القاهرة- NPA
لم تمر اجتماعات الدورة الـ/ 74/ للجمعية العامة للأمم المتحدة، مرور الكرام على ملف العلاقات المصرية-التركية المتوترة في السنوات الأخيرة؛ إذ بادر الرئيس التركي رجب طيب إردوغان بكيل اتهامات للسلطات المصرية في واقعة وفاة الرئيس الأسبق محمد مرسي، وهو ما دفع مصر للرد بكتاب خاص قدّمته الخارجية للأمم المتحدة أمس الأربعاء، فنَّدت فيه الادّعاءات التركية، وهاجمت فيه أيضاً الأوضاع الداخلية في أنقرة.
بدأ السجال بتصريحات إردوغان التي قال فيها: "بينما كان مرسي يصارع الموت في قاعة المحكمة لمدة /25/ دقيقة، لم تطلب الإدارة المصرية الظالمة ولا قضائها، الطبيب ولا أي شيء آخر، وانتظروا موته"، وهو ما وصفته الخارجية المصرية في كتابها الموجه للأمم المتحدة بـ "الادّعاءات الباطلة والواهية، التي تظهر حقداً دفيناً وضغينة تجاه مصر".
أوضاع متدهورة
واعتبرت مصر ما وصفته بـ"ادّعاءات الرئيس التركي" بأنها "لا تعدو كونها محاولة يائسة منه لصرف النظر عن تدهور وضع نظامه، والخسائر المُتتالية التي يُعانيها سواء على المستوى الحِزبي أو على الساحة الداخلية التركية والساحة الدولية". وسرد كتاب الخارجية ستة إجراءات تركية تُدين النظام التركي، أولها "وجود ما يزيد عن /75/ ألف مُعتقلاً سياسياً في تركيا بين مدنيين وعسكريين، وهو ما يُبرر التوسع الكبير الذي يقوم به النظام الحاكم في تركيا في إنشاء عشرات السجون الجديدة مؤخراً"، وفق الكتاب.
فضلاً عن وقوع عشرات حالات وفاة بين المسجونين نتيجة ظروف مشبوهة أو تحت التعذيب أو بسبب المرض جراء الأوضاع السيئة داخل السجون التركية. إضافة إلى فصل أكثر من /130/ ألف موظفاً تعسفياً من وظائفهم الحكومية. ومُصادرة أكثر من /3000/ جامعة ومدرسة ومؤسسة تعليمية مع فصل آلاف الأكاديميين. وحبس وسجن المئات من الصحفيين والعاملين بالمجال الإعلامي، حيث أصبحت تركيا أكثر دول العالم سجناً للصحفيين والإعلاميين وفقاً للعديد من التقارير الدولية. وفرار عشرات الآلاف من المواطنين الأتراك إلى الخارج نتيجة الحملات القمعية في البلاد.
وتضمن الكتاب المصري وصفاً لأردوغان بـ"صاحب الفكر المتطرف، وداعم الإرهابيين"، وأنه "يستخدم الإرهاب في محاولة لتحقيق أغراضه وأحلامه الزائفة في التوسع وبسط النفوذ والسيطرة خارج حدوده".
التراشق المصري التركي في الأمم المتحدة، يأتي اتصالاً بالعلاقات المتوترة بين البلدين منذ أحداث 30 حزيران/يونيو 2013 والإطاحة بالرئيس الأسبق محمد مرسي في 3 تموز /يوليو من العام ذاته.
انتقادات سياسية
وإلى ذلك، شنّ برلمانيون وسياسيون مصريون هجوماً حاداً على تركيا، واستند عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، حافظ أبو سعدة، إلى تقرير "ستوكهولم" الذي قال إنه أماط اللثام عن ما سمّاه بـ "دعم تركيا للتنظيمات الإرهابية التي تصل إلى أوروبا"، لافتاً إلى أن الرئيس التركي يدعم الإرهاب في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بصورة مباشرة وواضحة.
وعلى نفس خط كتاب الخارجية المصرية للرد على تصريحات أردوغان، قال أبو سعدة، إن النظام التركي يرتكب عدة انتهاكات، لاسيما ما يرتكبه بحق الكرد، إضافة إلى ضرب أنقرة بقرارات الشرعية الدولية عرض الحائط، والاتفاقات والمواثيق الدولية، وذلك بدعمها لـ "الإرهاب".
وتنظر النائبة البرلمانية المصرية فايقة فهمي، إلى الدور التركي باعتباره "محاولات للسيطرة على الإقليم العربي" وقالت إن "مصر أفشلت ذلك المخطط التركي" ومن ثمّ "هذا مكمن العداء بين النظام التركي ومصر في الوقت الحالي، بخاصة أن تركيا كانت تدعم الإخوان المسلمين، والإطاحة بالإخوان في مصر ومواجهة المخططات التركية، أشعل العداء التركي لمصر".
وشددت، في بيان، على أن "تركيا تقف وراء العديد من العمليات الإرهابية -وهو ثابت في اعترافات عدد من المتهمين في قضايا مختلفة قالوا إن الدعم يأتيهم من تركيا- فيما تتواصل المحاولات التركية للتغطية عن الانتهاكات الداخلية، عبر الهجوم على مصر".
أفق مغلقة
لكنّ أستاذ علوم سياسية بارز بالقاهر ة -رفض ذكر اسمه في ضوء توتر الأوضاع الداخلية في مصر- يعتقد بأن الأفق مغلقة لتحسن العلاقات بين القاهرة وأنقرة، في ضوء "اشتراطات مستحيلة" لدى كل من الطرفين لعودة العلاقات إلى طبيعتها، على اعتبار أن الخلاف أساساً هو خلاف على "النظام" فتركيا ترى أن النظام المصري الحالي جاء بالانقلاب على رئيس شرعي، وبالتالي لا تترك فرصة إلا وهاجمت النظام المصري. وفي المقابل فإن النظام المصري ووسائل الإعلام المصرية يرون تركيا دولة داعمة للإرهاب، على اعتبار أنها تحتضن عناصر وقيادات بتنظيم الإخوان المسلمين، وتنطلق منها قنوات إخوانية، وأنها راعية الإرهاب والشر في المنطقة برمتها، وهذا ما يعمق الأزمة بين الجانبين، بوصفها ليست خلافات على أمور بعينها، لكنها خلافات على الجوهر والأساس، لن تتغير إلا بتغير أمن النظامين أو سياساته.
وشدد، في تصريحات لـ "نورث برس" من القاهرة، على أنه على المديين القصير والمتوسط لا توجد مؤشرات على عود العلاقات بين البلدين إلى طبيعتها، وهذا التصعيد المتبادل إنما يكشف عمق الأزمة بين الجانبين، لافتاً إلى أنه في فترة من الفترات كانت هناك "رسائل تركيّة إيجابية، مرنة بعض الشيء، حول التعامل مع النظام المصري، لكنها لم تلق نفس الاستجابة من السلطات المصرية (..) ففي حين أعلن رئيس وزراء تركيا السابق بن على يلدريم، عن ترحيب بلاده بالتعاون مع مصر في شتى المجالات مع استمرار تسجيل الموقف السياسي الرافض لما وصفه بالانقلاب، فإن مصر اشترطت اعتراف تركيا بشرعية السلطات المصرية للتعاون مع أنقرة".