حقوقي وناشط إعلامي من رأس العين: لم يبقَ لي في بلادي سوى ذكريات الطفولة وقبور إخوتي
القامشلي – أفين شيخموس – نورث برس
تختلف القصص في تفاصيلها وتتشابه في جوهرها، لترسم صورة دقيقة لحد كبير، حول ما تركه الهجومان التركيان على مدينة رأس العين / سري كانيه، واللذان يفصل بينهما نحو /7/ سنوات عاشت خلالها المدينة وريفها استقراراً نسبياً.
فـ"في الاحتلال الثاني لمدينة رأس العين / سري كانيه 2019 من قبل تركيا وفصائل المعارضة التابعة لها، تم تشريد سكان المدينة وارتكاب مئات الجرائم والانتهاكات، والاستيلاء على منازل المدنيين". هكذا يروي الناشط محي الدين عيسو.
من ضمن المنازل المنهوبة والمستولى عليها، منزل عيسو المنحدر من مدينة رأس العين / سري كانيه، والذي يقول لـ"نورث برس" إنه "لم يعد باستطاعة أمي حتى قطع المسافة بين باب منزلها وقبور أبنائها، لتبقى تلك القبور رهائن بيد المحتلين".
ويضيف عيسو متحسّراً: "بعد أن تشردّت عائلتي في كل من قبور رأس العين، وتركيا وكردستان العراق وألمانيا والسويد، لم يبقَ لي في سوريا أيُّ شيء سوى ذكريات الطفولة وقبور إخوتي".
محي الدين عيسو، الصحفي والناشط في مجال حقوق الإنسان من رأس العين / سري كانيه، عمل في الإعلام كعضو مجلس أمناء لجان الدفاع عن الحريات الديمقراطية وحقوق الإنسان منذ عام 2003.
ينحدر من مدينة رأس العين / سري كانيه، وعمل في مراكز معارضة منها المركز السوري للإعلام وحرية التعبير ومركز توثيق الانتهاكات في دمشق حتى عام 2012، فيما لفت في حديثه لـ"نورث برس" إلى أنه كان مجرداً من جنسيته السورية "كغيري من أبناء الشعب الكردي الذين راحوا ضحية إحصاء عام 1962 وجُرِّدوا من الجنسية السورية".
منزل عيسو في رأس العين / سري كانيه، جرت مداهمته في العام 2012، على خلفية تأسيس "رابطة الصحفيين السوريين" إلى جانب منزله في العاصمة السورية، دمشق، ليجبر على الهجرة إلى إقليم كردستان العراق.
يذكر عيسو الأحداث في نهاية العام 2012، هجوم فصائل المعارضة المدعومة من تركيا من ضمنها "جبهة النصرة" على مدينة رأس العين / سري كانيه، و"قامت باحتلال المدينة وتهجير سكانها والبالغ عددهم حوالي /50/ ألف، لتهجر عائلتي بعدها إلى تركيا"، على حد قوله.
الفصائل –وفقاً لعيسو- "احتلت منزله لأكثر من أربعة أشهر، نتيجة عمله الإعلامي وظهوره على الفضائيات العربية وفضح انتهاكاتهم، فيما لم تتمكن عائلته من العودة من تركيا خلال فترة تواجد تلك الفصائل فيها".
عائلته تفرقت بين تركيا وإقليم كردستان العراق، فيما قصد عيسو أوروبا، ليمر بتركيا وبسجون بلغاريا وصربيا وهنغاريا والنمسا بسبب الهجرة غير الشرعية، لحين وصوله إلى ألمانيا التي تعرَّض فيها لمرض عضال ويتعرض لعلاج بالجرعات الكيماوية.
يؤكد عيسو التحاق عائلته به، بناءً على خطابات وجهت إلى وزارة الخارجية الألمانية، من منظمة مراسلون بلا حدود ومنظمات حقوقية أخرى، فيما فقد شقيقيه في إقليم كردستان العراق وجرى نقلهم لدفنهم في مسقط رأسهم بمدينة رأس العين/سري كانيه.
يختم عيسو قائلاً: "أمي التي لا تجيد العربية ولن تقرأ هذه الكلمات، ما زالت لا تعلم شيئاً عن مرضي، أمي التي حبست دموعها عند رؤيتي قالت لي: الحياة بالنسبة لي هي المسافة التي تفصل بين باب منزلي في رأس العين وقبور أبنائي".
يذكر أنه إثرَ العملية العسكرية التي قامت بها تركيا مع فصائل المعارضة المسلحة التابعة لها، في الـ9 من تشرين الأول / أكتوبر، تهجّر آلاف المدنيين من مناطقهم، ولا سيما المناطق الحدودية كرأس العين / سري كانيه وتل أبيض / كري سبي، بحثاً عن أماكن قد تكون ملاذاً لهم.