نورث برس
قال باحثون سياسيون إن لتركيا الدور الأبرز في تأجيج الصراع على الساحة الليبية، من خلال زيادة تدخلها العسكري واستمرار إرسال الآلاف من "المرتزقة" للقتال إلى جانب "حكومة الوفاق الوطني" ضد قوات الجنرال خليفة حفتر، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن صراع السيطرة على الموارد والثروات والموقع الاستراتيجي من قبل أطراف أخرى إلى جانب تركيا، لعب دوراً إضافياً في تأجيج الصراع.
وقال الباحث السياسي السوري والمتخصص في العلاقات الدولية، والمقيم في مصر "بشار بصرو شيخ علي"، لـ"نورث برس"، إن الصراع في ليبيا من الصراعات طويلة الأمد التي تتحول فيها جهود تسوية الأزمة من حل وإنهاء الخلاف نحو إدارة الأزمة، بحيث تتفاعل مع معطيات الأزمة "كشرطي مرور يقوم بتوزيع الأدوار وخلق حدود متغيرة للمصالح المتناقضة".
تأجيج الصراع
وأضاف "ربما يبدو أن التدخل التركي المتصاعد خلال الآونة الأخيرة خاصة بعد توقيع اتفاق ترسيم الحدود البحرية والعلاقات الأمنية والعسكرية، مدفوعًا برغبة تثبيت موطئ قدم في المتوسط في مواجهة مصر وإسرائيل واليونان، قد أدى إلى تأجيج الصراع ودخوله منحنى جديد في المواجهة العسكرية على الأرض".
وأشار إلى أن هذا الأمر "يُنذر بحدوث حرب على نطاق أكبر في حال عدم وجود تدخل فوري لمنع الأمور من التأزم، ولكن وعلى الرغم من التدخل التركي ودوره الكبير، "ولكن الصراع الليبي واحتدامه هو في حقيقة الأمر مسؤولية جماعية تقع على عاتق على العديد من الأطراف والدول الفاعلة ضمن هذه الأزمة".
ويتمحور الصراع على ليبيا حول السلطة التي تسمح بالسيطرة على الموارد والأرض والموقع الاستراتيجي الذي زادت أهميته مع انطلاقة مشروع (الحزم والطريق الصيني)، بحسب "شيخ علي".
وقال إن "هذا الصراع يتركز على انقسامات فكرية بين طرفي الصراع الأساسين، بينما تدعم حكومة الوفاق الجماعات الإسلامية المتشددة والمتطرفة وتقف خلفها تركيا وقطر، فإن التحالف الذي يقوده حفتر يتكون من خليط متنوع يتضمن العلمانيين والسلفيين والعديد من القبائل الليبية ويقف خلف هذا التحالف كلًا من السعودية والإمارات ومصر بشكل مباشر".
غياب الأمم المتحدة
ورغم أن كل الأطراف تريد إنهاء الصراع تحت مظلة الأمم المتحدة، إلا أن مراقبين استغربوا من غيابها أو في حال حضرت فإن دورها ثانوي إزاء ما يجري في ليبيا.
وحول ذلك قال "شيخ علي" إنه "لابد أن نشير للدور الذي يشوبه القصور بالنسبة للأمم المتحدة، وذلك مع عدم وجود هيكلية مؤسسية جامعة وشاملة لقيادة الفترة الجديد من التاريخ الليبي وبناء الدولة الجديدة، اتجهت الأمم المتحدة بعد اتفاق الصخيرات 2015 خاصةً إلى تبني موقف على حساب مواقف أخرى دون التوصل إلى حل جدي ينهي الأزمة ويمهد للدولة الموحدة، بالتالي توفرت البيئة الخصبة للتدخلات اللاحقة".
وأوضح أن "أطراف النزاع متنوعين ومختلفين، فعلى الجانب الأول نجد التحالف الثلاثي السعودي الإماراتي المصري والطرف الثاني قطر تركيا، بالإضافة إلى روسيا وألمانيا وفرنسا وإيطاليا، ولازلت هذه الأطراف تتنازع حتى يومنا هذا على الساحة الليبية، سواء من خلال تقديم الدعم العسكري والمادي والسياسي وأحياناً تقديم المشورة الفنية".
تباين المصالح
ورغم أن الكثير من الدول ترى أن الهدف الرئيس من تواجدها في الملف الليبي هو لدعم الشرعية وعودة الأمن والاستقرار للشعب الليبي، إلا أن "شيخ علي" رأى أن "مصالح ودوافع هذه الدول تتباين، إذ أن الهدف خلف التدخل السعودي والإماراتي سببه الخلاف مع الجانب القطري أساسًا ثم الجانب الاقتصادي، بينما الدافع المصري مرتبط أساسًا بالأمن القومي المصري بحكم الجوار مع ليبيا وقضايا الإرهاب التي تشكل هاجسًا للقيادة المصرية، بينما روسيا وتركيا فإنها تسعى دائمًا نحو إيجاد منافذ لها على البحر المتوسط بسبب القيمة الاستراتيجية للمنطقة بالنسبة للدولتين، ويضاف إليها الوفرة النفطية الكبيرة والرخيصة بالتالي هي بوابة روسيا للتحكم في السوق العالمية للذهب الأسود، بينما ألمانيا وفرنسا وإيطاليا يتجلى النزاع فيما بينها حول القطاع النفطي أساسًا خاصةً بين الأخيرتين، بينما تدعم فرنسا حفتر بشكل كلي تسعى إيطاليا لموازنة علاقاتها مع الطرفين".
وأشار "شيخ علي" إلى أن استمرار التناحر بين المصالح والفاعليين وقلق واشنطن المتزايد من التدخل الروسي، إضافة لتقصير المجتمع الدولي في تأدية واجبه تجاه الأزمة الليبية، وحالة الانقسام الليبي الداخلي كميسِّر رئيسي للتدخلات الخارجية، "كل ذلك سيساهم في إطالة عمر الأزمة الليبية دون وجود ذلك الحل الجامع والشامل الذي يرغب به أبناء الشعب الليبي".
ورغم المساعي التي تعمل عليها حكومة خليفة حفتر وآخرها الموافقة على المبادرة التي أعلنتها مصر على لسان رئيسها عبد الفتاح السيسي، والتي تقضي بوقف لإطلاق النار يبدأ من يوم الاثنين 8 حزيران/ يونيو الجاري، إلا أن أطرافاً تسعى لعرقلة كل ما من غايته التوصل إلى حل توافقي يرضي طرفي الصراع، وعلى رأس تلك الأطراف تركيا، بحسب مراقبين.
معادلة صعبة
وفي هذا الصدد قال الباحث السياسي في العلاقات الدولية "محمد البنداري" وهو مصري الجنسية لـ "نورث برس"، إنه "بطبيعة الحال عندما تخرج إدارة الصراع في أي أزمة سياسية إلى أطراف إقليمية أو حتى دولية كما حدث في سوريا ويجري الآن في ليبيا، فإن المعادلة تصبح صعبة على جميع الأطراف الرئيسيّة في الأزمة نظراً لوجود أجندات تخدم بعض الأطراف في تلك الأزمة أو الأخرى".
وكان الحوار السياسي في ليبيا هو الشاهد على تقدم الحلول السياسية بين الطرفين الليبيين، حيث كان هناك اتفاق برلين السياسي واتفاق (5+5) في جنيف وهو عسكري وسياسي في الوقت ذاته، وكان أيضاً الاتفاق السياسي المعروف بالصخيرات.
وقال "محمد البنداري" إنه "إذا نظرنا إلى كل ما سبق، نجد أن هناك أطرافاً لا تريد التوصل إلى اتفاق وحلول وسياسية بين الأطراف الليبية المتصارعة لتعارض ذلك مع أجنداتها ومشروعها السياسي في المنطقة، من وجهة نظرها".
وأشار إلى أنه وفي هذا الإطار سنجد تركيا في مقدمة هذه الدول لأنها لا تراعي بأي شكل من الأشكال الاتفاقيات والمعاهدات الدولية".
واستدل "البنداري" على كلامه بسلوك تركيا في سوريا، وتحركاتها وتنقيبها عن الغاز في شرق المتوسط، وكذلك تدير السلوك ذاته في الأزمة الليبية عبر إرسالها للبوارج البحرية المحملة بالأسلحة، "وهذا السلوك لم ينتهج قريباً وإنما تقريباً منذ عام 2016، وهي ترسل الأسلحة لتغذية الصراع في ليبيا وكذلك إرسال المرتزقة السوريين التابعين لها لدعم مشروعها في ليبيا".
وبالتالي إذا تم الاقتراب من حلول سياسية في ليبيا تقوم تركيا بطريقة أو بأخرى بتعطيل هذا المسار عبر استضافتها فايز السراج في أكثر من مرة وتوجيهه سياسياً من أنقرة للاستمرار في العمل العسكري ومجابهة أي حل سياسي حتى لو تم ذلك تحت رعاية أممية، حسب "البنداري".
وحول المساعي المصرية لاحتواء الأزمة في ليبيا، قال، "بالنسبة للدول الداعمة للجيش الليبي وعلى رأسهم مصر فهي تحاول الجمع والتوفيق بين الطرفين الليبيين حول طاولة مفاوضات واحدة، فهي جمعت السراج والمشير حفتر في القاهرة أكثر من مرة، وعملت جاهدة على تطبيق اتفاق الصخيرات بين الطرفين، ولكن فشلت في النهاية هذه الجهود نظراً لتعنت الطرف الأخر واستمراره في العمل العسكري والمضي قدماً في تنفيذ أوامر أردوغان وأيضاً في تنفيذ المشروع الإقليمي لجماعة الإخوان المسلمين".
المصالح الدولية
وتظهر المصالح الدولية في أي صراع يدور في المنطقة العربية، حيث نجد روسيا والولايات المتحدة متواجدتان في ليبيا بالميدان السياسي أكثر من الميدان العسكري، وكلاهما تنافس على الهيمنة السياسية في شمال إفريقيا بغض النظر عن أن مخرجات الحل السياسي في أزمات تلك المنطقة يفيد شعوبها أم لا، بحسب "البنداري".
وقال الباحث السياسي في العلاقات الدولية "محمد البنداري"، إن الرابط الوحيد لهما (روسيا والولايات المتحدة) أن مخرجات الحوار السياسي يتناسب مع وجودهم في تلك المنطقة، ولعل التوجه والنشاط الروسي في الفترة الأخيرة خصوصاً في شمال إفريقيا يوضح مدى أهمية تلك المنطقة لروسيا، على اعتبار أن المنطقة العربية في العقلية الروسية السياسية هي إرث تركه الاتحاد السوفيتي، وبالتالي تتعامل معه روسيا بشكل أو بأخر على أنه منطقة نفوذ ضد الولايات المتحدة الأمريكية".
وأمس السبت، وفي وقت أعلنت فيه مصر عن مبادرة لوقف إطلاق النار، إلا أن "قوات الوفاق الوطني" المدعومة من تركيا، ضربت بعرض الحائط تلك الدعوة لوقف إطلاق النار لما فيه مصلحة الليبيين، مع الاستمرار ببسط سيطرتها على بعض المناطق على حساب قوات حفتر.