الائتلاف السوري المعارِض.. كيان سياسي في خدمة طموحات أردوغان التوسّعية

أكدت العديد من المصادر مؤخراً أن تركيا أرسلت المئات من المرتزقة السوريين للقتال إلى جانب القوات الأذربيجانية ضد أرمينيا في التصعيد الأخير بين البلدين، وذلك في خطوة ذات نمط عدواني جديد تتبعه السياسة الخارجية التركية.

لم تُخفِ تركيا الأردوغانية أهدافها القومية والتوسعية، فالدولة التركية لها تواجد عسكري في كل من سوريا والعراق وليبيا والصومال وأفغانستان بالإضافة إلى دعمها لأذربيجان واستفزازاتها ضد اليونان حول المطالبات الإقليمية في شرقي البحر الأبيض المتوسط.

ما تم مناقشته بشكل أقل هو حقيقة أن ميليشيات الجيش الوطني السوري المدعومة من تركيا تشارك الآن في ثلاثة من تلك الصراعات السبعة، وهو تطور له تداعيات خطيرة على الدور الذي يمكن أن تلعبه تركيا والمعارضة السورية على حدٍّ سواء في مستقبل سوريا.

ففي شمالي سوريا، يشنُّ الجيش الوطني السوري حرباً على المدنيين الكرد والإيزيديين والمسيحيين حتى تتمكن تركيا من الحصول على التركيبة السكانية المناسبة لها على حدودها.

وفي ليبيا، يدعم الجيش الوطني السوري طرفاً في الحرب الأهلية في ذلك البلد؛ ذلك الطرف الذي منح تركيا الوصول الملائم إلى الموارد في البحر الأبيض المتوسط.

أما في أذربيجان، حيث تم تأكيد وجودهم هناك مؤخراً، يقاتلون في سبيل ظلم القومية التركية للناجين من الإبادة الجماعية في العهد العثماني، والتي ما زالت تركيا الحديثة تنكرها.

لا تشمل أي من هذه النزاعات الحكومة السورية، التي أُنشئ الجيش الوطني السوري للقتال ضدها ظاهرياً. ولا يخدم أيٌّ منها المصالح العامة للشعب السوري، أو أي سكان مدنيين معنيين بالصراع.

قام عناصر الجيش الوطني السوري في كلٍّ من عفرين وسري كانيه (رأس العين) وتل أبيض بتهجير المدنيين من منازلهم وسرقة ممتلكاتهم وتدمير مواقعهم التاريخية واضطهدوا الأقليات وعنّفوا النساء وذلك بحسب الأمم المتحدة.

وظهرت في ليبيا أيضاً دعاوى مماثلة، حيث أفادت القيادة العسكرية الأميركية في أفريقيا بأن هناك تقارير تشير إلى تزايد السرقة والاعتداء الجنسي وسوء السلوك من قبل المرتزقة السوريين، حيث حذّر تقرير صادر عن وزارة الدفاع الأميركية في شهر آب/ أغسطس، أنه من المرجح أن تؤدي هذه الانتهاكات إلى تفاقم خطورة البيئة الأمنية بشكل فعلي في ليبيا، والتي قد تؤدي إلى رد فعل عنيف من قبل الشعب الليبي.

وعلى ما يبدو، فإن تركيا تشجع هذا السلوك حيث يتم تسليح مجموعات الجيش الوطني السوري ودفعها وتدريبها ونقلها إلى مناطق النزاع من قبل تركيا، ما يمنح السلطات التركية نفوذاً كبيراً لوقف هذه الانتهاكات إن رغبت في ذلك.

لكن وبدلاً من ذلك، فإن تركيا تروّج وتصدّر الفصائل التي لديها أسوأ سجلٍّ في حقوق الإنسان. ومن بين الجماعات التي ورد أنها أُرسِلت إلى أذربيجان، فرقة السلطان مراد، التي تورّط أعضاؤها في عدة تقارير عن حالات الزواج القسري، وفرقة الحمزة، المعروفة باختطاف مدنيين كرد.

إن هذا النمط له انعكاساته على المشروع السياسي للمعارضة السورية برمّته، فلا يمكن المجادلة بأن مجموعات الجيش الوطني السوري ليست ممثّلة لسياسة المعارضة.

حيث تأسس الجيش الوطني السوري باعتباره الجناح العسكري الرسمي للحكومة السورية المؤقتة، التابعة لائتلاف المعارضة والممثّل في المفاوضات الدستورية بإشراف الأمم المتحدة.

في الواقع، تشير إدارة المناطق التي تسيطر عليها المعارضة، لا سيما تلك التي كانت تديرها قوات سوريا الديمقراطية قبل أن تسيطر عليها المعارضة، إلى أن الجيش الوطني السوري يتمتع بسلطة أكبر مما تمتلكه الهياكل المدنية التابعة له. وهذا يعني أن أفعال الجيش الوطني السوري هي أكثر تمثيلاً للمعارضة على الأرض من تصريحات الهيئات المدنية.

إذا لجأت أعداد كبيرة من الشباب في هذه المناطق إلى ترهيب المدنيين والقتال نيابةً عن قوة أجنبية بدافع اليأس الاقتصادي غير السياسي، كما يدّعي المدافعون عنهم، فإن المعارضة تكون قد فشلت.

إن الكيان السياسي الذي يجب أن يصبح الأفراد فيه مجرمين ومرتزقة من أجل كسب لقمة العيش ليس بديلاً موثوقاً به لأيّ حكومة. وقد ساهمت تركيا في هذا الفشل من خلال استخدام أكثر الجماعات عنفاً لتحقيق مآربها ومنحهم الفرصة ليعتلوا المقام الأول في الارتزاق.

من ناحية أخرى، إذا كان العدوان المستشري ضد مجموعات عرقية ودينية معينة والخضوع للمصالح الأجنبية ليسا إلا خيارين سياسيين اتخذتهما المعارضة، فإن مشروع المعارضة يشكّل تهديداً نشطاً لآفاق السلام والديمقراطية في سوريا.

ستحتاج البلاد إلى قادة يدافعون عن حقوق جميع شعوبها المتنوعة لإعادة البناء بعد سنوات من الحرب، ولكن بالطبع ليس أولئك الذين يتخلّون عن قضيتهم لمحاربة أعداء متخيلين لطاغية أجنبي.

مرةً أخرى، لعبت تركيا دوراً سلبياً من خلال تشجيع المشاعر الطائفية والعرقية الشوفينية التي تتماشى مع أهدافها القومية.

يجب ألا يكون لقوات الوكالة العنيفة وغير المنظمة للديكتاتورية التوسعية مكان في سوريا المستقبلية أو حتى في المناطق الإقليمية المجاورة لها.

حيث يُظهر وجود عناصر الجيش الوطني السوري في أذربيجان مرةً أخرى أن التدخل التركي في سوريا من أجل “حلفاء” تركيا، ليس إلا لضمان أن هؤلاء الحلفاء مفيدون لطموحات أردوغان الجيوسياسية، وكل ذلك على حساب احتمالات الاستقرار والأمن والتعايش.