القاهرة تحاصر تحركات أنقرة شرقاً وغرباً

القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس

تتصاعد حدة التوتر بين القاهرة وأنقرة مُنذ العام 2013 بعد الإطاحة بحكم تنظيم “الإخوان المسلمين” الحليف لتركيا في مصر، وأخذ ذلك التوتر بعداً إقليمياً ودولياً أوسع على وقع تحركات تركيا الموجهة ضد مصر، وكذا ردات الفعل المصرية في مواجهة تلك التحركات، شرقاً وغرباً، وهي التحركات التي تضاعف التوترات السياسية والأمنية في المنطقة، وسيناريوهات تصعيد تتوسع دائرتها يوماً بعد يوم.

ونجحت القاهرة في تشكيل تحالفات تُحاصر من خلالها “أطماع تركيا” في المنطقة؛ ففي ليبيا، كوّنت القاهرة حلفاً إقليمياً عربياً (لاسيما إماراتياً وسعودياً)، بمشاركة أطراف دولية، مناوئة أيضاً للتدخلات التركيّة المباشرة في ليبيا، بما يُحاصر أطماع ومخططات تركيا في المتوسط. 

وفي شرق المتوسط تحالفت مع اليونان وقبرص باتفاقيات ترسيم حدود وتعاون مشترك، في مواجهة التحركات التركيّة في تلك المنطقة العائمة على بحيرة من الغاز، في خطٍ متوازٍ مع مواقف أوروبية رافضة للتحركات التركية والتنقيب غير الشرعي عن الغاز في المتوسط.

وما اتفاقية ترسيم الحدود الموقعة بنهاية الأسبوع الماضي، بين القاهرة وأثينا، إلا تحمل في ثناياها جزءًا موجهاً ضد تلك التحركات التركية (بخلاف أهمية ترسيم الحدود البحرية بين البلدين في إطار قانوني يسهل عمليات التنقيب والبحث والاستفادة من الثروات التي تزخر بها المنطقة)، بخاصة أنها تقطع الطريق أمام اتفاقية (اردوغان-السراج) الخاصة بترسيم الحدود البحرية بين تركيا وليبيا الموقعة في تشرين الثاني/ نوفمبر 2019 وتُقصي أنقرة من المتوسط، كما تم إقصاؤها من منتدى غاز شرق المتوسط المشكل العام الماضي.

يقول عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، السفير رخا أحمد حسن، في تعليقه على الاتفاقية الأخيرة بين مصر واليونان، إنها “تلزم تركيا بعدم التعدي على حقوق الغير”، خاصة أن أنقرة دأبت على إرسال سفن التنقيب في المتوسط، وإلى المياه الإقليمية لليونان، وهو ما أثار حفيظة اليونان والاتحاد الأوروبي، وقد حذرت ألمانيا تركيا من عواقب تلك التحركات.

وأفاد بأن مذكرة التفاهم التي وقعت بين السراج وأردوغان، والتي تستخدمها تركيا لتبرير تحركاتها في المتوسط، هي مذكرة تفاهم “باطلة”، تريد من خلالها تركيا استخدامها فيما لا مجال لها فيها، فقد منحت نفسها حق التنقيب عن الغاز، على رغم أنه ليس لها حدود مع ليبيا من الأساس.

وبالتالي -وفق رخا- فإن أهمية اتفاقية ترسيم الحدود بين مصر واليونان تأتي من أنها تحفظ للبلدين حقوقهما في المنطقة الاقتصادية الخالصة لهما، ويكون لكل دولة الحق في استخدام الموارد الطبيعة التي تزخر بها تلك المنطقة، بداية من الأسماك وحتى الغاز والنفط)، ولا يستطيع أحد دخولها إلا بإذن من البلد، فهي منطقة أعالي بحار الملاحة فيها متاحة للجميع، لكن التنقيب والاستفادة بثرواتها مقصورة على الدول صاحبة المنطقة الاقتصادية الخاصة.

خط أحمر جديد

وبتلك الاتفاقية تكون القاهرة قد وضعت خطاً أحمر جديداً أمام تركيا، ذلك أنه من الناحية القانونية لم يعد لأنقرة مكان في شرق المتوسط، وفق تعبير مساعد وزير خارجية مصر الأسبق، السفير جمال بيومي، والذي شدد على أنه لم يعد لتركيا مكان، بخاصة أنها لا تستند سوى على الاتفاقية التي وقعتها مع حكومة السراج في ليبيا قبل نهاية العام 2019 وهي الاتفاقية التي وصفها بـ “الباطلة” لعديد من الأسباب، من بينها أن السراج لا يمثل ليبيا، ولم يوافق البرلمان الليبي عليها.

وكان الرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، قد وضع ما سمّاه بـ “الخط الأحمر” أمام تركيا، في ليبيا، وهو محور (سرت-الجفرة) ملوحاً بتدخل عسكري مصري مباشر حال تجاوزت تركيا ذلك الخط، في موقف يعتبر “الأقوى” من الجانب المصري منذ توتر العلاقات ومنذ التدخل التركي المباشر في ليبيا.

وطبقاً لبيومي، فإن اتفاقية ترسيم الحدود من نتائجها “كبح جماح تركيا التي ما فتئت تحاول التحرش بالدول المطلة على البحر المتوسط في مياهها الاقتصادية الخالصة، وتستخدم احتلالها لشمال قبرص في محاولة تبرير تلك التحركات التي تقوم بها في المتوسط”.

وفي المقابل، فإن تركيا تعهدت بمواصلة تحركاتها في المتوسط، بعد أن كالت الاتهامات والانتقادات لاتفاقية ترسيم الحدود البحرية بين مصر واليونان واعتبرتها اتفاقية غير شرعية. وقال وزير الدفاع التركي خلوصي أكار، في تصريحات نقلتها عنه تقارير إعلامية تركية “إن القضية القبرصية هي القضية الوطنية المركزية لتركيا.. أنشطة الحفر والتنقيب عن الغاز والنفط في المناطق المرخصة شرق البحر المتوسط هي حق لتركيا، وسوف نستخدم هذا الحق بأريحية مطلقة”.

وشهدت الأعوام الماضية عدداً من التحركات التي تقصي تركيا من شرق المتوسط، عبارة عن اتفاقيات ومذكرات تفاهم بين الدول المطلة على المتوسط، في تحرك موجه ضد تحركات أنقرة.

غاز المتوسط

ومنذ العام 2000 بدأ التنقيب عن الغاز في المتوسط، وكشفت هيئة المسح الجيولوجي الأميركية في العام 2014 عن أن تلك المنطقة تسبح على بحيرة من الغاز، ما عزز الصراع على الغاز في المتوسط. وفي 2014 أعلنت القاهرة عن اكتشاف حقل غاز “ظهر” الأكبر في المنطقة، بعدها في عامي 2014 و2015 وقعت اتفاقيات مع كل من قبرص واليونان للتعاون المشترك وترسيم الحدود البحرية.

وفي العام 2019 تم إنشاء منتدى غاز شرق المتوسط من القاهرة، والذي لم يضم تركيا. وقبل نهاية العام ذاته وقعت أنقرة مع حكومة الوفاق في ليبيا اتفاقية ترسيم الحدود البحرية، طالتها عديد من الانتقادات، قبل أن توقع كل من قبرص واليونان وإسرائيل في 2020 اتفاقية خط أنابيب شرق المتوسط “إيست ميد” لمد أوروبا بالغاز، وفي حزيران/ يونيو وقعت اليونان وإيطاليا اتفاقاً لترسيم الحدود البحرية بينهما.. كل تلك الاتفاقات كانت بمثابة ضربات متتالية للتحركات التركية في المتوسط.