻃﺮﺍﻑ ﺗﺘﻢ ﺑﻜﻤﻴﺎﺕ ﻗﻠﻴﻠﺔ، مما يضطر المريض للانتظار لفترات طويلة.”

إعداد: حلا الشيخ أحمد – تحرير: حكيم أحمد