صعوبات معيشية لعائلات دفعها البحث عن عمل إلى ديرك
ديرك – نورث برس
تعاني عائلات قدمت من أرياف ومدن مختلفة من شمال شرقي سوريا إلى مدينة ديرك وريفها، أقصى شمال شرقي سوريا، بحثاً عن عمل، من صعوبات في تأمين احتياجاتها المعيشية في ظل ارتفاع أسعار المواد الأساسية والطبابة والإيجارات.
ولا تنظر المنظمات الإنسانية ولا المؤسسات التابعة للإدارة الذاتية إلى أفراد هذه العائلات على أنهم نازحون، لأن باب العودة لمناطقهم مفتوح أمامهم، كما أن بإمكان معيليها الحصول على عمل، لتبقى المشكلة في إطار الغلاء في الأسواق وعدم تلبية الأجور لاحتياجاتهم.
وكانت هذه العائلات قد اتجهت خلال أعوام سابقة من مناطق مختلفة من شمال شرقي سوريا، بقصد العمل في الزراعة وتربية المواشي في مدينة ديرك وريفها، بعد عدم توفر الاستقرار في بلداتهم ومدنهم.
مقصد لباحثين عن الاستقرار
وكان الاستقرار النسبي في ديرك وتوفر المياه والكهرباء عوامل جاذبة للباحثين عن الاستقرار، والذين قدموا من مناطق شهدت معارك وعمليات عسكرية بسبب سيطرة تنظيم الدولة الإسلامية أو تركيا والفصائل الموالية لها.
كما أن وجود معبر سيمالكا الحدودي لعب دوراً في استقرار هذه العائلات بديرك، حيث يعمل بعضهم كعمال في المعبر أو في الأرياف التي تتوفر فيها ظروف ملائمة للزراعة وتربية المواشي.
وانتقل أحمد الملا (45 عاماً)، الذي يتحدر من بلدة تل حميس جنوب قامشلي، أثناء المعارك التي شهدتها بلدته بين وحدات حماية الشعب وتنظيم الدولة الإسلامية (داعش) عام 2015 إلى مدينة سري كانيه (رأس العين) ليعمل في تربية المواشي هناك.
إلا أنه اضطر أثناء الهجوم التركي على منطقة سري كانيه العام الماضي، للانتقال إلى قرية عين بازوق شمالي مدينة ديرك، ليعمل في مهنة الرعي عند أحد مربي المواشي.
لكن “الملا” يجد صعوبة الآن في تأمين المستلزمات الشتوية من مازوت ومدفأة لعائلته، “راتبي لا يسد الاحتياجات الأساسية من طعام وأدوية.”
عمل لا يسد الاحتياجات
ويتقاضى “الملا” 100 ألف ليرة سورية مقابل عمله الحالي، ويعيل 17 شخصاً، بينهم 11 طفلاً ووالدته التي تعاني من عدة أمراض وليس بمقدوره توفير الطبابة اللازمة لها.
وحول موقد للنار، يجلس الأطفال حفاة ملتصقين ببعضهم في محاولة منهم لتدفئة أجسادهم وسط انخفاض درجات الحرارة، حيث لا تمتلك العائلة من المال ما يكفي لشراء مازوت التدفئة.
هذا حالهم في النهار، بينما تضطر والدتهم ليلاً لحرق روث الحيوانات المجففة في المدفأة لينعموا ببعض الدفء.
وتعاني ضحية العلي (60عاماً)، وهي والدة أحمد، من عتامة العين (مرض يصيب عدسة العين فيعتمها ويفقدها شفافيتها مما يسبب ضعفاً في البصر) منذ أربع سنوات.
وتحتاج لإجراء عملية جراحية تبلغ تكلفتها 800 ألف ليرة سورية، لكن العائلة لا تملك القدرة لتأمين هكذا مبلغ، بل تواجه صعوبة حتى في شراء “قطرة عين” يبلغ سعرها ثلاثة آلاف ليرة.
وتعاني “العلي” من مشكلات صحية أخرى كالضغط وحلجتها لإزالة كتلة دهنية في حنجرتها، وفق ما أخبرها الأطباء.
وتلجأ رسمية الملا (25 عاماً)، وهي أرملة وأم لطفلة وتعيشان مع عائلة شقيقها أحمد، إلى تعبئة المدفأة بروث الحيوانات التي جففتها صيفاً لتدفئة الغرفة التي فرشتها بحصير وقطع سجاد رقيقة.
وقالت رسمية: “نستعمل روث الحيوان في مدفأة الخشب لأننا لا نملك مدفأة مازوت ولا غازاً للطبخ، فنضطر لإعداد الطعام على الحطب.”
وأشارت إلى أنهم لم يتمكنوا أيضاً من تأمين ملابس وأحذية شتوية للأطفال في ظل ارتفاع الأسعار.
احتياجات رعاية الأطفال
وليس بعيداً عن عائلة أحمد، تعيش عائلة خولة محمد ( 30عاماً)، المتحدرة من قرية سيحة بريف قامشلي، في غرفتين بُنيتا فوق مستودع وحظيرة قديمة للمواشي على أطراف مدينة ديرك.
وقدمت عائلة “محمد”، منذ نحو ستة أشهر، من قرية سيحة إلى مدينة ديرك بقصد العمل، وسكن أفرادها في منزل يبلغ إيجاره 20 ألف ليرة سورية.
وتحتضن خولة طفلها الصغير لتوقف بكاءه، والذي تقول إن سببه عدم توفر الحليب.
وقالت خولة إن صاحب المنزل طلب منهم إفراغ المنزل “بحجة رغبته في هدمه وإنشاء بناء جديد”، حسب قولها.
وتعاني العائلة من الروائح الصادرة من الحظيرة والمستودع الذي يحوي مواداً زراعية مخزّنة، بالإضافة إلى انتشار الأفاعي والحشرات في فصل الصيف.
ولأن المنزل مبني فوق الحظيرة، أرسلت خولة ثلاثة من أولادها إلى والدتها في القرية خوفاً عليهم من السقوط من البناء الذي يفتقد لشروط السلامة.
وأضافت المرأة الثلاثينية، “ليس لدينا تلفاز ولا براد ولا غاز ولا مدفأة ولا مازوت، نطبخ أحياناً على موقد الكاز وأخرى على موقد الحطب.”
ولم تستطع العائلة إدخال ثلاثة من أولادها إلى المدرسة بسبب وضعهم الاقتصادي المتردي.
لا دعم من المنظمات
وعلى مقربة منها، يجلس زوجها سلطان محمد (35 عاماً)، الذي لا يتمكن من تأمين متطلبات عائله المؤلفة من ثمانية أشخاص رغم عمله كعامل مياومة في معبر سيمالكا الحدودي، ولا سيما بعد تراجع العمل مؤخراً.
يقول العامل إنه لا يستطيع تحمل تكاليف إيجار منزل صالح في المدينة بالاعتماد على مبلغ أربعة آلاف ليرة التي يجنيها مقابل عمله في المعبر ليوم كامل، “وهو لا يكفي لشراء احتياجات المنزل من خبز وسكر وشاي بسبب غلاء أسعارها.”
ولم تقدم المنظمات الإغاثية والجمعيات الخيرية أي خدمات أو مساعدات للعائلة، بحسب سلطان.
ومع قدوم فصل الشتاء، يتخوف سلطان على مصير عائلته في هذا المنزل الذي يفتقر إلى الأثاث، قائلاً “جاء الشتاء والمنزل كما ترون لا أبواب ولا نوافذ له، كما أننا لا نملك مدفأة ولا مازوتاً هنا”.
وقال محمد عبد الرحيم، وهو الرئيس المشارك لمنطقة ديرك، إن العائلات التي قدمت من مناطق أخرى إلى ديرك لا تعتبر نازحة، “لأن لديهم منازل وقرى وأراض وليست مناطق محتلة، كمنطقة سري كانيه وغيرها من مناطق النزوح.”
وأشار إلى أن النازحين إلى منطقة ديرك تم إيواؤهم في مخيم نوروز شرقي المدينة، حيث تم “توزيع خيم عليهم وتقديم المساعدات من قبل المنظمات الإغاثية.”
لكنه اعتبر أن من قدوا من “المناطق المحررة” يمتلكون خيار البحث عن فرص عمل أفضل حتى في قراهم وبلداتهم.