القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس
يشهد ملف سد النهضة الإثيوبي تطورات نوعية متسارعة تمثلت بتقديم السودان خطاباً لمجلس الأمن يحذر من ملء الخزان بدون اتفاق، ثم بعد ذلك دخول الاتحاد الإفريقي، كطرف فاعل من أجل حل الأزمة.
وشهد ملف سد النهضة الإثيوبي، تصعيداً كبيراً خلال الأسابيع الماضية، مع حرص القاهرة على تدويله وإلقاء الكرة بملعب مجلس الأمن، لحث جميع الأطراف على العودة للمفاوضات، قبل تطورات متسارعة شهدها الملف قبيل الموعد المحدد لجلسة مجلس الأمن -التي تأتي بطلب من فرنسا باعتبارها رئيس المجلس خلال الشهر الحالي، اليوم الاثنين.
وأسهم دخول الاتحاد الإفريقي، من خلال القمة التي انعقدت مساء الجمعة، والتي جمعت قادة الدول الثلاث (مصر والسودان وأثيوبيا) والدول الأعضاء بهيئة رئاسة مكتب الاتحاد إضافة لجنوب إفريقيا (رئيس الاتحاد حالياً)، في تخفيف التوتر والتصعيد في ملف السد بعد أن شهدت الأسابيع الماضية تصعيداً مباشراً.
وتمخض عن القمة الاتفاق على تشكيل لجنة مشتركة فنية وقانونية من الدول الثلاث وخبراء من الاتحاد وخبراء دوليين، لحسم الملفات العالقة في المفاوضات خلال أسبوعين.
ثلاثة سيناريوهات
وحدد مراقبون ثلاثة سيناريوهات تفرض نفسها على الملف بعد تدخل الاتحاد الإفريقي، من بينها سيناريو التوصل لاتفاق شامل ينهي النقاط الخلافية بين البلدان الثلاثة، وذلك من وحي التصريحات الإيجابية الصادرة عن مصر والسودان وإثيوبيا، عقب المحادثات التي تمت يوم الجمعة الماضي.
وطبقاً لمستشار مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بالقاهرة، الدكتور هاني رسلان، فإن القمة الأخيرة مثلت فرصة للجانب الإثيوبي من أجل "التراجع" والقبول بالمفاوضات ونتائجها، بعد أن اتخذت أديس أبابا قراراً بالتعامل الأحادي في ملف السد وملء الخزان منذ انسحابها من مفاوضات واشنطن.
وبيَّن "رسلان"، أن عدم التزام الجانب الإثيوبي بنتائج المفاوضات الجديدة "من شأنه أن يكشف أمام العالم مسؤولية أديس أبابا في إدخال المنطقة بصراع كبير وسيناريوهات مختلفة.
وأفاد بأن القمة الأخيرة "ناجحة وحققت نتائج مهمة فيما يخص المفاوضات بين الدول الثلاث".
وأوضح أنه "الآن لم يعد هنالك وقت للمراوغة الدبلوماسية والسياسية، مع تحديد القمة الأخيرة مدة أسبوعين كمهلة زمنية لانتهاء عمل اللجنة الفنية والقانونية لحسم الملفات الخلافية، وبالتالي لم يعد هنالك مجال للتهرب من النتائج".
وذكر أنه إن لم يتم التوصل إلى اتفاق نهائي بعد تلك المهلة الزمنية يرضي جميع الأطراف، فإن "جميع السيناريوهات والخيارات ستكون مطروحة".
أما السيناريو الثاني، فمرتبط بطول أمد فترة عمل اللجنة الفنية والقانونية إلى أكثر من أسبوعين، لتعدد الملفات الخلافية، وفي هذه الحالة ستصطدم الأمور بتصريحات رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد، التي أكد فيها على أن بلاده تتجه لملء الخزان خلال أسبوعين، وبالتالي فالكرة ستكون في ملعب إثيوبيا، إما التصعيد واتخاذ خطوات الملء، أو التأجيل.
بدوره، قال عباس شراقي، أستاذ الجيولوجيا والموارد المائية بالقاهرة، إن من إيجابيات لقاء الاتحاد الإفريقي هو الوصول إلى اتفاق بعدم الملء حتى تنتهي اللجنة الحكومية بتشكيلها الجديد من إنهاء حل النقاط الخلافية خلال أسبوعين، ووزير الري الإثيوبي أضاف "أو ثلاثة" وقد تصل إلى أبعد من ذلك.
وشدد على ضرورة "التعامل مع الوعود الإثيوبية بحذر شديد، ذلك أنه لا مانع من زيادة المدة طالما عدم الملء مستمر، وإثيوبيا أمامها فرصة ملء الخمسة مليارات حتى تشرين الأول/ أكتوبر المقبل".
وتابع في بيان له: "نترقب عمل اللجنة بحذر شديد (..) هذه الإجراءات لا تلغي طلبات مصر في مجلس الأمن الذي سوف يجتمع الاثنين، ومن المتوقع أن يرحب بنتائج جلسة الاتحاد الإفريقي وسوف يؤكد على دعوته للدول الثلاث بتكملة المفاوضات بحسن نية للوصول إلى اتفاق عادل".
مخاوف
ويبزغ سيناريو الوصول لطريق مسدود وإعلان فشل المفاوضات وعمل اللجنة المشتركة، يعزز ذلك التخوفات الدائرة بالأوساط المصرية والسودانية على حد سواء من احتمالية فشل المفاوضات من جديد خلال الأسبوعين المحددين، أو النظر للموافقة الإثيوبية بالعودة لطاولة المفاوضات باعتبارها محاولة لـ "المراوغة" واللعب على عامل الوقت للقفز على اجتماع مجلس الأمن وتفريغه من مضمونه، بحسب مراقبين.
وقال خبير الشؤون الإفريقية بالقاهرة، عطية عيسوي، إنه حال حدوث ذلك "فالسبيل الوحيد هو لجوء مصر والسودان إلى مجلس الأمن لوضع التطورات الأخيرة أمامه، وإثبات تلك المماطلة"، ليتخذ بعد ذلك المجلس إجراءاته القانونية.
وأوضح أن نتائج اجتماع الاتحاد الإفريقي وردود الأفعال الإيجابية بعده "لا تعني ضمان التوصل لاتفاق نهائي في المفاوضات".
نقاط خلافية
ويُعول على اللجنة وضع النقاط فوق الحروف بالنسبة لعددٍ من الملفات الخلافية التي لم يتم الاتفاق عليها، بعد أن قُطع شوطٌ كبير منها خلال مفاوضات واشنطن (في الفترة من تشرين الأول/ أكتوبر 2019 وحتى شباط/ فبراير من العام 2020) قبل انسحاب إثيوبيا منها، ومن أهم تلك النقاط الخلافية /5/ نقاط رئيسية.
تمثلت نقطة الخلاف الأولى في تحديد سنوات ملء السد بشكل واضح (تريد أديس أبابا أن يكون ذلك في غضون ثلاث سنوات، بينما تسعى مصر لتحديد مدة سبع سنوات، في الوقت الذي ارتأت فيه دراسات فنية أن يكون الملء في عشر سنوات).
وثاني تلك النقاط، الاتفاق على حجم المياه التي سوف يتم تخزينها من خلال السد (ترغب إثيوبيا في ملء ستة مليارات متر مكعب في العام الأول، ثم /15/ مليار متر مكعب في العالم التالي).
وثالثاً، الاتفاق على حجم تدفقات النيل الأزرق عبر السد (تمثل الآن /49/ مليار متر مكعب، وترغب إثيوبيا في أن تكون /30/ ملياراً، بينما تعرض مصر التنازل عن نحو تسع مليارات فقط، ليكون حجم التدفقات /40/ مليار تقريباً).
أما رابعاً، الاتفاق على أولويات السد في أوقات الجفاف.
في حين تتمثل نقطة الخلاف الخامسة والأخيرة، في الاتفاق على مدى إلزامية الاتفاق، لتكون النتائج ملزمة للجميع، والاتفاق على آلية قانونية لحل النزاعات بين البلدان الثلاثاء.