فقر وفساد يحاصر سكان المناطق الخاضعة لسيطرة الدولة ويهدد لقمتهم
اللاذقية ـ نورث برس
روى أحد الإعلاميين من منطقة الساحل السوري، أنه كان يتحدث إلى شخص من المناطق الشرقية، وتحديداً من دير الزور عن الفقر الذي يعانيه سكان الساحل، وعن تأخر وصول الكهرباء إلى الكثير من القرى لنهاية القرن العشرين.
يضيف الإعلامي لنورث برس، أن الرجل لم يصدق ما قاله الإعلامي واعتقد أن ما يدفعه لهذا القول، هو واقع أبناء الساحل خلال سنوات الحرب وحجم العداء لهم كجغرافية تعد من الموالين “للنظام”.
ولكن في الحقيقة أن غياب الكثير من مصادر الدخل الزراعية والصناعية والسياحية جعل المجال الوحيد لأبناء تلك المنطقة هو في التوجه إلى الجيش، أو الحلم بالحصول على وظيفة “لا تسمن ولا تغني” كما قال الإعلامي الذي فضل عدم ذكر اسمه.
يقول محمد علي (35 عاماً) اسم مستعار لأحد شباب الساحل، الذي خاضوا هذه الحرب، لنورث برس، إن أكثر ما كان يفاجئه عند مداهمتهم لأي من منازل ريف دمشق هو “حجم الغني والرفاهية التي لا تخفي حالها”.
ويشير إلى أن قيمة الفرش الموجود في أي من البيوت سواء في داريا أو جوبر أو القابون..وغيرها من المناطق التي خاض المعارك فيها، تعادل كل ما يملكه هو وأفراد أسرته من أملاك، وكان دائماً ما يتساءل “إذا كان هذا حال هذه الناس، فماذا يجب على أبناء الساحل فعله؟!”.
لا زراعة ولا صناعة
يقول رئيس وحدة إرشادية سابق لنورث برس، إن الزراعة ليست في أفضل حالاتها في المناطق الساحلية، وذلك بسبب الحيازات الصغيرة من جهة وطبيعة المناخ الرطب من جهة ثانية، والتي تجعل الحمضيات هي المحصول الأنسب في تلك المنطقة، ولكن هذا المحصول ظل عبئاً على أصحابه بسبب مشاكل وصعوبات تسويقه، ومشاكل رعايته مؤخراً بسبب ارتفاع التكاليف.
ويمتاز الساحل بمقومات سياحية يمكنها أن تجعل المنطقة في حالة انتعاش اقتصادي، لكن كما لم يتح للصناعة أن تنتعش في المنطقة كذلك الحال مع السياحة، حيث نشطت الكثير من السلوكيات “التشبيحية” التي حالت دون إمكانية الاستثمار في المجالين كما يقول أحد أصحاب المشاريع الصناعية في المنطقة، الذي اضطر لترك مشروعه بسبب الضغط عليه لمحاصصته.
يضيف المصدر أن بلداً كلبنان يعيش على دخل السياحية تاريخياً، علماً أن الجغرافية والمناخ واحد بين البلدين، لكن سكان الساحل لم يتمكنوا من تحقيق أدنى مقومات الحياة من السياحة رغم توفر كل مقوماتها.
لا يتوقف الإهمال الذي تتعرض له المنطقة عند السوء في الخدمات والمشاريع، بل إن الأمر يصل إلى تخريب الطبيعة، حيث أن الفساد المستشري تسبب بتلوث ينابيع اعتاد أهل الساحل والجبال على استخدامها عبر مئات السنين.
وبعد تدخل الجهات الرسمية وإقامة شبكات الصرف الصحي أصبح هنالك مشاكل دائمة بتلوث هذه الينابيع بمياه الصرف، وتكررت حالات انتشار التهاب الكبد في الكثير من المناطق الساحلية، وفي أحدث تقرير للصحة هنالك خمسة ينابيع مشهورة في ريف جبلة ملوثة بمياه الصرف.
أما الخطر الآخر الذي لا يقل أهمية، فهو المتاجرة في الغابات من قبل متنفذين، يقول طالب جامعي يعيش في منطقة صافيتا، إن هنالك مجموعة من الشبان المتنفذين الذين قاموا بقطع أشجار معمرة في وضح النهار في صافيتا، وعندما جاء هذا الشاب لجمع بعض الأغصان وجهت له تهمة قطع أشجار وقضى في السجن أشهراً، والجميع يعلم أن الأمر ليس عنده.
فقر وقلة حيلة وفساد
إن غياب مصادر الدخل جعل الناس في حالة ضيق دائمة، ساهمت في انتشار الكثير من السلوكيات المستهجنة كسرقة الدراجات النارية، وسرقة الأمراس الكهربائية.
وقد أشار موظف في وزارة الكهرباء لنورث برس إلى أن قيمة الأمراس النحاسية المسروقة في طرطوس خلال أقل من عام فاقت 3.5 مليار ليرة.
وأشار إلى أن كميات النحاس المسروقة تبلغ نحو 35 طناً، وهذا السلوك يدفع ثمنه عموم السكان في المنطقة بسبب انقطاع الكهرباء، ويكبد الاقتصاد خسائر كبيرة.
وفي تعقيبه على وضع الحياة في الساحل، قال حسن محمد (65 عاماً) وهو اسم مستعار لمتقاعد شغل مناصب متقدمة في الحكومة لنورث برس، إن هنالك الكثير من العوامل التي دفعت الدولة للتقصير في واجباتها خلال سنوات الحرب.
ويضيف: “لكن لا يمكن أن ننسى الدور الأهم للفساد المستشري”، واستشهد الرجل بقصة غرق محافظة اللاذقية أكثر من مرة هذا العام بسبب الأمطار، رغم أن الأمطار الغزيرة ليست حدثاً طارئاً على المحافظة.
في حين تحدث أحد الشبان المسرّحين من الخدمة العسكرية عن كيفية معاناة الناس من نقص المياه علماً أن الكثير من القرى المحيطة بأغزر نبع في الساحل وهو السن يشترون مياه الشرب والاستخدامات المنزلية بمبالغ تفوق رواتبهم الشهرية، في الوقت الذي يشاهدون فيه مياه النبع وهي تذهب إلى البحر!.
وأكدت السيدة نجلاء شما، أنها تضطر لزيارة أختها في قرية مجاورة لأن لديهم بئر ماء لكي تستحم بعد انقطاع الماء عنهم لأكثر من شهر.
ويؤكد الشاب أن الفقر والإهمال سمة عامة للشعب السوري خاصة خلال سنوات الحرب، لكن يمكن لأي زائر لهذا الساحل قبل سنوات الحرب أن يتلمس الفقر والإهمال وسوء الخدمات كما أصبح حال معظم السكان الآن.