المصالحة الروسية في الجنوب السوري.. رفض شعبي وافتقار للتغير

درعا/ السويداء ـ نورث برس

بين فرض القوى العسكرية في الجنوب السوري على أنها انتصارات على الأرض وبين من يرى أن الفلتان الأمني في محافظة درعا والاحتجاجات الشعبية المستمرة في جارتها السويداء هو العنوان السياسي للرد على مزاعم  الانتصارات العسكرية يبقى الجنوب السوري يشكل نسخة مصغرة للصراع السوري الذي لم ينتهِ بعد.

“إذعان وفرض بالقوة”، قرارٌ أجبرت روسيا فيه المعارضة السورية التوقيع عليه من خلال قصف البنية التحتية في الجنوب السوري، هكذا وصف عبدالله الأسعد  رئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، المصالحة الروسية.

وقال “الأسعد” لنورث برس، إن مشروع المصالحة الروسية أثبت “فشله” بشكل كامل وانعكس بشكل سلبي على كل أبناء المحافظة.

وأشار “الأسعد” إلى تعمد روسيا صاحبة “القوة العظمى” قصف البنى التحتية وتدميرها بالطيران وغير ذلك قبيل الاقتحام لفرض المصالحة.

ومنذ عام 2018، ولغاية الآن قتل حوالي ألفي شاب من محافظة درعا، على يد الأذرع الأمنية التابعة للقوات الحكومية الموجودة في محافظة درعا من خلال خلايا الاعتقال والاغتيال والتفجيرات وغير ذلك، بحسب “الأسعد”.

ويرى “الأسعد” أن التطمينات التي وعد بها الروس الشباب في الجنوب السوري بحمايتهم وأن لا يذهبوا إلى الشمال قوبلت بأول ضربة قاصمة لأبناء الجنوب عندما تم سجن مئة ضابط في صيدنايا ولازالوا حتى الآن.

وبحسب قول “الأسعد”، إن المصالحة كانت عبارة عن “كمين أو فخ” نصب لأبناء الجنوب ومن أهم سلبياتها “سحب السلاح من الثوار وإبقاءه بيد المليشيات الإيرانية”.

ونوه إلى أن الذين أجروا المصالحات تعمدوا قهر أبناء الجنوب عن طريق اعتقالهم على الحواجز أثناء ذهابهم إلى دمشق، أو من تم اغتياله بالرصاص ومنهم من تم تفجيره.

فلتان  ووعود

يقول محمد الزعبي اسم مستعار لأحد أبناء درعا، إنه “أجبر على الموافقة على المصالحة تحت تهديدات القوى العسكرية ووسط وعود من الجانب الروسي بحمايتهم من النظام”.

ويضيف لم ينتج عن المصالحة والوعود سوى مزيد من الملاحقات والمضايقات الأمنية وتحولت محافظة درعا إلى منطقة تشهد بشكل يومي عمليات قتل واغتيالات.

ويقول “الأسعد” إنهم تعمدوا اتباع سياسة فرض “فلتان أمني” في الجنوب السوري، “ومن يساعد على هذا الفلتان الأمني هم الإيرانيون والروس والأفرع الأمنية الموجودة في درعا من أجل قتل الشباب الثائرين ضد النظام السوري”.

وعن التزامات روسيا للسكان في درعا قبيل المصالحة، قال إنها مجرد “التزام خديعة من أجل إدخال النظام إلى تلك المناطق وهو أمر مدبر من قبل الروس من أجل سيطرة النظام على كتلة بشرية هائلة”.

هذا وعمد الروس من خلال المصالحة إلى ضم معظم فصائل المعارضة للواء الثامن التابع للفيلق الخامس، وأصبحت تحت سيطرتهم وبعد دخول روسيا في الحرب الأوكرانية أصبحت تبعية هذا اللواء لشعبة المخابرات العسكرية.

العلاقة الروسية الإيرانية

في ظل عدم تواجد فعلي للجانب الروسي في محافظة السويداء وسط سيطرة حقيقية للجانب الإيراني، اقتصر دور الروس على إرسال وفود عسكرية قوبلت شعبياً بالرفض والطرد.

وفي السادس من كانون الأول / ديسمبر الجاري، طردَ سكان من السويداء وفداً عسكرياً روسياً قادماً من محافظة درعا إلى بلدة الثعلة في الريف الغربي للسويداء، في محاولة منه احتواء الاحتجاجات الشعبية المندلعة في المحافظة منذ الرابع من الشهر الجاري.

ويقول أحد النشطاء في محافظة السويداء، وفضل عدم الكشف عن اسمه، إن الجانب الروسي سمح لإيران بالتغول في محافظة السويداء إن كان عبر دعم مجموعات مسلحة تتبع للمخابرات العسكرية حولت السويداء لساحة للقتل والخطف لولا انتفاضة سكانها في أواخر تموز/يوليو  الماضي والقضاء عليها. 

وأضاف أن تحول حدود السويداء الجنوبية الشرقية لمنطقة حرة لتجارة المخدرات هي عنوان المصالحة الروسية الإيرانية في الجنوب.

ويرى الناشط أنه في “ظل احتلال روسي وإيراني ونظام فقد شرعيته لا يوجد بديل سوى تغير سياسي شامل في البلاد وإخراج المحتلين”.

ومن جانبه يقول “الأسعد” رئيس مركز رصد للدراسات الاستراتيجية، إنه منذ البداية إيران هي المسيطر الفعلي على الجنوب وليست روسيا فالتواجد الروسي عبارة عن قوة جوية أما إيران موجودة وأذرعها الفعلية البرية هي كتائب الرضوان حركة النجباء وحزب الله واللواء 313.

واقتصر التواجد الروسي في محافظة درعا منذ البداية على وضع قاعدة في منطقة بجانب الصنمين إلى الشمال الشرقي وثم سحبتها بالإضافة إلى مجموعة من الشرطة العسكرية كانت بجانب الفرقة الخامسة بأزرع وسحب جزء كبير لغاية الآن.

وبحسب قول “الأسعد”: “روسيا لا تصلح أن تكون قوة موجودة في المنطقة  وإنما  القوى الكبيرة للتواجد البرية وهي إيران”.

فالتواجد الإيراني ممتد من سد النعيمي في محافظة السويداء إلى قرية نجران في الريف الغربي للسويداء وصولاً إلى بصرى الحرير وبصرى الشام “تم احتلال لتلك المنطقة من قبل تجار المخدرات”.

ونفى “الأسعد” وجود أي صراع في الجنوب السوري بين روسيا وإيران “بل هناك تقاسم مصالح وسلطات فقد أخذ كل طرف ما يريد من حصته في سوريا”.

أما الخلافات الثانوية هي “خلافات أصدقاء وليس خلاف أعداء وهما متفقان على كل شيء، وإن اختلفوا على بعض الأمور التنظيمية فهم متفقين على الهدف والأيديولوجية في قتل الشعب السوري وتدمير البنى التحتية وتعويم نظام الأسد ليبقى حاكماً لسوريا”.

استراتيجيات المصالحة

بعد مرور أربع سنوات على مصالحة الجنوب السوري لم يلمس سكانها أي نوع من أنواع الاستقرار طيلة الأعوام الماضية.

الكاتب والباحث حسام البرم المقيم في فرنسا، يقول إن المصالحة “لم تحقق  الأهداف التي كانت مطروحة في وقت المصالحة حيث  كان الهدف منها استيعاب المعارضة المسلحة تحديداً ودمجها وتسريع عملية التهدئة في المنطقة للدخول في مرحلة إعادة الإعمار مع بداية العام 2022 كحد أقصى”.

ويضيف: “اليوم وعلى مشارف نهاية عام 2022 لا توجد أي نتائج أو شكل من أشكال الاستقرار في المنطقة ولا يوجد سيطرة حقيقة لا للنظام ولا لروسيا من الناحية النظرية”.

ويشدد “البرم” على أنه منذ بداية المصالحة عام 2018 كان شكل العلاقة بين الروسي والإيراني هو “اللعب على الهوامش”، بالنسبة للإيرانيين ينتظرون الروس حتى يتراجعوا في منطقة ما ويقوم الإيراني عندها بزيادة نفوذه بهذه المنطقة.

وتم اللعب على الجانب المدني والتوسع الديني والعسكري بالإضافة إلى تجنيد مجموعات وتدريبها بإرسالها إلى لبنان في محاولة للسيطرة على النفوذ الروسي. 

وبحسب مراقبين، فإن المتغيرات الدولية الحاصلة بدءاً من الحرب الأوكرانية وصولاً إلى الاحتجاجات الشعبية في إيران انعكست على الأرض السورية.

ويرى “البرم” أنه بعد بداية الحرب الروسية الأوكرانية تحول شكل العلاقة من تنافسي إلى تحالف مطلق بين الروس والإيرانيين في السياسة السورية. 

وشدد على أنه ضمن الظروف الحالية بإيران من مصلحتها هي والجانب الروسي فرض الاستقرار وتهدئة المنطقة للتمدد فيها ميدانياً وعسكرياً.

فالإيراني هو طرف سياسي وداعم بالسلاح، ولوجستياً عن طريق تهريب النفط، واليوم الروس لا يمنعون الإيرانيين من التواجد بأي منطقة “هم يتعاملون معها كحليف وليست علاقة استيعاب”.

ويحاول الروسي من شكل لآخر ذر الرماد بالعيون وإهانة المجتمع الدولي، “إنهم يسعون لضبط النفوذ الإيراني بالمنطقة، ولكن اليوم أصبح التواجد الإيراني في الجنوب برضى وتحالف مع الروس”، بحسب الكاتب.

إعداد: إحسان محمد/ رزان زين الدين ـ تحرير: قيس العبدالله