مخيم في الرقة.. خيام من بقايا الأقمشة لا تقي ساكنيها من برد الشتاء

الرقة – نورث برس

انتظرت وضحة حتى الصباح لإعادة بناء خيمتها المصنوعة من بقايا أقمشة وأكياس الخيش بعد أن هدمتها الرياح وتسربت المياه إلى داخلها.

تقول وضحة الحمادة (21 عاماً)، نازحة في مخيم اليوناني، جنوبي مدينة الرقة، “الله يعينا نحن سكان المخيم، ذابحنا البرد والعوز”.

وتضيف: “نعيش في خيم مهترئة مصنوعة من بقايا الأقمشة والخيش، لا تقي من برد الشتاء يتسرب إليها ماء المطر من كل مكان”.

وتجمع المرأة الحطب للطبخ في ظل عدم قدرتها على شراء الغاز ورغم عمل زوجها، تعاني وعائلتها من صعوبات معيشية نتيجة ارتفاع الأسعار وقلة المردود المادي.

وفي هذا المخيم العشوائي، تتشارك “الحمادة” و270 عائلة نازحة تنحدر من مناطق تسيطر عليها قوات الحكومة السورية في ريف الرقة الجنوبي وريفي حمص وحماة، المعاناة ذاتها في كل شتاء، فالخيم المهترئة لا تصمد أمام الرياح الشديدة التي تتسبب بتزحزحها وتمزقها.

كما أن المياه تتسرب إلى داخلها مع هطول الأمطار، تبلل الفرش والأغطية ويقضي النازحون أياماً يعرضون أغراضهم لأشعة الشمس بغرض تجفيفها، فضلاً عن تشكّل الأوحال التي تتسبب بصعوبة في الحركة.

في حين يقلق النازحون من المبيت مساء، إذ أن أي عاصفة هوائية من شأنها أن تهدم الخيم فوق رؤوسهم، هذا إن لم تلتهمها النيران المتقدة داخلها.

دعم شبه مدعوم

ويعجز النازحون عن بناء خيمهم من شوادر وأعمدة حديدية، في ظل الظروف المعيشية المتردية وشح الدعم المقدم لهم.

وفي هذه الأثناء، يعتمد نازحو المخيم في تدفئتهم الشتوية والطبخ على النار ويجمعون الحطب من الأراضي الزراعية، حيث لم يستلموا بعد مازوت التدفئة.

ومطلع الشهر الفائت، قال منور ماجد رئيس مكتب المخيّمات وشؤون النازحين، في مجلس الرقة المدني، إنهم يخططون لدمج المخيّمات العشوائية في الرقة، بأربع مخيّمات، لتسهيل تقديم الدعم بعد عملية إحصاء لـ 58 مخيّماً عشوائياً.

وأضاف “ماجد”، لنورث برس حينها، أن عدد العائلات في تلك المخيّمات يبلغ أكثر من 10 آلاف عائلة، بعدد أفراد يصل إلى 70 ألف فرد.

ولكن المسؤول في الإدارة الذاتية لم يحدد توقيتاً لتنفيذ ذلك، إذ يتوقع نازحون في المخيم أن يقضوا شتاء مماثلاً للعام الماضي.

ويشتكي نازحو المخيم من قلة الدعم وإهمال الجهات المعنية والمنظمات الإنسانية التي تغيب عنه، ويقتصر الدعم في المخيم على الجانب الطبي من قبل بعض المنظمات.

وفي العشرين من حزيران/ يونيو الماضي، قالت الإدارة الذاتية، إن النازحين في المخيّمات العشوائية بالرقة، “بلا دعم ويعيشون أوضاعاً صعبة بسبب انسحاب المنظّمات الإنسانية منها”.

وحاولت نورث برس، مقابلة المزيد من نازحي المخيم، إلا أن غالبتهم رفضوا الحديث، بعد أن فقدوا الأمل بتحسين واقعهم على خلفية مطالب وشكاوى قدموها، وحديثهم مرات عديدة لوسائل إعلام.

وفي أرياف الرقة، 58 مخيماً عشوائياً، تتوزّع على بلدات وقرى الريف، ويعيش فيها نحو 90 ألف نازح، يُقسّمون إلى 16165 عائلة، وفقاً لإحصائية رسمية حصلت عليها نورث برس، من مكتب شؤون المخيّمات والنازحين في مجلس الرقة المدني.

“خيم من أقمشة”

والأحد الفائت، قال إيثان غولدريتش، نائب مساعد وزير الخارجية الأميركي، خلال لقاءِ جمعه بمسؤولين في دائرة العلاقات الخارجية بالإدارة الذاتية، إنهم خصصوا ميزانية خاصة للمنطقة لتنفيذ برامج دعم إنسانية وسيزيدون دعم المخيمات التي تأوي النازحين في المنطقة.

ولكن لحين تحقيق ذلك، ستقضي فطيم برفقة عائلتها ترقع خيمتها بأسمال الأقمشة المهترئة وسدها بأكياس النايلون حتى بدا كل جانب منها بلون مختلف.

ولم يمنع الحطب الذي جمعته فطيم الجلود (31عاماً) من القرية المجاورة، المياه من التسرب لخيمتها والتي أطفأت النار بعد أن غرقت الأرضية.

ونصبت المرأة الخيمة هذا الصيف بعد أن جمعت قطع قماش وأكياس من مكبات النفايات القريبة من مخيم اليوناني.

وتضيف بلهجة محلية، “بيوتنا رقع من الأوساخ والمكبات نجيب ونخيط، الحال في المخيم يسوء يوماً بعد يوم”.

وتعبر عن الواقع السيء لحياتهم، “خبزنا قليل، أكلنا قليل، ما عندنا قدرة نشتري، شوفوا الخيمة شلون طايفة”.

ولتأمين جزء من قوت أطفالها الأربعة تعمل المرأة بالأراضي الزراعية في قرية الكسرات القريبة من المخيم وتتقاضى ألف ليرة لقاء عملها بالساعة الواحدة.

والعمل في الأراضي الزراعية غير متوفر طيلة العام، لذلك تلجأ المرأة وجيرانها إلى جمع الخرداوت والبلاستيك وفوارغ المشروبات، لبيعها وتأمين جزء من مصاريفهم اليومية.

وتشير إلى أنهم في ظل الظروف المعيشية الصعبة لا يحصلون على أي مساعدات أو خدمات ويعتمدون في قوت يومهم على أجور “قليلة” مقابل عملهم في الأراضي الزراعية.

وتطالب “الجلود”، الجهات المعنية بمد يد العون لهم وتقديم المساعدات، إذ أنه بحسب قولها “أصبح المخيم كمقبرة جماعية للأحياء الأموات”.

إعداد: فاطمة خالد – تحرير: زانا العلي