سامي.. إعاقته غيرت حياته وصار مترجماً للكتب إلى اللغة الكردية

نالين علي ـ القامشلي

لم تثنه إعاقته عن طموحه وحلمه، بل زادته إصراراً على الجد والمتابعة، فحقق الشاب سامي، جزءاً كبيراً من حلمه متأقلماً مع وضعه الصحي.

سامي فتاح (34 عاما) من مواليد مدينة القامشلي شمال شرقي سوريا, نزح مع عائلته بعمر الـ 7 سنوات إلى العاصمة دمشق وبالتحديد منطقة الزبداني بريف دمشق, أكمل هناك دراسة المرحلتين الأساسية والإعدادية.

وبسبب ظروف عائلية ترك “فتاح” دراسته في المرحلة الثانوية, وبعدها بعامين تعرض لحادثة سقوطه في المسبح, لتحول تلك الحادثة في بدايتها، حياته، وتقلبها رأساً على عقب،  لتصير فيما بعد نقطة تغيير جذري له نحو تحقيق الطموح.

أصيب الشاب إثر سقوطه في مسبح, بشلل في أصابع اليد والطرفين السفلين, نتيجة ارتطام رأسه بقاع حوض السباحة, وكسر الفقرة الرقبية السابعة.

يصف الشاب الثلاثيني، تلك الحادثة بأنها أحدث تحولاً في حياته التي كانت مليئة بالأحلام إلى شاب عاجز, لا يمكنه فعل شيء.

دور الأصدقاء

“البداية كانت صعبة جداً بالنسبة لي وعانيت بشدة قرابة عام. في الحقيقة لا يمكن وصف تلك المرحلة سوى بعالم آخر” يقول “فتاح” لنورث برس.

وفي مرحلة الشعور المحبط والعاجز، بدأ دور الأصدقاء، الذين تمكنوا من تشجيع الشاب على إكمال دراسته والتغلب على إصابته.

“منذ طفولتي أطمح أن أكون عالم نفس، أو أن أختص في مجال الطب النفسي”، هذا كان حلم “فتاح”.

وتجاوب الشاب مع أصدقاءه، وبعد عام من الحادثة، قدم الشهادة الثانوية وحصل عليها بدرجة امتياز، وسجل في كلية التربية فرع علم النفس في جامعة دمشق.

“درست عامين وبعدها ترفعت للسنة الثالثة، وحينها كانت بداية الأحداث السورية، والمنطقة التي أدرس فيها تعرضت للدمار والحرب, ما أجبرني على ترك دراستي والعودة مع عائلتي لمدينة القامشلي مرة أخرى”.

يقول الثلاثيني: “الوضع بمدينة القامشلي كان مختلفاً وصعباً على عكس دمشق التي كانت تشهد حرباً ودماراً, أما القامشلي كانت تعاني من وضع اقتصادي ومعيشي صعب جد حينها”.

كان “فتاح”، يواجه حينها، معاناة مضاعفة مع إصابته خاصة في تأمين الأدوية في القامشلي، “حسيت بوقتها كل شيء عملتو ودرستو واشتغلتو قبل راح هيك, وبدأت من نقطة  الصفر هنا مرة أخرى”.

مواجهة التحديات

وبقي الشاب قرابة العام في المنزل، “تلك الفترة كانت من أصعب السنين في حياتي”، لكن “أنا من الأشخاص الذين لا يستسلمون, وحاولت إكمال ما بدأت به”.

بالرغم من كل شيء, لم يترك “فتاح” القراءة, كان يشتري الكتب على الرغم من انعدام الكهرباء حينها  بالمدينة, وكان ينتظر مجيئ الكهرباء ليتمكن من شحن اللابتوب والموبايل لتحميل المحاضرات عن طريق الإنترنت.

وفي أحد مراكز تعليم اللغات في القامشلي، أخذ الشاب دورة محادثة في اللغة الإنكليزية على مدار عام ونصف، “تمكنت من إنهاء خمس مراحل للمحادثة، إلى جانب تعلم كل شيء في متناول يدي وملء وقتي بتعلم وكسب مهارات ومعارف جديدة”.

وبعد الانتهاء من دورات المحادثة الإنكليزية, حينها كانت بداية تأسيس جامعة روج افا التابعة للإدارة الذاتية, “سجلت من ضمنها فرع اللغة والأدب الكردي, ودرست على مدار عامين متواصلين وبشكل مكثف, وتخرجت منها بتفوق”.

حينذاك تأسس معهد الترجمة من الإنكليزية للكردية, “وبما أن لغتي الكردية قوية جداً دخلت للمعهد, لخوض تجربة على مدار عامين لترجمة الكتب من الإنكليزية للكردية”.

وخلال هذه الأعوام ترجم الشاب كتابان من اللغة العربية إلى الكردية, وهما في الوقت الحالي قيد الطباعة, وبالإضافة لترجمة كتاب من اللغة العربية للكردية لمؤسسة التربية التابعة للإدارة الذاتية للمعهد الصناعي.

وبعدها بحوالي شهر ونصف وعن طريق الصدفة، تعرف “فتاح” على جامعة أمريكية Unıversıty of The Peoeple , “كنت من محبي دراسة إدارة الأعمال لأهداف وغاية مستقبلية, وسجلت ضمن الجامعة”.

كان هنالك 40 مادة في مجال إدارة الأعمال, “تمكنت من إنهاء خمسة مواد، ولا أزال أكمل دراستي ضمنها, وهي جامعة تتبع مبدأ التعليم عن بعد (أون لاين)”.

إلى جانب كل هذا, فالشاب عضو في مؤسسة اللغة الكردية, ومترجم ضمن منظمة بيل بالقامشلي، وحاليا قيد العمل حول ترجمة كتاب من اللهجة (البادينية إلى الكرمانجية), بالإضافة إلى كتاب فلسفة العلوم الاجتماعية إذ ترجمه من اللغة الإنكليزية إلى الكردية.

“لكن رغم كل ما قمت به خلال سنوات حياتي, يبقى هناك شيء يراودني ولم أتخلَّ عنه أبداً, وهو دراسة علم النفس”.

ويضيف: “كل شخص منا لديه إعاقة سواء جسدياً أو فكرياً أو عقلياً, وبالنسبة لي كشخص مقعد وذو إعاقة, لم يسبب لي هذا أي مشكلة أو عجز بل على العكس، إعاقتي كانت سبباً لوصولي لهذه النقطة التي أنا فيها الآن”.

تحرير: تيسير محمد