مثقفون من دمشق غاضبون من “الغزو العثماني” لشمال شرقي سوريا ويدعون للحوار
دمشق – أحمد كنعان – NPA
عاشت دمشق في صمت حذر وهدوء نسبي ليل الإعلان عن غزو عثماني تركي على شمال وشرقي سوريا، بينما ضجت صفحات التواصل الاجتماعي بكثير من التعليقات المستنكرة لهذا "الغزو العثماني" الذي ينذر بتطهير عرقي وتغيير ديموغرافي في منطقة شمال شرقي سوريا.
رصدت "نورث برس" آراء بعض المثقفين في دمشق الذين استنكروا العملية واعتبروها لعبة قذرة ترتكبها تركيا بحق أبناء سوريا.
الرأي السوري منهوب
قال لنا الشاعر والناشر محمد عيسى صاحب دار بعل: "في ظل ما تعيشه سوريا ومنذ سنوات، لم يعد بإمكاننا القول أن هنالك رأي عام سوري، لا بالمعنى السياسي ولا بالمعنى الوطني. وحتى الرأي الرسمي، غير متوفر. بل نستطيع القول إنه موزّع إقليمياً ودولياً، ومذهبياً أيضاً."
ولفت إلى أن دخول تركيا عسكرياً إلى سوريا ذو اتجاهين "الأول، هو ضرب الكرد. والثاني هو السيطرة على هذه المنطقة بحجة منع عودة الكرد، إضافة إلى توطين من تريد في هذا الشريط الحدودي. والوصاية التركية عليهم. وهذا الوضع سيكون الورقة الرابحة لأردوغان في تسوية الوضع السوري. فهذا التموضع سيجعلها اللاعب الرئيسي في التسوية السورية".
وعن غياب الموقف الروسي قال "الروس ليسوا لاعبين على الصعيد الاستراتيجي وسيضطرون للصمت عن الدور التركي".
وختم الشاعر والناشر محمد عيسى، كلامه بالإشارة إلى سقوط لجان صياغة الدستور كنتيجة طبيعية إذا نجح التركي بالدخول مشيراً إلى اعتقاده "بأن هنالك اتفاق ما بين أردوغان وترامب على هذا الأمر بالإضافة إلى قضايا أخرى".
ضرب السوريين ببعض
أما الباحث والناشط الاجتماعي عبد اللطيف البني فقد قال "بقى التركي هو اللاعب الأخطر في القضية السورية، كون له أطماع تاريخية في الشمال السوري، ويملك تأثير كبير على عدد كبير من الفصائل المسلحة المتشددة والعديد من قياداتها موجودة على الأراضي التركية، لا فرق بين العدوان التركي في العملية المقررة حالياً في الشمال السوري وبين أي اعتداء اسرائيلي أو أمريكي".
وعن قوات سوريا الديموقراطية قال "قسد ليست الكرد فقط بل كرد وعرب، والعملية التركية تهدف لضرب السوريين بعضهم ببعض وإدخالهم بمقتلة جديدة تكون الحكومة التركية هي المستفيد الأكبر".
ووضح البني أن مهما تكن مواقفنا من قوات سوريا الديمقراطية والنزعة الانفصالية للبعض فيهم إلا أنهم لم يرفعوا سلاحاً يوماً في وجه الجيش السوري أياً يكن الموقف من السلطة السورية وتقصيرها التاريخي في معالجة القضايا الكردية وإهمال المنطقة الشرقية بشكل عام.
وختم الباحث والناشط الاجتماعي عبد اللطيف البني حديثه مع "نورث برس" بالقول: "بالنهاية لابد من تحالف كامل اليوم بين السلطة السورية في دمشق وقوات سوريا الديمقراطية لمنع أخطر عدوان في تاريخ الأزمة السورية وقد تكون المقتلة الأكبر خلال السنوات الماضية بين السوريين، فالحل في دمشق، وكل المطالب من دمشق وأيا تكن الخلافات في البيت السوري حين يتعرض البيت لخطر التدمير الخارجي يجب ترك كل الخلافات والتوحد لمنع الاحتلالات ومنع العدوان التركي الخطير".
لعبة قذرة
أما الشاعر والمترجم محمد عضيمة فقد قال لـ"نورث برس": لعبة قذرة وكلنا ضحية شرق الفرات وغرب الفرات وشمال الفرات وجنوب الفرات حتى الفرات ضحية، أعتقد أن لا أحد يعرف ما يجري".
وحول رأيه ما إذا كان التركي سينجح في هذه العملية العسكرية قال: "لن ينجح لكنه لن يفشل وهذه هي أصول اللعبة يعني اللعبة مستمرة إلى إشعار آخر يستطيع أن ينجح لكن ممنوع عليه ذلك وأيضاً لا يقبل أن يقال أنه فشل".
وأضاف "بعض السوريين هناك، عرباً وكرداً، صاروا مسمار جحا وجميع الدول تعلق عليه آمال لأن المنطقة غنية ويتم تقاسمها منذ بداية الأزمة".
وعما إذا كان سيتكرر سيناريو شبيه بقضية لواء اسكندرون قال "أعتقد أننا أمام قصة لوائية جديدة وليس سهلاً تبرير العكس".
وعن هوية الانفصاليين الحقيقة قال "الأخونجية الإسلامية، سواءً كانوا كرداً أو عرباً، ليسوا مع الانفصال وحسب بل مع إلغاء الدولة السورية وإلحاقها بتركيا. لذلك رغبة بعض المكون الكردي بقيام إدارة ذاتية، أو الانفصال، ستبدو شيئاً بسيطاً أمام ما يؤمن وينادي به الإخوان المسلمون".
وعما يجب أن يقوم به المواطن المدني تجاه الأمر برمته قال "ليس أمام السوري، أي سوري بمن فيهم الكرد، سوى التسامح ـ أقول تسامح لأن الجميع اخطأـ وأخذ الاعتبار مما جرى وإلا فإن القادم سيفرم جميع السوريين من جميع الأعراق والطوائف والمذاهب. والتسامح ينبغي أن يكون في ظل قوانين عقلانية جديدة".
لما التركي في شمال اللاذقية؟
أما الإعلامية إنصاف سليطين فقد كتبت على صفحتها على فيس بوك وبطريقة تهكمية "للتذكير من يعتدي على أرضنا وأهلنا (بمباركة دولية) هي تركيا وبدعم قطري يعني الإخوان المسلمون، الذين كانوا موغلين في الحدث السوري من اللحظة الأولى، وإذا كان الكرد أدخلوا الأمريكان للشمال فهل للكرد تواجد في البادية والتنف؟".
وتسألت مستغربة مواقف البعض "إذا كان (الانفصاليون الكرد) ذريعة دخول القوات التركية في الشمال الشرقي، ما هي ذريعة الأتراك في ريف اللاذقية الشمالي الآن، هل يوجد هناك من يهددوا الأمن القومي التركي؟".
وبيّنت سليطين أنّ خطر التقسيم يكمن في هذا الخطاب الإعلامي السياسي الخطير المرتكز على تعزيز مقولة (الانفصاليون الكرد) وإن كان الانفصال هدفاً لطرف ما، فأنت تكرسه وتحوله إلى حقيقة بتكراره وترويجه وترسيخه".
الضبع التركي يبتلع المدن
في حين كتب الروائي نبيل الملحم على صفحته مذكراً باستيطان الأتراك في كل أرض دخولها قائلا "هل سبق وأن وضع الأتراك يدهم على أرض وخرجوا منها؟ لتذكير من ألغوا وظيفة الذاكرة مرسين وطرسوس وقيليقية وأضنة ومرعش وعنتاب وكلس والبيرة وأورفة وحران وديار بكر وماردين ونصيبين وجزيرة ابن عمر ولواء اسكندرون، كلها مدن وقرى سورية ابتلعها الضبع التركي".
الجدير ذكره أن عدد من الأحزاب والنقابات أصدرت بيانات تدين هذا الغزو وتدعو المجتمع الدولي لإيقافه ونبهت من خطر تطهير عرقي وتغيير ديموغرافي سينتج عنه.