الشهر الأخير في 2022 يخنق سكاناً في مناطق سيطرة الحكومة
دمشق ـ نورث برس
أواخر شهر 11 الماضي، وتحديداً بعد العشرين منه، بدأت تظهر ملامح أزمة طاقة في البلاد، كما العامين الماضيين، لكن هذه المرة أتت الأزمة بقوة وباعتراف حكومي واضح المعالم وعلى لسان وزير النفط في الحكومة السورية.
وفي الثالث من هذا الشهر، قال بسام طعمة وزير النفط، في لقاء له عبر التلفزيون الرسمي، إن التوريدات المنتظرة تأخرت. وبعد أيام من تصريحه وصلت الباخرة المحتجزة في البحر.
وأصدرت وزارة التجارة الداخلية وحماية المستهلك، في الخامس من هذا الشهر، قرراً يقضي برفع سعر المازوت الصناعي لـ5400 ليرة سورية، والبنزين الصناعي إلى 4900 ليرة سورية، بعد أن كان سعره 2500 ليرة سورية.
كما ألزمت الشركة المسماة (bs) والتي تبيع المشتقات النفطية للفعاليات الصناعية ببيعه بذات السعر، مع الإشارة أن هذه الشركة الموجودة في لبنان تعود ملكيتها للقاطرجي.
“بقدرة الله عايشين”
تحصي أم حازم (50 عاماً) وتقطن في منطقة التضامن بدمشق، ما بقي معها من مصروف، “يجب أن يكفي أسرتي المكونة من 5 أفراد”.
وقبل تشرين الثاني/ نوفمبر الماضي، كانت “أم حازم”، تحتاج لحوالي 75 ألف ليرة سورية للطعام والشراب وذلك لوجبتين فقط، لكن منذ منتصف الشهر الماضي، باتت تحتاج إلى حوالي 100 ألف ليرة يومياً.
وبلهجتها العامية، تقول ربة المنزل التي يعمل أفراد أسرتها بأشغال مختلفة: “تاجر الخضرة بيحكي نقل الخضرة صار غالي وما في بنزين، وشوفير التكسي صار ياخد الضعف لأنه عم يشتري بنزين حر”.
وتضيف: “هذه الدائرة التي يلقي من خلالها السوريون والسوريات وأصحاب المصالح هموم رفع البنزين والمازوت على بعضهم، ليكون هامش ربح المواطن من مواطن آخر، والرزق كله على الله!”.
يبتدأ أحمد علي (33 عاماً) وهو شوفير تكسي يعمل ضمن دمشق وريفها، كلامه عن الوضع الاقتصادي والمعيشي الذي وصلوا إليه بالقول: “بقدرة الله عايشين”.
ويشير إلى أن سعر البنزين الحر ارتفع من 8000 ليرة سورية ليصل لـ12 ألفاً وأحياناً 15 ألف ليرة سورية. ويتساءل: “لماذا يعتب علينا المواطن إذا طلبنا 2000 ليرة زيادة على سعر الطلب الأساسي؟”.
وعن الوضع الراهن، تقول خبيرة اقتصادية ومسؤولة سابقة في الحكومة السورية لنورث برس إن حالة التضخم الموجودة في البلاد حالياً “تشير إلى انهيار اقتصادي محتوم، وخصوصاً إن بقيت الرواتب على حالها، وقصة الحصار الاقتصادي بالطبع سبب مهم في الانهيار الاقتصادي”.
وتضيف: “الأنظمة والسياسات النقدية التي اتبعتها الحكومة السورية كانت ارتجالية وغير مدروسة، وتخدم مصالح أشخاص محددين فقط، دون التفكير بالمواطن”.
واليوم، بحسب الخبيرة، تحتاج العائلة السورية “لتعيش عيشة كريمة مليوني ليرة سورية، بينما كانت تحتاج في تشرين الأول/ أكتوبر الماضي، ما يقارب المليون لتعيش بكرامة”.
وتتسأل الخبيرة: “من أين يأتي رب الأسرة الموظف الذي لا يتجاوز راتبه الشهري 150 ألف ليرة سورية بالمليون دفعة واحدة؟”.
ترتيب أمور!
يرتب السوريون والسوريات أمور حياتهم وخصوصاً ممن يعيشون في مناطق الحكومة بالطريقة ذاتها التي تعمل بها الحكومة، وفق سياسة “كل يوم بيومه”.
يحيى محمود المكنى بـ”أبو عامر” (60 عاماً) وهو اسم مستعار لصاحب محل لبيع الخردوات والمازوت والبنزين الحر في منطقة المزة 86 ساحة عروس الجبل، يقول: “سعر بيدون المازوت (20 ليتر) يصل لـ210 آلاف ليرة سورية، وسعر ليتر البنزين وصل لـ15000 ليرة سورية”.
وعن مصدر مواد المحروقات التي لا تنقطع عنده، يشير بيده ويقول: “من عند الجيران أي لبنان”. ويعتقد أن السعر مازال منطقياً بسبب أجور النقل أيضاً وما يتم دفعه للحواجز على الطرقات.
في مقلب آخر من الحياة وفي نفس حارة “أبو عامر”، يعيش كل من محمد علي (33 عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب في أحد المشافي الحكومية.
ويقول لنورث برس، إن “التكسي سرفيس زادت ألف ليرة على كل راكب، وهذا يعني أن 60 ألف ليرة سورية ازدادت على مصروفه دون طعام أو شراب ومصاريف أخرى”.
ووصل التضخم حتى أصبح “علي”، يحتاج لثلاثة أضعاف راتبه البالغ 100 ألف ليرة سورية ليعيش بكرامة، لذلك يبحث عن عمل ليلي في أي مكان “حتى لو مقهى”، حسب تعبيره.
بينما تعمل ريم محمود (34 عاماً) وهو اسم مستعار لصحفية، ثلاثة أشغال لتستطيع أن تواكب التضخم، تذهب لعملها الأول في محل لبيع الألبسة في منطقة جرمانا، ومن بعدها تصنع الحلويات في أحد المحلات بدمشق القديمة، وتكون مدة عملها من 9 صباحاً حتى 9 ليلاً، ومن 10 مساءً لـ12 مساءً تكتب مواد صحفية وتتابع ما يجري.
وبأعمالها الثلاثة يصل مرتبها الشهري إلى المليون ليرة سورية فقط، وتعيش كفاف اليوم دون مدفأة مازوت حتى، بل تنتظر رحمة الكهرباء التي تعتمد على أغنية فيروز “تعا ولا تجي”.