قراءة في رحلة الأسد إلى الإمارات.. ماذا تغيّر بعد عام على الزيارة الأولى؟

غرفة الأخبار- نورث برس

على خلاف الزيارة التي أجراها الرئيس السوري بشار الأسد إلى الإمارات، في مثل هذه الأيام من العام الفائت، حظيت زيارته أمس الأحد، بمراسيم رئاسية حملت في طياتها أعلى مستوى من العلاقات ويمكن إعلانها كتطبيع كامل، فيما يبقى للاستثمار والاقتصاد تأثير على الشأن السياسي في البلد المنهك والمدمر بسبب حرب مستمرة منذ 12 عاماً وزلزال مدمر ضرب البلاد الشهر الفائت.

وجرت مراسم استقبال رسمية للرئيس الأسد لدى وصوله إلى قصر رئيس الدولة الخليجية، حيث صعد مع نظيره محمد بن زايد، إلى منصة الشرف وعزف النشيدان وأطلقت المدفعية 21 طلقة، وفق البروتوكول المعمول به.

وشدد رئيس الدولة الإماراتي خلال اللقاء مع الأسد، إن “غياب سوريا عن أشقائها قد طال وحان الوقت إلى عودتها إليهم وإلى محيطها العربي”.

لكن الملفت أن مثل هذه المراسيم غابت عن الزيارة الأولى للأسد إلى الإمارات في 18 آذار/ مارس 2022، أي قبل عام كامل من الزيارة الأخيرة التي جرت أمس.

وتم التعامل مع الأسد في الزيارة الأولى، كمسؤول بلد من الدرجة الثانية وليس كرئيس، إذ افتقرت لحرس شرف أو استقبال، رغم أنها كانت الإشارة الأبرز إلى عودة العلاقات بين أبو ظبي ودمشق.

واُستقبل الأسد وقتها بصفته رئيس دولة شبه معزول، من قبل وزير بإمارة دبي ثم أمير دبي ومن ثم الشيخ زايد رئيس دولة الإمارات، هذا ما عدا ظهوره جالساً على كرسي مصفوف إلى جانب باقي الكراسي بصالة الاستقبال عند اللقاء آنذاك.

ماذا تغيّر؟

 خلال فارق عامٍ بين الزيارة الأولى والثانية، أخذت العلاقات الإقليمية – السورية منحاً آخر، أثرت عليه الحرب في أوكرانيا وأزمة الطاقة وكذلك المواجهة بين الصين والولايات المتحدة والمنافسة على النفوذ في الشرق الأوسط.

بدايةً، ظهرت في العلاقات العربية السورية خلال خلال العامين الأخيرين انفراجة. وأعادت دول عربية العلاقات بمستويات متفاوتة، كالإمارات ومصر والبحرين والأردن والعراق، تخللتها زيارات واتصالات علنية مع دمشق.

كل ذلك جاء بعد أن شهدت سوريا نزاعاً دامياً على مدار 12 عاماً، تسبّب بمقتل نحو نصف مليون شخص، ودمار هائل بالبنى التحتية والقطاعات المنتجة، وأدى إلى نزوح وتشريد ملايين السكان داخل البلاد وخارجها، كما أنه سمح بصعود تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”.

لكن العلاقات تطورت بشكل ملحوظ بعد كارثة الزلزال، ولم يختلف المراقبون في أنه (الزلزال وتعبياته الكارثية والانسانية) أثر على مسار التطبيع الحكومة السورية.

هذه الزيارة جاءت في وقتٍ لا خلاف فيه مع السعودية التي كانت في السابق تدعم المعارضة، بينما ترحب اليوم إلى جانب مصر بإعادة سوريا إلى ما تصفه بالحاضنة العربية.

كما أنها قامت على أنقاض الجليد الذي تحاول أنقرة كسره بينها وبين دمشق بوساطة موسكو وأبو ظبي.

وكان من المقرر أن تشهد روسيا الأسبوع الفائت اجتماعاً رباعياً في إطار التطبيع بين أنقرة ودمشق، لكن يبدو إنها اصطدمت بتصريح قاسٍ من الأسد على هامش تواجده في موسكو، إذ قال “لا لقاء مع أردوغان قبل خروج قواته من شمالي البلاد وكفه عن دعم الإرهابيين”.

ويستند موقفه على دعم روسيا والتي غالباً ما تريد وضع تركيا في مأزق مع الدول الغربية وهي أصلاً تشكك بمواقف حليفتها أنقرة المتذبذبة إزاء دول مع حلف الناتو وأخرى على وشك الانضمام.

ومن الواضح أن روسيا تتحرك إلى جانب الصين في مناطق الشرق الأوسط بمنافسة مع الولايات المتحدة وحلفائها، فتحاول تقريب نقاط المصالح وخاصة الاقتصادية منها في ظل الضغوطات الغربية المفروضة عليهما.

وجدير بالذكر أن زيارة الأسد إلى الإمارات جرت بعد سلسلة لقاءات بين المسؤولين الإماراتيين والروسيين خلال عام مضى، في خضم الحرب التي تشنها موسكو على كييف، ووسط تملّص خليجي متمثلاً بمنظمة “أوبك بلس” الشريك مع روسيا، من ضغوطات أميركية تطالب بزيادة ضخ النفط في السوق العالمية.

الاتفاقية الإيرانية السعودية

سوريا من أبزر الدول إلى جانب اليمن والعراق ولبنان التي تتأثر بالاتفاقية الأخيرة بين إيران الداعم الأبرز لدمشق والسعودية التي تلوّح إلى اقتراب موعد فتح قنوات الاتصال مع دمشق.

وحتى قبل دخولها في صفقة بوساطة صينية مع إيران،  قال وزير الخارجية السعودي بن فرحان، إن عزل سوريا “لا يجدي” وأن الحوار مع دمشق “ضروري”، مشيراً إلى إمكانية عودة دمشق إلى جامعة الدول العربية.

أما دمشق فاعتبرت الخطوة السعودية الإيرانية مسلكاً نحو “تعزيز الأمن والاستقرار في المنطقة وتعاوناً سينعكس إيجابياً على المصالح المشتركة”.

وهذا ما لمّح إليه وزير الخارجية الروسي حين اجتمع مع نظيره السوري فيصل المقداد في موسكو الأسبوع الفائت، وقال إن “المتغيرات الجارية في الشرق الأوسط بما في ذلك عودة العلاقات السعودية ـ الإيرانية ستخلق ظروفاً لتسوية سياسية في سوريا”.

ومعظم الدول العربية التي أعادت علاقاتها مع سوريا، جاءت بعد انعدام فرص إسقاط الحكومة عسكرياً في ظل الدعم الروسي والإيراني، بينما تبددت اليوم مخاوف تلك الدول بالفعل من الدخول في صراع مع الدولتين الداعمتين.

بالمقابل، ورغم استثناء المجال الإنساني من العقوبات ودعمها لمشاريع الإغاثة ما بعد الزلزال، لازالت الولايات المتحدة ودول غربية أوروبية تتخذ نهج الرفض القاطع للتطبيع مع دمشق.

الاستثمار بعد الحرب

أن يرافق وزير الاقتصاد والتجارة السوري سامر الخليل، بشار الأسد إلى الإمارات، له دلالة اقتصادية توازي الشأن السياسي.

عاجلاً أم آجلاً، سيحين مرحلة إعادة بناء سوريا بعد حل أزمتها سياسياً، فيبدأ السباق إلى الاستثمار باعتبارها (سوريا) ستكون ساحة مثالية لذلك ما بعد الحروب والكارثة التي شهدتها.

وتترقب دول مستثمرة هذه الخطوة، وقد تستعد الإمارات لدخولها بصفتها إحدى أكبر الدول ذات الامتياز في مجال الاستثمار، الأمر الذي يدفع أبو ظبي إلى التمهيد لذلك.

وتحتاج سوريا بشدة إلى تعزيز العلاقات مع الدول الغنية بالنفط حيث يتعرض اقتصادها للاختناق وليرتها للانهيار.

واستقطبت الإمارات رؤوس أموال سورية ومشاريعهم خلال فترة الحرب.

وبشهادة وزير اقتصادها، عبدالله بن طوق المري، لدى لقاء نظيره السوري سامر خليل في تشرين الأول/أكتوبر 2021،  تعد الإمارات من أهم الشركاء التجاريين لسوريا على المستوى العالمي وتحتل المرتبة الأولى عربياً والثالثة عالمياً.

 وتستحوذ الإمارات على ما يتجاوز نسبته %14 من تجارة سوريا الخارجية.

ورغم أن الحديث عن إعادة الإعمار سابق لأوانه من دون إطراء تغييرات سياسية في دمشق، إلا أنه عادةً ما ترتب الدول استعدادت الدخول طالما تعلم أن للحرب نهاية.

إعداد وتحرير: هوزان زبير