“هي وهنَّ” مسرحيةٌ لبنانيةٌ تحكي اضطهاد القانون للمرأة على خشبة مسرحٍ بدمشق
دمشق – أحمد كنعان – NPA
مع بداية الحرب في سوريا انحسرت المسرحيات العربية والعالمية الزائرة إلى دمشق، إلّا أنّ الممثلة اللبنانية مروة قرعوني شكّلت استثناءً من هذا الانحسار، فعلى الرغم من خطر قذائف الهاون المحدق بشوارع العاصمة دمشق سنة 2016 حضرت وقدّمت مونودراما "تفل قهوة" من إخراج هشام زين الدين.
وعادت مرة أخرى لتقدم أيضاً مونودراما تحمل اسم "هي وهنَّ" نص وإخراج مشهور مصطفى، والتي اُختتمت عروضها يوم الخميس الماضي على مسرح القباني وكانت هموم المرأة المضطهدة قاسماً مشتركاً بين المسرحيتين.
حكاياتهنّ
يحكي العرض حكايات المرأة كلها من الاضطهاد إلى التعنيف والاستغلال الجسدي من زاوية القانون المتخلّف الذي يسلبها حقوقاً كثيرةً من حق الحضانة إلى حق طلب الطلاق، وذلك من خلال شخصياتٍ نسائية تستحضرهّن مروة وتتقمصهنّ وتروي حكاياتهن المختلفة بالتفاصيل والمتشابهة من حيث التعرض للظلم والاجحاف ولا تنأ "هي وهنَّ" بنفسها عن ملامسة الخطر والدخول في مساحاتٍ شائكةٍ حين تُرجِع المسرحية القوانين المتخلفة إلى جذرها الديني.
دمشق بوصلتي
قالت الممثلة قرعوني في حديثها لـ "نورث برس" عن سبب اختيارها دمشق لتقديم عروضها " دمشق هي البوصلة الأولى، وهي أوّل مكان أفكر فيه لتقديم عروضي بعد بيروت" وأضافت "هنا أجد جديّةً واهتماماً وجمهوراً مختلفاً، هذا ناهيك عن المحبة والاحتفاء والتسهيلات الكبيرة من الجهات المعنيّة".
سقوط الانثى من الوجدان
كانت مروة وحيدةً على الخشبة في "تفل قهوة" وها هي مرة أخرى تختار هذا الشكل الفني لتقديم "هي وهنَّ" وعما إذا كان هذا خيارها أم أنّه طبيعة العرض تطلبت ذلك قالت "يجب أن أوضح أني أنتج عروضي بنفسي، وهذه مسألةٌ مُكلفةٌ للغاية في لبنان وهذا العرض كان إنتاجه شراكة مع المخرج مشهور مصطفى، لذلك نحن بحثنا عن أقل كلفة ممكنة، كما أن وجود المرأة وحيدةً في هذا العرض يعكس بشكلٍ مؤسفٍ تخلي الجميع عنها".
وعن هموم المرأة كقاسم مشترك في عروضها قالت "المشكلة الأكبر أنّ القوانين متخلّفةٌ جداً وتدعم حرمان المرأة من أبسط الحقوق كالحضانة والطلاق، وقد وجد العرض صدى كبيراً في أوساط الجمعيات اللبنانية المهتمة بشؤون الدفاع عن حقوق المرأة وقد باشروا تواصلهم معي لعلّنا نستطيع أن نغيّر وجه القانون القبيح".
بعد غيابٍ طويل
رأى بعض النقاد أنّ العرض يحمل هماً اجتماعياً تنويرياً إضافة إلى الهم الفني بتقديم الجديد والممتع وعن ذلك قال المخرج مشهور مصطفى "الفنُّ لا يغير مجتمعات ولكنه هامش للتعبير وهو دليلٌ يشير بوضوح للحقيقة، وهو ضرورة لأنه يكشف وجهاً جديداً للحياة، ولكن العمل الثقافي غير فاعلٍ بشكلٍ مباشر، وقد يكون له تأثير تراكمي غير مباشر عبر التأثير في الوعي الجماعي".
كان مصطفى قد قدّم عرض "أسود عا أبيض" في ثمانينيات القرن الماضي، وأثار وقتذاك جدلاً واسعاً عند عرضه في مهرجان دمشق المسرحي ثم غاب عن الساحة، ولكنه يوضّح بقوله "أنا لم أغب، كان آخر عروضي في باريس 1999، ولكني كنت مُقلاًّ فعلاً نتيجة عوامل كثيرة فهناك انشغالات أخرى إضافة إلى اليأس من الحالة العامة، إذ لم يكن لدي هاجس أن أُنتج مسرحاً بشكلٍ متواصلٍ، ولكني ها قد عدت وهذا هو الأهم".
نقد بنّاء
الناقد الفني نضال قوشحة قال لـ"نورث برس" إنّ "العرض عميقٌ ورشيقٌ وقدّم مادةً غنيةً بطريقة شفافة والسينوغرافيا المكوّنة من قبة حديدية التي لا تخلو من الإشارة إلى قباب أخرى، وهي تشبه السجن بحال من الأحوال، وقد دارت هذه القبة كي لا تستثني أي احتمال من احتمالات الحياة جميعها، وإن كنت أرى أنّ الانتقال بين الحالات المختلفة يحتاج إلى جسور أقوى ودراسة أعمق، وكنت أتمنى أن تكون كمية المباشرة بالطرح أقل".
أما المخرجة سهير برهوم مديرة المسرح القومي فقد رأت أنّ العرض إضافةً إلى موضوعه المعاصر كان غنياً برموزه وحالاته وأنّ مروة قرعوني كانت جديرةً وملفتةً وقالت "استخدمت الممثلة أكثر من /18/ طبقة صوت ومثّلت أربع شخصياتٍ وكانت مطواعة الجسد، حاضرة مسرحياً ومتمكنة بوضوحٍ شديد وسلسة وعلى دراية بطبيعة المهمة الصعبة التي تتصدى لها".
الجدير ذكره أنّ العرض ارتكز على أغنيةٍ كانت بمثابة مفتاحٍ للانتقال بين الحالات غناها خالد العبدالله ونفذ السينوغرافيا المعقدة كل من المهندس أحمد تقي ومصطفى برجاوي وعلي محمد جمول.