انتفاضة الشعب السوري في ذكراها الثالثة عشر

منذ تشكيل الكيان السوري بحدوده المعروفة اليوم في بداية عشرينات القرن الماضي لم يشهد حدثا هزه في العمق، وفرض عليه وقائع جديدة، مثل انتفاضة السوريين في شهر آذار من عام 2011. من هذه الوقائع حصول حرب مدمرة شملت الجغرافيا السورية بكاملها، شارك فيها جميع السوريين بأشكال مختلفة، تسببت بوفاة مئات الألاف من السوريين، وتشريد الملايين منهم سواء في خارج حدود البلد أم في داخله، وتمزيق وحدة الشعب وتفعيل هوياته الفرعية، وتدمير الاقتصاد، وفي المحصلة انهيار الدولة بما هي وحدة الشعب والجغرافيا والسلطة.

 الكيان السوري اليوم موزع إلى ثلاث مناطق إدارية تحكمها سلطات محلية، يخضع كل منها لنفوذ دول أجنبية، يضاف إليها منطقة الجولان التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967. وإذا كان السؤال الرئيس والجوهري الذي يطرح اليوم هو كيف يمكن توحيد الدولة السورية، وتحريرها من محتليها، وإعادة اعمارها، وتحسين مستوى حياة سكانها، فإن جواب هذا السؤال لم يعد يقتصر على السوريين أنفسهم بل تعداهم إلى الدول المتدخلة في الشؤون السورية، والتي لها مصالحها الخاصة التي يصعب التوليف بينها.

ومن نافل القول ان المسؤول الأول عما حل بسوريا، هو النظام الاستبدادي، لكن حكم القيمة هذا لم يعد يجدي نفعا في السياسة. فالنظام الذي شكل على الدوام سبباً رئيساً للأزمة السورية ولاستمرارها هو اليوم عنصر مهم في حلها لا يمكن تجاوزه. إن الإقرار بذلك تمليه العقلانية السياسة، فهو ليس فقط يسيطر على أغلب الجغرافيا السورية، حيث يعيش القسم الأكبر من السوريين، وحيث توجد المدن الكبرى، بل بات يحظى بانفتاح الدول العربية، وكثير من دول العالم الأخرى عليه. بصورة عامة يمكن رصد المتغيرات الآتية المتعلقة بالأزمة السورية في بداية عامها الرابع عشر:

1-فيما يخص الحل السياسي عبر مسار جنيف يمكن القول إنه قد وضع في الثلاجة ينتظر دفنه نهائياً. السبب الرئيس في ذلك يعود إلى أن النظام لم يؤمن يوماً بحل سياسي يفرض عليه، أو يغير بصورة جذرية وشاملة من الهندسة السياسية لنظامه. وإذ نرجح احتمال أن يوافق على إدخال بعض التغييرات في دستوره القائم قبيل موعد الانتخابات الرئاسية القادمة، فذلك لكي يسمح بترشحه لعهدتين دستوريتين تاليتين. وفي مجمل الأحوال سواء ترشح هو، وهذا احتمال نرجحه، أو ترشحت زوجته أو ابنه أو أي مسؤول آخر في نظامه فهذا لن يتم عبر تعديلات دستورية يتم التوافق عليها عبر اللجنة الدستورية، بل عبر مجلس الشعب في نظامه.

2- فيما يخص مسار أستانا الذي تمت العودة إليه بعد أن كانت قد انهته الدولة المضيفة بحجة أن الأطراف المشاركة فيه تجري إتصالات ثنائية فيما بينها، ولذلك فهي ليست بحاجة إلى ميسّر، فقد تغيرت القضايا التي يعالجها بحيث صارت تركز على تطبيع العلاقات السورية – التركية، بالضد مما يسمونه بالقوى “الانفصالية” في سوريا، وهم يعنون مشروع الإدارة الذاتية في شمال شرق سوريا.

3- وبخصوص العلاقات السورية – التركية فلا تزال تراوح مكانها إذ إن الخلاف بين مواقف النظام الذي يركز على انسحاب القوات التركية من سوريا، وبين المطالب التركية المتعلقة بإنشاء منطقة أمنية بعمق ثلاثين إلى أربعين كيلو متر في الأراضي السورية لا يزال كبيراً.

اللافت في المواقف التركية المستجدة بعض عملية “طوفان الأقصى” هو تشددها تجاه المصالحة مع النظام، بعد أن كانت تستجدي لقاء مسؤوليه قبيل انتخابات الرئاسة التركية. بحسب بعض المتابعين للشؤون التركية لا يعدو أن يكون هذا التشدد التركي المستجد مظهراً إعلامياً فقط يخفي تحته ما يجري فعلياً من تواصل المباحثات السورية التركية على المستوى الأمني. غير أن إلغاء زيارة الرئيس الروسي لتركيا، وتصريح وزير الخارجية الروسي على هامش اللقاء الدبلوماسي الذي عقد في أنطاليا التركية مؤخراً والذي يفيد باستحالة (صعوبة) تسوية الخلافات التركية السورية بعد “طوفان الأقصى”، وكذلك ما صرحت به الناطقة باسم وزارة الخارجية الروسية، بتاريخ التاسع من الشهر الجاري، بما يشبه الإنذار لتركيا حول تماديها في دعم أوكرانيا بالسلاح ضد روسيا، يقول غير ذلك.

4-شهد العام المنصرم تغيرات مهمة في المحيط العربي تجاه الأزمة السورية كانت في مجملها لمصلحة النظام السوري. لقد عاد النظام لشغل مقعد سوريا في الجامعة العربية، وطبّعت أغلب الدول العربية علاقاتها معه. وفي سياق زخم عملية التطبيع هذه تم طرح ما سمي بالمبادرة العربية لتسوية الأزمة السورية التي عرفت بمبادرة ” الخطوة – خطوة”. ومع أن النظام قد استجاب لهذه المبادرة في بدايات طرحها، على أمل ان يتلقى دعماً اقتصادياً مجزياً من الدول العربية، وخاصة الخليجية منها. غير أن أصحاب المبادرة كانوا قد ضمّنوها مسائل سياسية تتعلق بعمل اللجنة الدستورية، وضرورة استجابة النظام لإجراء تغييرات في بنيته، وأخرى تتعلق بالمعتقلين لديه، وثالثة تتعلق بإغلاق صنبور عائدات المخدرات، ولذلك فهو لم يطبقها.

5- فيما يخص المعارضة السورية فقد شهدت تغيرات مهمة خلال العام المنصرم من عمر الأزمة السورية صبّت جميعها في مصلحة النظام السوري أيضاً. وباستثناء المعارضة في شمال شرق سوريا، فإن المعارضة اليوم مجرد ظاهرة صوتية، تخلّت عنها أغلب الدول العربية التي كانت تختضنها، وحتى تركيا لم تعد تركز على استثماراتها السياسية فيها بل على المصالحة مع النظام السوري، وهي تضغط على المتواجدين منها في تركيا لمغادرة أراضيها.

6- بالنسبة للوضع الكارثي للشعب السوري فلا تزال الأزمة تطحنه، على مختلف الصعد، في جميع مناطق البلاد، وعلى ما يبدو ليس من أفق قريب لعودة المهجّرين والنازحين السوريين إلى مواطنهم الأصلية، ولا لتخفيف ما يعانون منه سواء في دول الجوار الإقليمي التي لجأوا إليها أم في الداخل السوري. وفي هذا السياق تتسارع عملية هجرة العقول السورية، وكذلك رؤوس الأموال، مما يؤدي إلى استنزاف أهم رافعتين لإنعاش الاقتصاد. وفي الخلاصة الوضع السوري ذاهب إلى مزيد من الاستنقاع، إذ لا حل للأزمة السورية يلوح في الأفق.