عراقيل تواجه العملية التعليمية بشمالي سوريا بعد عقد من اعتماد مناهجها
القامشلي – نورث برس
بعد اندلاع الحرب السورية منذ 13 عاماً، شهدت مناطق الإدارة الذاتية شمال شرقي البلاد تغييراً جذرياً بمناهج التعليم بعد اعتمادها مناهج خاصة بها في المدارس منذ العام 2015-2016.
على الرغم من قلة الإمكانيات والكوادر في بداية تعميم مناهجها، تمكنت الإدارة الذاتية فيما بعد من تأسيس مؤسسة خاصة لإعداد المناهج الدراسية.
تعمل هذه المؤسسة وفق المشرفين عليها باستمرار على تطوير المناهج وإثرائها بشكل دوري لتوازي المناهج العالمية. ومع ذلك، لا تخلو العملية من الصعوبات، ومن أبرزها مسألة الاعتراف الرسمي بمناهج الإدارة الذاتية.
كما يرى كتاب ومهتمون أنه بعد عشر سنوات مضت من العملية التعليمية شمال شرقي سوريا، لا تزال هنالك عراقيل تعترض سير العملية التعليمية.
آلية المناهج
ضمن مؤسسة المناهج في شمال وشرق سوريا، يقضي عشرات من المعلمين والمختصين ساعات طويلة للعمل على إعداد وتطوير مناهج التعليم التي يتم تدريسها في مناطق الإدارة الذاتية.
مؤسسة المناهج تتألف من 42 عضواً، إلى جانب 30 مدرساً ومختصاً من خارج المؤسسة، جميعهم يشرفون على إعداد مناهج المدارس في مناطق الإدارة الذاتية للمراحل الابتدائية والإعدادية والثانوية، وذلك باللغات الكردية والعربية والسريانية.
يؤكد مشرفو مؤسسة المناهج في شمال شرق سوريا أنهم يعتمدون على معايير متقدمة تواكب التطور التربوي الذي يشهده العالم.
ويقول هفند إبراهيم، الرئيس المشارك لمؤسسة المناهج، لنورث برس، إن “المعايير التي نستند عليها في مناهجنا هي معايير عالمية تربوية وعلمية وهي التي يتم الاعتماد عليها في العالم أجمع.
ويضيف أن النقطة الرئيسية هي أننا نحاول أن نتجنب في مناهجنا عن التدريس التقليدي الذي يقتصر على شرح المعلم والطلاب يستمعون ويحفظون فقط، ونركز على مشاركة الطالب عبر الاسئلة والأجوبة، عبر اعتماد طريقة “العصف الذهني”.
ويشير إلى أنهم يركزون أيضاً على إغناء الكتب بالأمثلة وزيادة التجارب مثل الفيزياء والكيمياء والعلوم ونبتعد عن المعلومات الزائدة ونركز على المعلومات اللازمة فقط، بالإضافة إلى أن تكون اللغة في الكتب سهلة ومفيدة وغير معقدة بهدف إيصال المعلومة للطالب بأريحية.”
“صعوبات وعراقيل”
من جهتها توضح، عدلة فرحو، المختصة في مجال الفلسفة في مؤسسة المناهج، لنورث برس، أنهم يواجهون “صعوبات وعراقيل تتركز على قلة المختصين والمصادر التي يجب الاعتماد عليها في اللغة الكردية”.
وتقول: “تعترضنا بعض الصعوبات كأعضاء ومؤسسة مثل قلة المختصين في بعض المجالات أو بعض الأقسام، وأيضاً ضعف الاتصال بين الأقاليم باعتبار المؤسسة لا تملك فروعاً خارج مدينة عامودا”.
أما من ناحية كتابة المناهج, ترى أنه “بسبب تطوير الانترنت, فإن جميع المصادر موجودة بين أيدينا باستثناء المصادر الكردية باعتبار أن المرحلة جديدة”، على حد وصفها.
وتشير إلى الصعوبة في تأمين المصطلحات “مثلاً بقسمي الفلسفة والجغرافيا، نلاقي صعوبات في العثور على مصطلحاتها بالكردية، طبعاً اللغة تقريباً كانت شبه مندثرة لذلك نحاول جمع الأشياء التي كانت موجودة ونبدأ من جديد.”
التعديلات اللازمة
يرى الكاتب الكردي والصحفي عباس موسى، “أن إقرار الإدارة الذاتية لمناهجها هو أهم الخطوات برأيي وبرأي الكثيرين من المهتمين, لكن هناك بعض المآخذ على المناهج ككل وأولها عدم إقرار التعديلات اللازمة على المناهج في وقت مناسب خاصة فيما يتعلق بمنهاج اللغة الكردية”.
ويشير إلى أن موضوع جعل اللغة الكردية لغة قياسية هي من أبرز الإشكاليات التي تواجه هذه المناهج، كما أنه لم يتم تجديد هذه المناهج منذ عام 2019 على ما اعتقد”.
مشدداً بأنه يجب على إدارة المناهج أن تجدد هذه المناهج بشكل مستمر كل سنة أو سنتين لتستطيع مواكبة هذه التغييرات والتعديلات اللازمة”.
كما ينوه بأن النقطة الأخرى التي تغفلها إدارة المناهج “أن عملية إقرار المناهج وبخاصة منهاج اللغة الكردية يجب أن تكون مترافقة مع عملية مجتمعية شاملة وأن يتم العمل مع الأهالي لقبول فكرة المناهج ككل”.
كما يرى الكاتب الكردي أن المصطلحات الواردة في المناهج لا تمارس في الحياة اليومية وهذا يدل على قصور الكادر التدريسي، حسب رأيه, قائلاً: “برأيي أن موضوع المناهج لكي تكون مناهج مجدية يجب أن تكون العملية متكاملة وأن يكون الكادر التدريسي متمكناً منها سواء في حياته اليومية أو غيرها”.
ويضيف: “لا نصادف طلبة خاصة في الثانوية والإعدادية يمارسون هذه اللغة في حياتهم اليومية مع أنها من المفترض أن تكون كلمات يومية وهذه إحدى جوانب التقصير المهمة التي ينبغي تداركها.”
خطط وتغييرات
تعمل مؤسسة المناهج على تطوير المناهج ووضع خطط مستقبلية. فقد قامت بتحديث المنهاج في عام 2020، بعد أربعة أعوام من الانتهاء من إعداد أول نسخة منه.
ويستشهد الرئيس المشارك لمؤسسة المناهج، هفند إبراهيم، بقدرتهم على إبراز هوية كل مكون من خلال مناهج الإدارة الذاتية. حيث تعتمد هذه المناهج على ثلاث لغات رئيسية وهي الكردية والعربية والسريانية.
وينوه إلى وجود خطط “في تغيير جميع الكتب وأن نركز في التغيرات على حاجة الطلاب مثل تصحيح المعلومات ووضع معلومات جديدة وإعادة ترتيب محتوى الكتب وتصحيحها، بالإضافة إلى ألوان وشكل الكتب لتكون أجمل ومريحة للعين ومن ناحية المحتوى أيضاً.”
وفي هذا الخصوص تقول، عدلة فرعو، المختصة في مجال الفلسفة في مؤسسة المناهج إن “المؤسسة على تواصل مع الأساليب والخطط الجديدة بهدف الابتعاد عن الكلاسيكية ووصول المعلومة بشكل بسيط ومفيد للطالب”.
وتؤكد على إضافة كل ما هو جديد للمناهج من خلال البحث والتمحيص والعمل والمثابرة، موضحة أنه “يتم تطوير المنهاج على ثلاث مراحل، نحن الآن في الخطوة الأولى والتي تشمل الصف الأول والرابع والسابع والعاشر”.
وفي العام القادم “سيتم تطوير الصف الثاني والخامس والثامن والحادي عشر، وفي العام الذي يليه نكمل ما تبقى، أي أنه على مدار ثلاث سنوات نقوم بتغيير وتطوير المنهاج للأفضل”، على حد قولها.
الاعتراف الرسمي
ثمة مسألة أخرى تواجه الإدارة الذاتية, هي غياب الاعتراف الرسمي بمناهجها التعليمية رغم التنوع الثقافي في مناهجها الذي يساهم في تمازج الثقافات المتعددة، إلا أن شريحة من سكان المنطقة لاتزال متخوفة على مستقبل أطفالها.
وعن مسألة الاعتراف الرسمي بهذه المناهج تقول عدلة فرحو إن الإدارة الذاتية تسعى جاهدة مع المنظمات الدولية والتربوية لنيل هذا الاعتراف.
وتضيف: “من الناحية الشخصية الإنسان هو الذي يجب أن يعترف حتى يكون متوافق مع نفسه يجب أن يعترف بالشيء الموجود في مجتمعه سواء كطلاب أو أولياء أمور أو المثقفين وغيرهم”.
وتربط مسألة الاعتراف بالأمور السياسية: “ونحن على تواصل مع المنظمات المرتبطة بالأمور التربوية في هذا الخصوص، لكننا نعلم أن المسألة هي سياسية.”
ويبلغ عدد الطلاب في مدارس الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا ما يقارب 900 ألف طالبة وطالب موزعون على نحو من 4100 مدرسة في كافة المناطق، بينما يبلغ عدد المعلمين في هذه المدارس 41 ألف معلمة ومعلم، بحسب إحصائية أصدرتها هيئة التربية والتعليم في شمال وشرق سوريا مع بداية العام الدراسي الجديد.