متسولون في مصر ينتحلون صفة "لاجئ سوري”"

القاهرة- محمد أبوزيد- نورث برس

 

على ناصية أحد الميادين الرئيسية بشارع جامعة الدول العربية بحي المهندسين الراقي في مصر والذي يشتهر بتوافد السائحين من الجنسيات العربية إليه، تقف ثلاث نسوة بعباءات سوداء فضفاضة، أخفت واحدة منهن عينيها بالنقاب، يتوسلن المارة ويتسولن منهم، بلهجة سوريّة مرتبكة، ويروين ملخصاً سريعاً لوضعهن، يشكين فيه ضيق الحال وارتفاع الإيجارات ومصاريف الحياة، ما دفعهن للتسول، جنباً إلى جنبٍ مع متسولين آخرين ينتشرون في المنطقة ذاتها أيضاً.

 

ويشكك البعض ممن يمرّون بالمنطقة في حقيقة كونهن من سوريا. بسبب لهجتهن السورية المرتبكة ويزعم هؤلاء أنهن من مصر وجنسيات أخرى استغللن واقع سوريا الصعب لاستجلاب عطف الناس، لاسيما السائحين من دول الخليج الذين يتوافدون على المنطقة ذاتها، بادّعاء كونهن سوريات ضاق بهن الحال في مصر بعد أن فقدت أسرهن عائلهن خلال الحرب.

 

في هذه الأثناء انقلب المشهد رأساً على عقب، عندما دخلت واحدة منهن في مناوشة مع أحد الأشخاص الذي حاول التحرش بها، حتى انهالت عليه بالسباب بلهجة مصرية صافية، أكدت ما كان محل شك في كونها مصرية تنتحل صفة سورية من أجل التسول.

 

الواقعة المُشار إليها في حي المهندسين الراقي، والتي رصدتها "نورث برس"، تؤكد وجهاً من أوجه المتاجرة باسم السوريين، لمتسولين ينتحلون صفة اللاجئ السوري.

 

و يُمكن أيضاً وبسهولة ملاحظة انتشار نماذج أخرى مشابهة في أحياء وميادين أخرى في محافظات مصرية مختلفة، حيث انتشار متسولات ومتسولين بلهجة سوريّة، ليُكتشف في عديد من الأحيان لاحقاً زيف ادّعاءاتهم في ظاهرة عُرفت باسم "التسول باسم السوريين".

 

وقال عبد الناصر البدري، بائع مأكولات سريعة بحي المهندسين، إن عدداً ممن يتسولون ويدّعون أنهم سوريون هم في الحقيقة مصريون، ويعرف بينهم من يترددون على المكان منذ سنوات طويلة، وعادة ما يشترون منه فطورهم صباحاً.

 

وأضاف أن الأمر لا يعدو محاولة منهم للحصول على المال، واستدرار عطف الناس بتقليد اللهجة السورية، حتى أنه عندما سأل إحداهن عن سبب هذا الادعاء، ردت عليه "أكل العيش"، على حد قوله.

 

لكن التسول باسم السوريين في مصر لجذب التعاطف ليس حصراً على المتسولين المصريين فحسب، بل إن أشخاصاً من جنسيّات أخرى، ممن يمتهنون التسول في مصر، لجؤوا إلى السلوك ذاته، وقد تم الكشف عن أكثر من واقعة مماثلة، من بينها الواقعة الشهيرة لعائلة أردنية في منطقة "العجوزة" والتي امتهن أفرادها التسول مدعين أنهم من عائلة سورية.

 

تعود الواقعة التي رواها المحامي السوري فراس حاج يحيي، إلى العام 2018، عندما انتشرت صور لأطفال، قيل إنهم سوريين، يتسولون في حي العجوزة الراقي رفقة والدهم، قبل أن يتبين من قبل الجهات الرسمية أن "الأطفال ليسوا سوريين، وإنما أردنيون يقيم والدهم ووالدتهم معهم في منطقة العجوزة، حيث يمتهن الأب التسول ويجبر أطفاله وزوجته عليه، مستعطفاً الناس بحجة أنه سوري."

 

لكن وجود الظاهرة "التسول باسم السوريين"، لا ينفي وجود سوريين يمتهنون التسول في مصر فعلاً، إنما العدد محدود وليس كما تُصوره وقائع انتشار الظاهرة.

 

وأكد رئيس رابطة الجالية السورية، راسم الأتاسي، وجود عديد من السوريين الذين لجؤوا للتسول في مصر، "وهم في الأساس كانوا من (الغجر) في سوريا، وانتقلوا ضمن من انتقل إلى مصر من سوريين بعد العام 2011 وامتهنوا التسول في المناطق الحيوية (مراكز التسوق والمساجد الكبرى والميادين الرئيسية ودور السينما وغير ذلك)".

 

وأضاف أن "الجهود التكافلية من قبل الجالية السورية" تمكنت من السيطرة على جانب كبير جداً من تلك "الظاهرة" وتحجيمها بشكل ما، لحفظ كرامة وصورة السوري في مصر، على حد تعبيره.

 

في السياق ذاته، أشار الأتاسي، إلى أنه مع الجهود المبذولة لإثناء هؤلاء عن امتهان التسول ودفعهم للعمل في مشاريع مختلفة، إلا أنه لا تزال هنالك فئة محدودة تعمل بالتسول الآن، وتتمسك بذلك، لكن لدى مقارنتها بالنسب التي كانت عليها فيما مضى في الأعوام 2012 و2013 وحتى 2014، "نرى أن العدد صار أقل بنحو 90 %."