من أخطر مصادر التلوث.. نفطٌ في مياه الفرات يسبب أضراراً زراعية وبيئية

دير الزور – نورث برس

يحاول حسن تشغيل محرك ضخ المياه خاصته المنصوب على نهر الفرات لكن رؤيته لبقع من المحروقات تعوم على سطح النهر ثناه عن ذلك.

ويتخوف المزارع من نقل تلك البقع إلى أرضه والتي ستتسبب بمنع نمو المحصول وتحول التربة إلى أخرى غير صالحة للزراعة.

حسن الراغب (33 عاماً) مزارع من بلدة الشعفة شرقي دير الزور، توقف عن ري أرضه من نهر الفرات نتيجة وجود نسبة كبيرة من المحروقات.

ويعاني سكان دير الزور وخاصة المزارعين من تلوث مياه الفرات، بسبب تهريب المواد النفطية من مناطق سيطرة قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، إلى مناطق غربي الفرات الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية، والتي تزايدت بشكل كبير في الفترة الأخيرة.

ويقول “الراغب”، إنه خسر أكثر من مليوني ليرة في الموسم الشتوي الماضي، نتيجة تضرر محصوله من المياه الملوثة بالمشتقات النفطية، كما أن التلوث أضر بتربة أرضه.

ويضيف: “اضطررت لدفع مبلغ كبير من المال كي أحفر بئراً بجانب الأرض لغسل التربة بالمياه الجوفية في محاولة لإعادة إحياء الأرض لكن دون جدوى”.

وتتم عمليات تهريب المشتقات النفطية بطرق بدائية، حيث يقوم مهربون من شرقي الفرات بملء المواد داخل خزانات موضوعة على عَبارات نهرية، ومن ثم عبور النهر إلى الضفة الخاضعة لسيطرة القوات الحكومية وإفراغ الحمولة هناك.

وغالباً ما تشهد عمليات التهريب تسرّب كميات من المواد إلى نهر الفرات، بسبب اهتراء تلك الخزانات، حيث تتحول مياه النهر في بعض الأحيان إلى اللّون الأسود.

ونتيجة تسرب المواد النفطية إلى النهر، تضررت التربة والمحاصيل الزراعية شرقي دير الزور، حيث يعتمد سكان المنطقة على النهر في مياه الشرب وري المزروعات.

الحل بالمكافحة

ويناشد مزارعون المسؤولين في مديريات الزراعة والبيئة لإيجاد حلول سريعة، لتنقية المياه من التلوث لاعتماد غالبية مزارعي دير الزور في ري أراضيهم على الفرات.

وتقوم قوات سوريا الديمقراطية بين الحين والآخر بمداهمة معابر التهريب والتي تربط مناطق سيطرتها، بمناطق الحكومة السورية، وغالباً ما تسفر المداهمات عن اشتباكات مع المهربين.

وبحسب سكان، فإنه أثناء الاشتباكات، تقوم “قسد” بإشعال النيران بالمحروقات فيما تستهدف أحياناً العبارات ما يؤدي إلى تسرب المواد إلى المياه.

ويعد المازوت والبنزين والغاز والنفط الخام من المواد التي تنتقل عبر تلك العبارات، في ظل تفاوت بالسعر بين مناطق سيطرة الطرفين.

ويصل سعر ليتر المازوت في مناطق خاضعة لسيطرة “قسد” بدير الزور إلى 1200 ليرة، وليتر البنزين 2000 ليرة، والكاز  ١٧٠٠ ليرة.

ولكن في مناطق خاضعة لسيطرة الحكومة بدير الزور يباع ليتر المازوت  بـ 1950 ليرة وليتر البنزين بـ 4000 ليرة والكاز بـ 3500 ليرة.

ويقول قيادي في قوات سوريا الديمقراطية “قسد”، فضّل عدم نشر اسمه، إن القوات العسكرية تعمل بشكل كبير لمكافحة التهريب، وخصوصاً المشتقات النفطية لما لها من أثر سلبي على التوازن الاقتصادي في المنطقة، وتضرر مياه الفرات بسبب التسريبات النفطية نتيجة اهتراء خزانات النقل.

ويؤكد القيادي أن الأيام القادمة ستشهد تسيير دوريات مكثفة على سرير النهر للحد من انتشار ظاهرة التهريب.

ونهاية الشهر الماضي، داهمت “قسد”، معابر تهريب نهرية ببلدات الشحيل والزر والبصيرة بريف دير الزور الشرقي، واندلعت على إثرها اشتباكات خفيفة متفرقة مع مجموعة مهربين.

وحينها ووفقاً لما ذكره مصدر عسكري في “قسد”، تمكنت الأخيرة من مصادرة كميات كبيرة من المحروقات المعدة للتهريب إلى مناطق سيطرة القوات الحكومية وأحرقت قسماً كبيراً منها على الطرف الغربي لنهر الفرات التابع لسيطرة القوات الحكومية.

كارثة صحية وبيئية

وفي ظل ذلك، يعاني علاء الدين الشكور، أحد مشغلي محطات تنقية المياه الخاصة في بلدة درنچ شرقي دير الزور، من صعوبة تنقية المياه بسبب بقع الزيت السوداء المنتشرة حول مضخات السحب.

يقول، “كنا نعاني ونعمل لتنقية المياه من الشوائب والرواسب وفضلات الصرف الصحي لتزداد معاناتنا بشكل أكبر بعد الانتشار الكبير في تسريب المشتقات النفطية إلى مياه النهر”.

الأمر الذي سبّب زيادة في التكاليف لمحاولة تنقية المياه بشكل جيد، والتي تنعكس سلباً على السكان بسبب زيادة سعر برميل المياه المعقم إلى ستة آلاف ليرة سورية، بعد أن كان سعره لا يتجاوز ألفي ليرة، طبقاً لـ “الشكور”.

من جهته يحذر خليفة الزايد، مهندس وخبير زراعي من هجين شرقي دير الزور، من استمرار تسرب النفط إلى النهر، “النفط يعتبر من أخطر مصادر تلوث الترب، ومع الاستمرار بريها بالمياه الملوثة، قد يؤدي إلى عقم التربة وعدم صلاحيتها للزراعة”.

ويضيف، أن المشتقات النفطية تحوي مركبات الفينول والسيانيد وأيونات المعادن السامة وموادا هيدروكربونية وجميعها قادرة على تحويل التربة من جيدة إلى تربة عقيمة لا نفع لها.

ويتوقع المهندس كارثة زراعية وبيئية، تنعكس نتائجها على السكان والكائنات الحية، إذا بقيت نسبة التلوث بهذه الوتيرة.

إعداد: عمر عبد الرحمن – تحرير: زانا العلي