من الهناء إلى العناء.. شهادة عائلةٍ عربيةٍ نازحةٍ من رأس العين نهبت المعارضة ممتلكاتها وتركتها لمآسي النزوح

الحسكة – جيندار عبدالقادر / أفين شيخموس – NPA

 

"قاموا بالتهجم على منزلنا الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، لمَ التهجم على النساء؟ والاستيلاء على منزلي وسيارتي، ألّا يستحي هؤلاء؟، ماذا تبقى لنا؟!" كلماتٌ سبقها بكاءٌ بحرقة قلب ديالا العشرينية والتي فقدت كل ما اعتادت أن تملكه.

بعد سيطرة فصائل المعارضة المسلّحة التابعة لتركيا على منطقتي رأس العين / سري كانيه، وتل أبيض/ كري سبي في شمال شرقي سوريا، تتكرر قصص المعاناة والنزوح، ولا يخلو يومٌ من مأساة ضحيتها إنسانٌ، تُكتب قصته مع نزوحٍ أو اختطافٍ أو قتلٍ أو نهبٍ، وغيرها من الانتهاكات والأوجاع التي لا تنتهي.

تسرد الشابة ديالا حسين العبيد (20 عاماً) معاناتها مع عائلتها بعد الهجوم على مدينة  رأس العين / سري كانيه وريفها.

ديالا تحدّثت عن كيفية تهجّم فصائل المعارضة المسلّحة التابعة لتركيا عليهم، بعد منتصف إحدى ليالي، وقيامهم بالعديد من الانتهاكات بحقهم وحق ممتلكاتهم.

 

نزوحٌ وافتقارٌ للمقوّمات…

نزحت ديالا مع والدتها وأختها التي تحتاج لرعايةٍ خاصةٍ إلى مدينة الحسكة، وانقطعت بهم السُبل ليستقروا في إحدى غرف مدرسة (ابن الأثير) في حي الغزل.

مدرسة (ابن الأثير) في حي الغزل، تفتقر لأبسط مقوّمات الحياة من فرش وأغطية تقيهم برد ليالي النزوح، فضلاً عن نقص المواد الغذائية المقدَّمة لهم، بعكس العديد من المدارس التي تكون فيها الخدمات بدرجةٍ جيدةٍ.

وجرى تخصيص المدرسة للنازحين القادمين من مدينة رأس العين والقرى المحيطة منذ /15/ يوماً، إذ يتواجد فيها أكثر من /300/ شخص من رجالٍ ونساءٍ وأطفالٍ بينهم /3/ من ذوي الاحتياجات الخاصة، ينتمون لـ/90/ عائلةً.

هذا العدد من النازحين لم يحصلوا على مساعداتٍ، ولم تقم أيّ منظمةٌ دوليةٌ بمساعدتهم، فقط يقومون بزيارتها وتسجيل اللوازم دون جدوى على حدّ قول النازحين الملتجئين إلى المدرسة.

مراسلو "نورث برس" زاروا المدرسة، واستطلعوا وضع الخدمات فيها، إذ لم يجرِ تزويد المدرسة بخزانات مياهٍ تكفي العدد الموجود في المدرسة، حيث لا يوجد سوى /6/ خزانات أيضاً، والحمامات غير مجهّزة ولا يتوفر أي نوعٍ من المنظفات.

 

سرقة وقتل وتهجم

تتابع ديالا حديثها "لم يكن لدينا أي اعتراض على قيامهم بإجراءاتهم الأمنية، لكنهم تهجّموا على النساء الساعة الواحدة بعد منتصف الليل، وضربوا أخي وكسروا يده، رغم أنّه لا يوجد لدينا مقاتلين أو عناصر مطلوبة لفصائل المعارضة المسلّحة".

وتردف قائلةً: "جميع الذين شاهدتهم كانوا عرباً في صفوف المعارضة، غالبيتهم يتحدّثون بلهجات سكان حلب ودير الزور".

وتتساءل ديالا بنبرةٍ متصاعدةٍ "يقومون بقتل العرب، لماذا؟ من أجل الاتراك؟ ماذا منحكم الأتراك مقابل ذلك؟ لقد شرّدوا ملايين الأهالي وشرّدونا"، وتتابع "الله يخرب بيوتكم.. أخذوا منزلي وسيارتي، ماذا تبقى لنا؟".

ووصفت الفتاة النازحة ما شهدته في المدينة: "خرجنا بعد منتصف الليل أنا وعائلتي، نتيجة منع مسلّحي الفصائل خروج الأهالي، لقد شاهدت بعيني حالات السرقة والقتل، واعتقال المدنيين".

كذلك لفتت إلى أنّهم: "يسمحون بالدخول ولكن الخروج ممنوعٌ، ويستخدمون الأهالي دروعاً بشرية".

 

كل الأبواب مغلقةٌ

ديالا التي تخلَّى والدها عنهم, تركت خلفها منزلها وسيارتها وممتلكاتها ووظيفتها، لتعاني وضعاً جديداً مأساوياً مع أختها التوأم كريستين، من ذوي الاحتياجات الخاصة.

تنوّه لحالة شقيقتها التي تتعرض لاختلاج وتحتاج لأدوية عبر القول: "أجواء المدرسة سيئة للغاية، وأختي لا تتحمل البرد وتحتاج لعنايةٍ خاصةٍ ومراقبةٍ".

فيما تنتقد عمل المنظمات بالقول: "ليس هناك تقديمٌ للأدوية وغيرها من الاحتياجات الضرورية، طالبنا أكثر من مرةٍ ووعدونا، لكنهم لم يجلبوا لنا أيّ شيء".

وتتابع "هربنا من الحرب وتركنا كل شيء خلفنا، وليس لدينا المال لنشتري أيّ شيء، كما تأتي المنظمات لكنها لا تجلب الحليب أو الحفاضات أو الأدوية الضرورية والأغطية"، مشيرةً إلى استعدادها للعمل، مستدركةً بالقول:  "ليس هناك أيّ عمل".

 

من الهناء إلى العناء

حليمة خلف العبيد، والدة ديالا، والبالغة من العمر /45/ عاماً، أم لــ /4/ أولاد، شابٌ وفتاتين وطفلٌ، تتحدّث لـ"نورث برس"  متحسرةً على ما كان عليه وضع مدينتهم رأس العين قبل الهجوم التركي.

وتردف قائلةً: "كنا نعيش حياة هنيئةً في منازلنا ومدينتنا، قبل أن يقوموا بنهب منزلنا والاستيلاء على ممتلكاتنا، والآن لا نملك أغطيةً وفرشاً لننام عليها".

وأعادت والدة ديالا تأكيد ما جرى من أحداثٍ في مدينتهم، قائلة: "احتلوا جميع المنازل، حتى ألبسة النساء نثروها في الشوارع أثناء عمليات النهب والسرقة التي جرت".

ومن قصةٍ إلى أخرى، تبقى أوجاع مدينة رأس العين / سري كانيه، بعيدةً عن اهتمام المجتمع الدولي، الذي لا يزال صامتاً حيال كل ما يجري من انتهاكاتٍ من قبل فصائل المعارضة المسلّحة التابعة لتركيا، والقوات التركية التي شاركت ودعمت العملية براً وجواً.