بائعة الذُرة الستينية.. فرارٌ بين جحيمي الموت والفقر من دير الزور إلى الرقة

الرقة – أحمد الحسن – NPA
فرَّت عائلة أم خالد من جحيم الحرب والصرعات في دير الزور، لتجد نفسها في جحيمٍ أصعبٍ، هو الفقر الذي ألمَّ بحالهم في مدينة الرقة.
تركت المسنّة أم خالد البالغة من العمر /60/ عاماً، دير الزور منذ سبع سنوات، بعد اشتداد المعارك بين فصائل المعارضة السورية والقوات الحكومية السورية، حيث توجّهت مع عائلتها المكوّنة من ابنتها وحفيدها ذو العشر سنواتٍ إلى بلدة الغرانيج في ريف دير الزور الشرقي وإلى الميادين ومن ثم البوكمال.
أم خالد التي أنهكها الترحال من منطقة إلى أخرى، استقر بها المقام في مخيم عين عيسى للنازحين، قبل أن تنتقل منذ عام إلى مدينة الرقة.
استأجرت أم خالد بيتاً مكوّناً من غرفتين، لا يكسو أرضه سوى قطعةٌ باليةٌ من السجاد، وبعض المستلزمات البسيطة.
فيما دفعها الغلاء الفاحش وعدم وجود مُعيلٍ لها ولعائلتها، لشراء عربةٍ لتبيع عليها الذُرة في الحدائق القريبة من بيتها، في محاولة لتامين ثمن دواء السكري الذي تعاني منه، والذي أفقدها الكثير من بصرها.
وما زاد ثقل مرضها عليها، هو أعباء المنزل من إيجارٍ ومصروفٍ للكهرباء والماء والطعام، فضلاً عن غيرها من مستلزمات الحياة التي اختصرتها أم خالد للأكثر ضرورةً فقط.
وترى السيدة، بائعة الذُرة الستينية أن كرامتها فوق كل اعتبار، وتعبر عن ذلك بالقول لـ"نورث برس"، "نحن ناس نريد الستر وما بدنا نمد إيدنا للناس نعيش على الخبز وما نشحد".
تدفع عزة النفس أم خالد المسنَّة، إلى دفع عربتها كل يومٍ، هذه العربة التي تُتعِبُ الرجال، لتستقر بها عند مدرسةٍ أو حديقةٍ أو مكانٍ قريبٍ من تواجد الأطفال والأهالي، لبيع ما يمكن بيعه من بضاعتها البسيطة.
الصيف أتاح لأم خالد مهنةً إضافيةً وهي بيع المثلجات، المصنوعة بطريقةٍ بدائيةٍ وبسيطةٍ، خلال ساعات النهار، فيما تعود لبيع الذُرة المسلوقة، عند ساعات المساء.
المسافات بين منزلها وسوق الهال والسعي اليومي وراء لقمة العيش، لا يجني لأم خالد وعائلتها التي تفتقد لمُعيلٍ، سوى القليل من المال، الذي تؤكّد في حديثها لـ"نورث برس"، أنّه "لا يكفي في أكثر الأحيان إلّا لسداد الحاجات الأساسية"
أم خالد أضافت "لم نحصل منذ وصولنا إلى مدينة الرقة على أية مساعدةٍ فلا أحد يعلم بحالنا".
وكان رئيس لجنة الشؤون الاجتماعية والعمل في مجلس الرقة المدني عبد السلام حمسورك، في تصريح سابق لـ"نورث برس" قد بيّن، أنّ اللجنة تعمل على توجيه المنظمات العاملة في مدينة الرقة لمساعدة العائلات الأكثر فقراً.
وأشار حينها إلى أنه تتواجد /110/منظماتٍ مرخصةٍ في مجلس الرقة المدني,"/20/ منها فقط تعمل بشكل فعلي في المجالات الإنسانية".
يُذكر أنّه نتيجة المعارك التي شهدتها أغلب المدن السورية نزح الآلاف العائلات نحو مدن أكثر أمناً، واصبحت مدينة الرقة مقصداً للعديد من تلك العوائل بعد اندحار سيطرة تنظيم "الدولة الاسلامية" (داعش) عنها، وسيطرة قوات سوريا الديمقراطية عليها، وتشكيل مجلس الرقة المدني.
أم خالد ومئات الحالات المماثلة، التي تفتقر للمساعدات، وتمنعها كرامتها وعزة نفسها من السؤال، لا تزال رهينة الفقر، الذي لا تقبل أية جهةٍ تدَّعي تقديم المساعدات الإنسانية الحدَّ منه، أو المساعدة على إنهائه.