الانتخابات الفلسطينية: إجماعٌ على ضرورتها.. واختلافٌ على شروطها
رام الله ـ NPA
خلافاً للضجيج الذي اعترى رجال السياسة في حركتي "فتح" و"حماس" وباقي الأحزاب عقب إعلان رئيس السلطة الفلسطينية في كلمته بالجمعية العامة للأمم المتحدة قبل أيامٍ عن نيته إصدار مرسومٍ لإجراء الانتخابات العامة.. بدا المواطن العادي إمّا صامتاً أو غير مكترثٍ؛ لإدراكه إمّا عدم الجدية بإجراء الانتخابات التي طال انتظارها أو أنّ المُعيقات لا تزال قائمةً.
ويبدو أنّ اختيار عباس الحديث عن الانتخابات من على منصة الجمعية العامة للأمم المتحدة له دلالاته؛ فكان بمثابة محاولةٍ منه لتحاشي انتقاداتٍ عالميةٍ له وللنظام السياسي لعدم فعل ما يجب لتجديد الشرعيّات الفلسطينية، عبر القول "إنّه يفعل ذلك ولكن حماس تُعيق الانتخابات، والدليل أنّه سيصدر مرسوماً رئاسياً في وقتٍ لاحقٍ يحدّد فيه موعد الانتخابات".
هدف الانتخابات
بيدَ أنّ قيادياً مقرباً من الرئاسة الفلسطينية قال لـ"نورث برس" إنّ الهدف من قرار الانتخابات المرتقب، هو ترتيب الوضع الداخلي عبر حوار ستجريه "فتح" مع "حماس" بغية تحويل "المعركة نحو الاحتلال الإسرائيلي" بخصوص القدس والقضايا الوطنية الأخرى، ومروراً بنسف مبرّر إسرائيل وأطراف دولية القائم على أنّ "الانقسام هو الذي يمنع الحلول السياسية للقضية الفلسطينية".
ويوضّح هذا القيادي أنّ هناك اجتماعاتٌ ونقاشاتٌ وطنيةٌ ستستبق إصدار مرسومٍ رئاسيٍ خاصٍ بإجراء الانتخابات، مبيّنا أنّ المرسوم الرئاسي سيحتاج إلى ترتيباتٍ وحواراتٍ مسبقة، وأنّه لهذه الغاية سيجري رئيس لجنة الانتخابات المركزية حنا ناصر زيارةً إلى غزة خلال الأيام القادمة، للاستماع إلى وجهة نظر "حماس" وما في جعبتها.
ويقول المصدر المحسوب على السلطة إنّه "في حال عرقلت حماس الانتخابات ستكون بذلك متساوقةً ومتقاطعةً في مصالحها مع الاحتلال"؛ منتقداً ربط حماس موافقتها على الانتخابات بمبادرة ثمانية فصائل تم إعلانها مؤخراً. واعتبر القيادي في السلطة هذه المبادرة الفصائلية بأنّها ليست مستقلةً وأنّها "ورقة حماس بامتياز" وتعكس رؤيتها وخضعت بنودها لمصادقتها، على حدِّ قوله.
حراكٌ واجتماعاتٌ
وكي تؤكّد "فتح" جديتها بالانتخابات، فقد أعلن رئيس الوزراء وعضو مركزية "فتح" محمد شتية أنّ حكومته "جاهزةٌ لتنفيذ قرار الانتخابات حال صدوره من قبل الرئيس".
كما وتحدّث نائب رئيس حركة "فتح" محمود العالول عن سلسلة اجتماعاتٍ "مهمة" طيلة هذه الأيام من أجل بحث موضوع إجراء الانتخابات. واجتمعت مركزية "فتح"، الثلاثاء، لهذه الغاية، إضافةً لاجتماعٍ عقدته اللجنة التنفيذية لمنظمة "التحرير" مع كل الفصائل.
ويجتمع محمود عباس مع لجنة الانتخابات المركزية؛ من أجل وضع الأفكار والإعداد للذهاب باتجاه هذا الخيار، وفق ما أكّده العالول، والذي قال إنّ طرح مسألة الانتخابات ليس جديداً، وأنّ عباس طرحها عدة مراتٍ سابقاً.
الحقيقة، لا يُعرف ما إذا كانت إثارة مسألة الانتخابات في هذا التوقيت، مجرد "تسجيل للمواقف" لصالح كل طرف على الآخر من الأحزاب الفلسطينية المتنازعة.. خصوصاً وأنّ حديث عباس عن مرسوم الانتخابات المرتقب بعد الإعلان عن الفصائل الثمانية بغزة عن رؤيتها للخروج من عنق الزجاجة والمأزق الداخلي.
فحماس عبّرت عن قبولها للرؤية الفصائلية سالفة الذكر، "رغم تحفظاتها" على عدة أمور- كما يقول القيادي في الحركة باسم نعيم لـ"نورث برس"، مشيراً إلى أنّ "فتح" لم تقدم "رداً واضحاً ورسمياً" إزاء المبادرة، سوى ذلك التصريح الذي صدر عن عضو مركزية "فتح" عزام الأحمد، حيث اعتبر فيه المبادرة الفصائلية بأنّها تهدف لتخريب الوساطة المصرية وأنّها تمثل ورقةً قدمتها "حماس" نفسها للمصريين قبل نحو شهرين.
ويُستشف من لهجة المناكفة بين "فتح" و"حماس"، أنّ عامل الثقة معدومٌ بين الطرفين، وأنّ الحديث عن الانتخابات سيجدّد ويعاظم هذه اللهجة التصعيدية وتبادل الاتهامات في الفترة القادمة.
ولعلّ السؤال الأكبر هو: هل إصدار مرسومٍ رئاسيٍ يحدّد موعد الانتخابات، بالترافق مع زيارة لجنة الانتخابات لغزة، وإجراء حواراتٍ ونقاشاتٍ بهذا الشأن، هو كافٍ لإجراء الانتخابات؟.
حماس وضمانات
يعلق القيادي في حماس باسم نعيم على حديث عباس في الأمم المتحدة، حول نيته إصدار مرسومٍ رئاسيٍ لإجراء الانتخابات، قائلاً "أيُّ مُنصفٍ سيرى بالإعلان عن الانتخابات خطوة إيجابية وتحركاً بالاتجاه الصحيح، ولكن التجربة المريرة والطويلة مع رئاسة السلطة تجعلنا نتوقف وننتظر حتى نرى الأفعال.. فنحن في حماس أكدنا مراتٍ عديدةً أنّه في حال لم نستطع الوصول لإنهاء الانقسام عبر طاولة الحوار فلنذهب للانتخابات ونترك للشعب الفلسطيني كي يقرر من سيقوده".
ويربط باسم نعيم في حديثه ل"نورث برس" قبول حماس بالانتخابات، بموافقة "فتح" على مبادرة الفصائل لإنهاء الانقسام التي أُعلنت مؤخراً، مشيراً إلى "حماس" وافقت عليها دون شروطٍ بالرغم من تحفظاتها، بينما لم تعطِ "فتح" رداً عليها، بل كانت الردود سلبيةً ومتقطعةً.. وقال نعيم "إنّ حماس تقرأ حديث عباس عن الانتخابات في سياق تصريحات قيادات الحركة السلبية"، على حدّ تعبيره.
نعيم شروطاً لقبول "حماس" بالانتخابات؛ أبرزها أن تكون الانتخابات شاملةً أيضاً للرئاسة والمؤسسات الوطنية والبلديات وليس فقط برلمانية.. وأمّا الشرط الآخر، فهو أن تتوفر ضماناتٌ وطنيةٌ فيما يتعلق بحرية العملية الانتخابية واحترام نتائجها ووضعها بالسياق السياسي الوطني، ودون ذلك فإنّ "الانتخابات ستكون مأزقاً جديداً يكرّس ما هو قائمٌ حالياً"، وفق قوله.
وضرب نعيم مثالاً يعزّز مخاوف الحركة من انتخابات لا ينطبق عليها الشروط سالفة الذكر، ألا وهي انتخابات جامعة الأزهر بغزة، حيث "تقدّم لها ممثلون عن تيارين في فتح، وعندما لم يعترف عباس بنتائج الانتخابات دخلت الجامعة بمأزقٍ وحدثت مناوشاتٌ وضربٌ وأُغلقت الجامعة"، بحسب رواية باسم نعيم.
عملية "عرجاء" و"ناقصة"!
وأضاف نعيم أنّ "حماس" مع انتخاباتٍ يتم فيها تجديد الدماء بكل الأجسام الرسمية، ويقرّر فيها الشعب من يقوده، ومن دون ضماناتٍ لهذه الانتخابات وشموليتها للرئاسة والتشريعي وباقي المؤسسات، فستصبح الانتخابات "عملية عرجاء وناقصة"، على حدّ وصفه.
ثم يتساءل نعيم: "كيف يتم ضمان الانتخابات، بينما قيادات حماس في الضفة لا تستطيع التفوهٍ بكلمةٍ واحدةٍ ضدّ السلطة أو تكتب رأيها على الفيسبوك؟".
ورداً على ما تقوله "فتح" من أنّ الانتخابات ستكون متدحرجةً، بحيث تبدأ ب"التشريعي" ثم "الرئاسة" بعد فترةٍ قصيرةٍ، قال نعيم "هذا كلام غير مقبول"، معرباً عن مخاوفه من تكرار سيناريو حلّ "التشريعي المنتخب" بقرارٍ من رئيس السلطة محمود عباس كما حدث قبل أشهر حينما تم حلٌ للتشريعي الذي أفرزته انتخابات عام 2006.
وتساءل نعيم: "ما الضمان ألّا يتم حلّ المجلس "التشريعي" الذي تفرزه أية انتخاباتٍ قادمة في حال لم تعجب النتائج حركة "فتح" ورئيسها محود عباس؟".
ولهذا.. يطالب باسم نعيم بضماناتٍ للانتخابات سواء على مستوى تقني بحيث تكون لقاءاتٍ مع لجنة الانتخابات للتأكد من إجرائها بالقدس وغزة والضفة بحرية ونزاهة وشفافية.
وأمّا المستوى الثاني للضمانات، فيتمثل بـ"ميثاق شرف وطني" يتعاهد الجميع وفقه على إجراء العملية الانتخابية بشكلٍ شفافٍ ونزيهٍ ومروراً باحترام نتائجها.. فإذا "كانت نتائج مبنيّةً على عدم احترام الانتخابات ستتكرر المأساة".
"فيتو" تعطيل الانتخابات
من جانبه، قال القيادي في حركة "فتح" نبيل عمرو لـ"نورث برس" إنّ قرار عباس بإجراء الانتخابات جاء متأخراً ولكن "أن تأتي متأخرةً خير من أن لا تأتي أبداً"، مبيّناً أنّ الانتخابات وحدها الكفيلة بإخراج الوضع الفلسطيني من المأزق القائم.
واعتبر عمرو أنّ الافتراض برفضٍ مسبقٍ من أي طرفٍ سياسيٍ للانتخابات، يعني إعطاء الشرعية لأي حركةٍ وفصيلٍ فلسطينيٍ بامتلاك "حق الفيتو" لتعطيل الحياة الديمقراطية وهذا لم يحدث بأيّ مكانٍ في العالم. وطالب عمرو كافة الفصائل بتقليل شروطها بشأن الانتخابات حتى لا تتسبب بالحيلولة دون إجرائها.