الاقتصاد السوري يدور في حلقة مفرغة.. بين نقص الإنتاج وعوائق تحسينه

دمشق ـ نورث برس

يشبه الأمر الحلقة المفرغة, فالاقتصاد السوري “شبه المنهار” لا ينقذه سوى عودة الإنتاج بكل أشكاله, وتلك العودة لا يمكن أن تتحقق ضمن بيئة وشروط العمل الحالية ونقص مواد الطاقة والتسهيلات وبيئة العمل.

يتحدث المنتجون في الزراعة والصناعة عن الكثير من المعوقات التي تجعلهم يفكرون بالرحيل وليس التوقف عن العمل فقط.

وقد ذكر صناعي في مجال المواد الغذائية لنورث برس، أن كل خطوة لاستمرار العمل تكلفهم الكثير عوضاً عن تقديم كل الدعم والتسهيلات لهم, لكي لا يلحقوا بمن سبقهم من صناعيين.

وأضاف صناعي آخر، أن نقل المواد الأولية التي يحتاجها، من وإلى مصنعه، يكلفه مبالغ تفوق سعرها في أغلب الأحيان، ونقل الآلات أو أي معدات يضاعف التكاليف.

وأشار إلى أن التعقيدات الموجودة حالياً أمام المستثمرين والتجار لم تكن بهذه الحدة يوماً خاصة عند نقل البضائع بين المحافظات.

وهذا قبل الحديث عن المشاكل المستعصية التي تبررها الجهات المعنية بأنها ناتجة عن الحصار الاقتصادي  كالمحروقات والكهرباء وغيرها.

وأضاف الصناعي أن المشكلة الأبرز هي في قرارات المصرف المركزي بتقييد حرية حركة سحب ونقل الأموال حسب قوله، ووصف هذا القرار بالكارثي الذي قضى على ما تبقى من الاقتصاد الوطني.

الإنتاج ثم الإنتاج

الخبير الاقتصادي عادل القاضي، يقول إن قوة الاقتصاد في أي بلد هي بحجم إنتاجه.

ويضيف “القاضي” لنورث برس، أنه يمكن تلخيص مشاكل التضخم النقدي، وتراجع سعر الصرف, والأهم الأزمة المعيشية في سوريا بـ”ضعف الإنتاج”.

وعزا “القاضي” الأسباب المباشرة لضعف الإنتاج إلى عدم توافر الكهرباء وارتفاع أسعار المحروقات، وكذلك في  القوانين والتعقيدات الكبيرة أمام الصناعيين والمستثمرين، إضافة لعدم حرية حركة البضائع بين المحافظات.

ومن الإجراءات التي تنتهي بخفض الإنتاج أيضاً تسعيرة وزارة التجارة الداخلية التي لا تراعي كل التكاليف دائماً، بحيث تكون قريبة من تكاليف الإنتاج.

وهذا كله تسبب بهروب وإغلاق الكثير من المشاريع الصناعية, وتراجع الكميات المعروضة بالأسواق ومعه ارتفاع الأسعار.

هروب الأموال

ويرى “القاضي” أن من أسباب تراجع الإنتاج أيضاً “إهمال مشاريع التنمية الزراعية والمزارعين, وكذلك وضع خطط وهمية لا يتم تطبيقها على أرض الواقع”.

ويشير إلى تراجع الاستثمارات حتى قبل الحرب، لأن فترة استرداد رأس المال الافتتاحي للمشاريع الصناعية تتجاوز الـ10 سنوات لأسباب كثيرة منها ضعف نسبة الأرباح المسموحة من التموين, وفرض ضرائب عالية جداً وضعف الطلب ننتجه انخفاض القوة الشرائية للمستهلكين وضعف الدخل.

والنتيجة الحتمية مع بيئة عمل كهذه هي “هروب رؤوس الأموال”، حسب رأيه.

انخفاض القدرة الشرائية يجعل التسويق عائقاً حقيقياً أمام تحسين كميات الإنتاج, وتبقى الأسواق الخارجية هي المنقذ شبه الوحيد لتسويق الإنتاج ولكن حتى هذا الأمر غير ميسر بالشكل المطلوب.

يقول عضو في غرفة تجارة ريف دمشق لنورث برس، إنه ليس لدينا فائض بالإنتاج لنقوم بتصديره بالأساس، لأن الإنتاج بحدوده الدنيا، ويتم الاستيراد لتعويض النقص وهذا ينتج عنه  خروج الدولار من البلد, وتراجع سعر صرف الليرة.

ولكن خبير الاقتصاد الزراعي نهاد الشيباني، يخالفه الرأي، ويقول لنورث برس إن الإنتاج  الزراعي خاصة لم يتراجع في سوريا, خاصة بعد  تحرير الكثير من الأراضي الزراعية.

ويرى أن المشكلة في ارتفاع تكاليف الإنتاج الناتجة عن ارتفاع أسعار المواد المطلوبة في الزراعة, كالبذار والأسمدة والأدوية والكهرباء والمحروقات وغيرها. وتلك التكاليف تجعل المنتج خارج القدرة الشرائية المنخفضة.

إضافة لعدم دعم المنتجين بالشكل المطلوب، الأمر الذي جعل الإنتاج الزراعي غير مستقر، خاصة فيما يتعلق بقرارات التصدير, حيث لجأت الحكومة إلى منع تصدير الكثير من المواد كالبصل والثوم والزيت لتخفيض أسعارها في الداخل, الأمر الذي تسبب بخسائر كبيرة للمنتجين مع الضعف الكبير في القدرة الشرائية للسوق الداخلية.

والحال ذاته ينطبق على الإنتاج الصناعي الذي ظل ضمن نطاق الصناعات التحولية التي تعتمد على المواد الأولية المستوردة, الأمر الذي جعلها في مهب الريح خلال الحرب والعقوبات الاقتصادية.

تراجع الإنتاج الحيواني

أضاف “الشيباني” لنورث برس، أن ضعف الإنتاج عموماً ينتج عنه تباطؤ عجلة الاقتصاد، وتراجع قيمة العملة.

وبين الخبير الزراعي أن الوضع أكثر سوءاً مع الثروة الحيوانية، حيث تسببت مشكلة الأعلاف بتراجع  كبير في أعداد رؤوس المواشي، نتج عنه تراجع في إنتاجها من أجبان وألبان ومشتقاتها.

وقال “الشيباني” إن هنالك مشكلة أخرى تتعلق بالإنتاج وهي تهريب نسبة كبيرة من الإنتاج بعد خروج مساحات عن سيطرة الحكومة.

إعداد: ليلى غريب ـ تحرير: قيس العبدالله