الرقة – نورث برس
لا يخفى على أحد خطر عودة تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وإن تلاشى جغرافياً، لكن بالعودة لبداية التنظيم في سوريا وكيف تغلغل في هيئة تحرير الشام (جبهة النصرة) سابقاً، وتنامى على حسابها، وكذلك كيف انكسر بعد ذلك في الرقة نهاية 2013 أمام “النصرة” والفصائل المتشددة الأخرى، وعاد خلال أيام ليطردهم من الرقة ومناطق أخرى مثّلت سيطرته على نصف الجغرافية السورية تقريباً في الخامس من كانون الثاني/ يناير 2014، تظهر قدرة التنظيم على إعادة تشكيل نفسه بقوة.
واتبع التنظيم أساليب جديدة في إدارة نفسه، والتي اتخذ فيها اللامركزية والمباغتة، وتحديد أهداف تُحدث صدى كبيراً، مثل استهدافه لعناصر وقيادات وآليات لكل من قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، والقوات الحكومية.
وتتركز عمليات التنظيم في مناطق سيطرة القوتين، لعدة أسباب واعتبارات، فيتخذ من البادية السورية مركزاً للانطلاق بعملياته، وتسجيلاته هناك تُثبت ذلك، كما أنه يستهدف مناطق “قسد”، لوجود الحاضنة الشعبية وسجنائه في المنطقة، كذلك كانت مناطق سيطرة “قسد” الممول الرئيس للتنظيم، والمتمثل بحقول النفط، وإمداده بعناصر يخدمون أيدلوجيته.
ورغم العمليات الأمنية لـ “قسد” والتحالف الدولي التي تستهدف التنظيم وخلاياه، إلا أنه استطاع مهاجمة سجن الصناعة، وتتوالى المعلومات الاستخباراتية بنية التنظيم مهاجمة السجون ومخيم الهول.
قادر على التشكّل من جديد
يرى خالد سرحان، الحاصل على بكالوريوس في العلوم السياسية من جامعة دمشق، ومتابع للشأن السوري، أن تنظيم “داعش”، لم يعد يمتلك قدرات تكفي لتنفيذ عمليات نوعية تستهدف الأمن القومي أو الإقليمي لدول كالعراق وسوريا.
لكن التنظيم قادر على تنفيذ هجمات “إرهابية” محدودة كالتي شهدناها مطلع العام الجاري 2022 عندما قام عناصر التنظيم بتنفيذ هجوم كبير على سجن الصناعة في الحسكة شمال شرقي سوريا.
وكذلك التفجيرات التي استهدفت باصات المبيت العسكري التابعة للجيش السوري في محيط العاصمة المركزية دمشق بين الحين والآخر، وفقاً لقول “سرحان” لنورث برس.
ويضيف: “التنظيم انتهى كانتشار جغرافي فعلياً في سوريا والعراق، مع انتهاء معركة الباغوز شرقي دير الزور شرقي سوريا، عندما انتصرت قسد عليه بدعم من غرفة عمليات العزم الصلب التابعة للتحالف الدولي”.
وفي الثالث والعشرين من آذار/ مارس 2019، أعلنت قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، أنها ألحقت الهزيمة “النهائية” بتنظيم “داعش” في آخر جيب له في الباغوز شرقي سوريا، ما يعني انتهاء سيطرة “داعش” على أراضٍ في سوريا.
رغم ذلك، إلا أن “سرحان”، يقول إن التنظيم كأيدلوجيا سياسية “قادر على الانتشار والتوسّع، ليس في سوريا والعراق فحسب، بل في كل المجتمعات والدول التي يجد فيها بيئة خصبة ولديها تقبّل للأفكار الراديكالية الأصولية المتطرفة”.
الظهور بلبوس ومناطق مختلفة
ويشير، أن التنظيم قادر على التشكّل والتحول من جديد والظهور بلبوس وتسميات أخرى مختلفة في دول مختلفة، “طالما أن الاستخبارات الدولية ترى أن وجود مثل تلك الجماعات ضروري لتحقيق مصالحها السياسية والاقتصادية”، طبقاً لقوله.
وكشفت تقارير إعلامية، وجود عناصر لتنظيم “داعش” في صفوف فصائل المعارضة المسلحة التابعة لتركيا، لا سيما في فصيل “أحرار الشرقية”، وهيئة تحرير الشام.
وفي وقت سابق حذر المرصد السوري لحقوق الإنسان من انتساب عناصر “داعش” للفصائل المسلحة الموالية لتركيا، وقال إن هؤلاء عمدوا لتغيير أسمائهم.
وسبق أن استهدف التحالف الدولي زعماء تنظيم “داعش” في المناطق الخاضعة لسيطرة تركيا منهم أبو بكر البغدادي، وأبو إبراهيم الهاشمي القرشي وعبد الله قرداش واعتقال هاني الكردي صانع القنابل ومن قيادات الصف الأول.
وفي تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، استهدفت طائرة مسيرة تابعة للتحالف الدولي عمار اليحيى في بلدة حمام التركمان، وهو أحد عناصر “داعش”، كما استهدف مسيرة للتحالف الدولي قيادي في التنظيم يدعى بساع أحمد السوادي وهو يمني الجنسية.
ويرى مراقبون أن سبب تواجد عناصر وزعماء “داعش” في منطقة سيطرة الفصائل الموالية لتركيا، يعود للهشاشة الأمنية والتداخل في مناطق السيطرة وإمكانية التحرك لهؤلاء العناصر.
وبشكل كبير زاد نشاط التنظيم خلال الأشهر الماضي، حيث ظهر في درعا ويقاتل الفصائل المحلية، حيث قُتل زعيمه أبو الحسن الهاشمي القرشي، في المعارك، ليُعين خلفاً له أبو الحسين الحسيني القرشي.
الحرب النفسية للتأثير
كثف التنظيم من ظهوره إعلامياً مبايعاً الخليفة الجديد، محاولاً لم الشتات والتوحيد في ظل حالة التشرذم التي عاشها في الفترة بين قتل قرداش وأبو الحسن، وخلال المقاطع المرئية ظهرت قدرة التنظيم على إعادة تنظيم الصفوف، وتفعيل نشاطه في مناطق متفرقة من العالم حيث ظهر في سوريا وباكستان وأفريقيا، مدججاً بالأسلحة.
وحول ذلك يقول “سرحان”، إن سعي “داعش” لاستخدام وسائل الإعلام كأداة للتسويق في عملياته، إنما هو انطلاقاً من إدراكه لأهمية الحرب النفسية وانعكاساتها في التأثير على الرأي العام الإقليمي والدولي.
ويضيف: “الإعلام هي إحدى الوسائل الناعمة التي تستخدمها الجماعات الأصولية لتحقيق أجنداتها”.
وعن تركيز التنظيم في عملياته على استهداف “قسد” والقوات الحكومية، يعلق المتابع للشأن السوري، “ينبع من اعتبارات، منها الغالبية الساحقة من أسرى التنظيم الأحياء سواء من المقاتلين أو من ذويهم من النساء والأطفال هم في مناطق شمال شرقي سوريا”.
كما تُغري الموارد الطبيعية في شرق الفرات، وبالتحديد في دير الزور التنظيم، الذي يبحث عن تمويل نفسه، كما أن المنطقة شكّلت الانتشار الجغرافي التقليدي لـ”داعش” طوال فترة سيطرته على مناطق واسعة من سوريا والعراق بين عامي 2013 و2019، كما يرى “سرحان”.
وتمثل السجون ومخيم الهول أكبر تحد للإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، والتي تعتبر بمثابة القنبلة الموقوتة، خاصة في ظل التهديدات التركية بشن عملية برية في الشمال السوري، وظهر ذلك في التصعيد التركي الأخير، حيث علّقت “قسد” عملياتها ضد “داعش” لانشغالها برد الاعتداءات التركية.
وسبب القصف التركي حالة من الخوف والهلع من عودة نشاط التنظيم لا سيما بعد استهداف القوات التركية لسجون تحوي عناصر لـ”داعش”، ومركز الحماية في مخيم الهول، كما تزامن التصعيد التركي مع نشاط لخلايا التنظيم الذي استهدف عناصر وآليات لـ”قسد”.
وبحسب ما أحصت نورث برس، نفذ “داعش” 180 عملية في مناطق شمال شرقي سوريا منذ مطلع العام الجاري، استهدف في معظمها عناصر وآليات ونقاطاً لقوات سوريا الديمقراطية “قسد”.
ويشير “سرحان”، أن استهداف التحالف الدولي لقيادات التنظيم “ليس جوهرياً بالنسبة له، فالتنظيم ربما انتهى عسكرياً وجغرافياً لكنه لا زال قادراً على تأهيل وهيكلة نفسه من جديد، استناداً إلى الأيدلوجيا الراديكالية الأصولية المتطرفة التي يتبناها”.
ويضيف، أن التنظيم وإن تفكك عسكرياً وهُزم في رقعة جغرافية معينة في سوريا والعراق، “لكنه ما زال موجود في عقليات حاضنة شعبية في دول من شرق المتوسط وشمال أفريقيا، وأجزاء من شبه الجزيرة العربية”.
“داعش” صنيعة استخباراتية
قد يُعيد التنظيم إنتاج نفسه استناداً إلى الأيدلوجيا التي يتبناها، وكل هذا وذاك يستند إلى مصالح سياسية لدول كبرى أو إقليمية بعينها، وفق رأيه.
ويوافق أحمد الدرزي وهو كاتب سياسي رأي سابقه، ويرى، أن ظهور التنظيم من جديد في كل من البادية السورية وفي العراق، على أنه ما زال مستمراً ومتواجداً ليقود الصراع ضد من يعتبرهم “كفرة”، ويؤدي مهمته الأساسية التي أُوجد لأجلها، ومبايعته للخليفة الجديد، “يؤكد على أنه مستمر في عملياته، رغم كل ما تعرض له من ملاحقه وتدمير في كل من العراق وسوريا”.
وبحسب “الدرزي”، أن التنظيم يستغل حالة الصراع المستمرة في المنطقة، وحدَّ من خطورته حالة الشتات التي عاشها نتيجة غياب قادته الكبار الذين أسسوه ومجيء قادة جدد لا يعرف عنهم شيئاً أثروا في بنيته، ما جعله يعمل كمجموعات منفردة ومتباعدة لا سيطرة لها على الأرض.
ويضيف، أن هناك عوامل أخرى أثرت على التنظيم منها، فقدان موارد التمويل، ونقص التمويل الخارجي، ولا يستبعد أن تدعمه دول تستفيد من تحركاته ونشاطه من جديد.
وجود التنظيم مستمر
ويقول، إن “التنظيم كبنية فكرية غير قابل للحياة في ظل التطور الإنساني العام فهو منافي لمعنى الحياة”.
لكن هذا لا يعني انتهائه طالما أن هناك موارد بشريه وعقائدية ومادية، “تتيح له الاستمرار باستقطاب مجموعات جديدة من الشباب، الذين يتوهمون بأنهم يعملون على إعادة الخلافة الإسلامية”، بحسب “الدرزي”.
ويرى أن الأمر الآخر، هو أن هذا التنظيم “مرتبط بطبيعة الصراع الدولي، وعندما ينتهي دوره الاستخباراتي والأمني في كل المناطق بإنهاء الصراع أو إجراء تسوية سياسية ما، فإننا سنشهد انحسار هذا التنظيم بشكل سريع”.