كيف ودع رواد التكية السليمانية بدمشق مكانهم المريح؟

دمشق ـ نورث برس

“هذه آخر صورة لي في التكية السليمانية، ولا أستطيع أن أبتسم، أودعها بصمت دون القدرة على التعليق”، بهذه الكلمات تحدثت الصحفية، زينب محمد (40 عاماً)، وهو اسم مستعار، وهي متأثرة على مكانها المفضل الذي كانت تتنفس فيه مجاناً برؤية شيوخ الكار، والحياة المختلفة عن ضجيج العالم على حد تعبيرها.

بينما يقول محمد أنوار (33 عاماً) وهو طبيب قلبية، لنورث برس، “عندما كنت أريد أن أريح قلبي من ضجيج قلوب الناس، أطرق باب التكية السليمانية عند الظهر كي أخذ كأس قهوة مع العم نوفل الذي تعرفت عليه خلال زياراتي المتكررة منذ قدومي لدمشق منذ 15 عاماً”.

ويضيف: “أحفظ من العم نوفل، دروس التاريخ، استمتع بحديثه اليومي عن المكان الذي يربطه به دكان صغير للشرقيات ورثه عن جد أبيه”.

ولم يخطر يوماً على بال الطبيب أن يحصل على رقم جوال “العم نوفل” صاحب محل الشرقيات، إيماناً منه أنه سيراه دائماً في التكية ودون أي موعد.

ولكن حلول الأرض لديهم الآن انتهت، بحسب “أنور”، “وضاقت عينهم على التكية السليمانية”، في إشارة مخفية إلى السلطة السورية المتمثلة بمشروع “أبهة” التابع للسيدة الأولى أسماء الأسد، رغم أن المحلات التي شغلها المشروع في التكية هي أول المحلات التي أخلت المكان، وهذا حسب تعبير الطبيب الثلاثيني.

وقبل شهرين تقريباً أو أكثر، تلقى شاغلوها من الحرفيين إنذاراً بإخلائها من قبل وزارة السياحة السورية، بحيث أعطت الوزارة مهلة لا تزيد على شهرين حتى يقوم الحرفيون بتسليم محالهم التي يشغلونها منذ عام 1972 بصيغة عقود إيجار تحولت فيما بعد إلى عقود استثمار سياحية.

أمر إنهاء هذه العقود جاء فورياً، ومن لن يوقع من الحرفيين الـ41 على إنهاء عقده وتسليم محله، يتعرض لإلقاء بضاعته في الشارع، ويتم ختم محله بالشمع الأحمر.

ماتت التكية!

اختلفت طرق وداع التكية السليمانية بين روادها، فهل سيمحو الترميم كل الذكريات التي كتبت على الجدران والحيطان؟.

ويتساءل الطبيب: “أين سيجلس ذاك الشاب الذي كان يتسلى مع الأفاعي الأليفة، على درج التكية السليمانية مجاناً، وأين ستجد السيدة هدى علي (50 عاماً) شالاً، (غطاء ثقيلاً لرأسها مطرز بتقاليد الشام)، وأين سيعزف الموسيقيون المتمردون الذين لا يحبون باب توما وباب شرقي؟ المكان الذي تنفس الشباب والشابات ما بقي من حريتهم الفكرية فيه أغلق أبوابه عنوةً”.

التكية السليمانية التي تعتبر آخر معلم واضح بني في زمن “الاحتلال العثماني” للبلاد، والذي بني عام 1554م، على أنقاض قصر الظاهر بيبرس، أتى اسمها تكية من كونها كانت مكاناً لإيواء عابري السبيل كي يشربوا ويأكلوا، وخصوصاً التجار من رحلهم القادمة من المغرب العربي عموماً، والمشرق العربي خصوصاً.

استوطن بها الحرفيون لقدم المكان ودلالته التاريخية، كان فيها صاحب أقدم محل فضة في المكان “هايك الأرمني”، والكثير من أصحاب محال الشرقيات والقطع التراثية النادرة التي لا تراها إلا في هذا المكان.

المكان يتبع لوزارة الأوقاف ومستثمر بأجور زهيدة من قبل وزارة السياحة، وضعت خطة إخلائه عام 2005، حسب مصدر في وزارة السياحة السورية التابعة للحكومة السورية، بسبب وجود تصدعات في الأسقف التي هي معرضة للانهيار في أي لحظة، وعند أي ثلجة قوية.

وقال بعضهم فضلوا عدم البوح بأسمائهم لنورث برس: “لقينا من يدفعلنا ويستثمر المكان، من فوق من فوق إجا التوجيه”.

وأضافوا: “وزارة السياحة سلمت المكان لوزارة الأوقاف، وكان الاستثمار قديم والأجور زهيدة لا تناسب المكان، وما بعد الانتهاء من ترميم المكان ستعرض المحال للاستثمارات من جديد، ولكن لمن يستطيع أن يدفع أجوراً تناسب الوقت الحالي”.

بينما أشار مصدر آخر، لنورث برس، رفض ذكر اسمه، أن “المكان كله سيعود لمشروع أبها التابع لأسماء الأسد”.

وقال مصدر من وزارة السياحة، لنورث برس، أن الحرفيين ممن رغبوا طبعاً تم نقلهم إلى حاضنة دمر للفنون الثقافة والحرفية الموجودة في دمر البلد بدمشق، وهي حاضنة تحتوي على 50 حرفياً، ومستثمرة من قبل وزارة الصناعة، وسينقل إليها 40 حرفي فقط من التكية السليمانية.

بينما اعترض الكثير من الأشخاص على المكان، لأنه يبعد حوالي 15 كم عن دمشق، ولا يتمتع بتفاصيل وحرية المكان وفضاء التكية السليمانية.

وترى نور أحمد (33 عاماً) اسم مستعار لصحفية، أن هذه النقلة هي “طمس حقيقي للتراث والتاريخ، وسيطرة من قبل مشروع أبها على تفاصيل التراث كون الأمانة السورية اهتمت بالتراث ولديها مشاريع متعلقة به بدأت منذ عامين”.

إعداد: دهب المحمد ـ تحرير: قيس العبدالله