أزمة المحروقات تشل البلد واستمرارها يهدد بكوارث اقتصادية
دمشق ـ نورث برس
بدأت أزمة المحروقات الحالية من منطقة الساحل، قبل غيرها من المحافظات الأخرى عندما أصبحت رسائل البنزين تتأخر بشكل ملحوظ وسعر الليتر يرتفع كل يوم بدءاً من خمسة آلاف ليرة إلى أن وصل 10 آلاف ليرة سورية.
أصبح سعر المحروقات يرتفع كل ساعة، وامتدت الأزمة إلى كل المحافظات حتى أن الحكومة اتخذت قراراً بتحديد عطلة ليومي الأحد المتتاليين، ومن ثم أعقبتها أمس بعطلة للموظفين لمدة أسبوع أطلق عليها سوريون اسم عطلة قطع المحروقات.
هكذا أصبح الحال
يقول رامي وهو صاحب محل ألبسة في مدينة جبلة الساحلية، إنه استشف حجم الأزمة التي ستدخل فيها البلاد منذ بداياتها فعمد إلى ركن سيارته جانباً وأصبح يستخدم الدراجة النارية للذهاب إلى عمله والعودة منه.
يضيف رامي منصور، أن الذهاب على الدراجة النارية “أمر ليس بالسهل خاصة خلال فصل الشتاء ومع المسافات الطويلة التي تفصل بين القرية ومدينة جبلة والتي لا تقل عن 10 كم”، ولكن ليست هنالك من خيارات أخرى، خاصة مع الغياب شبه التام لوسائل النقل العامة.
ويبين “منصور” أن استخدام الدراجة النارية “أمر لا مفر منه” عند غالبية سكان الأرياف الذين عليهم الذهاب يومياً إلى المدينة، والجميع دون استثناء، “ينغسل بالمطر” بشكل دائم ويعانون الزكام لأن الأمطار التي تحصل في الساحل قوية تترافق بحبات البرد في الكثير من المرات وهواء قوي.
ويضيف أنس سليمان الذي كان في زيارة إلى أهله في الساحل، أنه بعدما وصل من دمشق إلى جبلة، في سيارته الخاصة، بأيام قليلة لم تصله رسالة البنزين التي يحولها إلى كازية في المنطقة الساحلية، وما لبث أن اكتشف أنه لن يتمكن من العودة إلى دمشق إلا بشراء البنزين الحر، ولأن الأزمة كانت في بداياتها تمكن من شراء بيدون سعته أقل من 20 ليتراً بمبلغ 180 ألف ليرة، بينما سعره في الأحوال الطبيعية 50 ألف ليرة.
في حين كانت سيدة ثمانينية تطلب الرأفة والرحمة بعدما أصبحت لا تستطيع رؤية أولادها إلا بفواصل طويلة جداً، لأنه لم يعد بمقدورهم زيارتها كما اعتادت في السابق.
تقول إحدى بناتها لنورث برس، إنها كانت تخصص يومين في الأسبوع لزيارة أمها المسنة والمريضة، ولكن بعد هذه الأزمة لم يعد لديها حيلة أخرى للوصول إليها ولو مرة في الأسبوع، إذ أن الخيارات شبه معدومة وعلى الجميع ملازمة بيته، ليقتصر النشاط على القدمين فقط.
الطلاب ضحايا يومية
يدفع الطلاب الثمن الأكبر مع كل أزمة محروقات، ويشير طالب طب في محافظة اللاذقية إلى أنه ظل يمشي لمدة 6 ساعات متواصلة لأنه لم يجد أي وسيلة نقل تقله إلى بيته في القرية أو تقربه منها، وأنه عندما استنجد بأخيه ليقله على الدراجة النارية لم يستطع أخوه أن يفعل له أي شيء لأنه هو ذاته اضطر “لجر دراجته” أمتاراً طويلة بعدما فرغت من البنزين.
في حين تشير إحدى السيدات أن طلبات السيارة للوصول من مدينة جبلة إلى قريتهم الجبلية وصل إلى مبلغ 25 ألف ليرة للفرد، ولأن القرية تفتقر إلى كل مصادر العيش والدخل، يشكل هذه المبلغ كتلة لا يمكن لأي منهم المجازفة ودفعها لسيارة توصلهم للبيت.
مع استمرار الأزمة تحولت الشوارع إلى أماكن شبه مهجورة، وقد أكد صاحب محل نسق أول على طريق اللاذقية ـ دمشق، أنه يخرج من محله ويجلس يومياً في منتصف الطريق حيث الشمس، دون أن يضطر لتبديل مكانه إلا نادراً بسبب انعدام الحركة شبه التام.
وتستمر الأزمة وتظهر مشاكلها كل يوم وفي كل تفصيل، حيث أصبح الوصول إلى مكان العمل أو المدارس والجامعات قصة القصص.
تقول جهيدة سليم موظفة في مؤسسة حكومية بدمشق، إنها توقفت عن الدوام لأن حافلة المبيت التي كانت تقلها إلى العمل توقفت لعدم توفر المحروقات.
وتواصلت “سليم” مع مدراءها لتشرح لهم أن راتبها لن يكفيها أجرة طريق يومية إذا قررت أن تصل الدوام على حسابها، ولهذا هي في حالة تغيّب دائم عن العمل، بحسب ما قالت لنورث برس.
في حين تؤكد إحدى الطالبات في دمشق أنها تحتاج للتنقل في 4 باصات كلما ذهبت إلى دوامها في معهد تقنيات الحاسوب على طريق مطار دمشق الدولي، وأنها انتظرت نصف النهار تحت جسر الرئيس لتصل إلى أقرب منطقة لبيتها بعد مساكن الديماس.
ولأن كل الخيارات المتاحة تكلفها دفع ما لا يقل عن 8 آلاف ليرة للوصول إلى نقطة واحدة وليس للمنزل، فما كان منها إلا أن لجأت للنوم عند صديقتها لأن الوصول إلى بيتهم أكثر سهولة في منطقة المزة.
نقص في المواد
هذا يشمل جزء صغير من تفاصيل العيش مع أزمة المحروقات هذه، لكن الأمر لا يتوقف عند هذا الحال، بل يطاله إلى توافر المواد، حيث أن نقص المحروقات وارتفاع أسعارها قلص كثيراً من حركة نقل الخضار من أماكن الإنتاج إلى أسواق الهال.
ويؤكد صاحب محل جملة لتجارة الخضرة، لنورث برس، أنه كان يشحن يومياً 4 سيارات كبيرة من سوق الهال لتجار المفرق، لكنه اختصرها الآن إلى سيارة واحدة كل يومين بسبب قلة الطلب من جهة مع الفقر الذي يعيشه السكان، وبسبب ارتفاع التكاليف وصعوبة تأمين المحروقات بعدما وصل سعر بيدون المازوت في السوق الحر إلى 180 ألف ليرة.
وعن آثار هذا النقص في المحروقات قال خبير اقتصادي، لنورث برس، إن التكاليف المرتفعة تحول دون إمكانية تشغيل المولدات الكهربائية للمصانع، وأن ما يزيد الضغط على أصحاب المعامل هو قرار وزير التجارة الداخلية الذي نص على اعتبار أن من يشتري محروقات من السوق السوداء يعامل كشريك بتجارة المحروقات في تلك السوق، وتالياً حبسه لمدة 7 سنوات وتغريمه بالملايين.
ووصف الخبير الاقتصادي، ما يحصل بأنه “تدمير ممنهج” للصناعة.
أضرار زراعية
أضاف الخبير الاقتصادي أن الجرارات الزراعية توقفت عن العمل أيضاً ولا يستطيع المزارعون حراثة أراضيهم بسبب ارتفاع أسعار المازوت وعدم تغطية الإنتاج الزراعي لتكاليفه، وهذا يهدد الأمن الغذائي في البلد.
وأشار المصدر إلى أن هنالك الكثير من المعامل التي سرّحت عمالها، لعدم قدرتهم على دفع أجورهم، بسبب التوقف عن العمل، لعدم توافر المازوت لتشغيل المولدات، وتوصيل العمال والمواد المنتجة، خاصة في الأماكن البعيدة عن المدن.
وأشار المصدر أنه إذا لم تحل مشكلة المحروقات خلال فترة قصيرة، فستكون البلاد أمام كارثة اقتصادية حتمية، والبديل في الاستيراد وهذا أيضاً يتسبب باستنزاف الدولار من الخزينة العامة والخاصة، وبالتالي المزيد من ارتفاع سعره.