دمشق – صفاء عامر – NPA
لا تزال طاحونة الحرب السورية في دورانٍ مستمرٍ, محوّلةً سوريا إلى ساحة مصارعةٍ دوليةٍ تدور فيها فصول المصالح والصراع على السلطة والسيطرة، كان نتيجتها خمسة ملايين لاجئ سوري وآلاف القتلى.
أنس ومحمد وشاهر, ثلاثة شبانٍ سوريون، غادروا البلاد متجهين إلى لبنان، وقضوا فيها خمس سنواتٍ, أكملوا دراستهم وعملوا وتعرفوا على ثقافة بلدٍ آخر, لكن الغربة لا تدوم.
خيبة أمل
في صيف 2018 قرّر محمد وشاهر العودة إلى بلدهم, وبالفعل عادا ويعرفان أنهما قد لا يحظيا بالمستقبل الذي يرنوان إليه وأنفقا عليه قسماً كبيراً من حياتهما.
قال محمد المحمد في حديثٍ مع "نورث برس" وهو مهندسٌ معماري في الثلاثينيات من العمر: "كنت أعمل في المكتب الهندسي في لبنان, قررت العودة وكان لدي حماسٌ كبيرٌ ولكن بعد فترة لا تتجاوز الشهر شعرت بصدمةٍ كبيرةٍ بسبب وضع العمل التعيس في سوريا".
وتابع "قضيت سنين طويلةً في لبنان, اكتسبت المعارف وحسّنت وضعي من الناحية المادية بعد أن خسرنا كل شيء في الحرب", لكنه أردف كلامه بحزن "بس الغربة كربة" أي أنّ الغربة لا تُطاق، موضّحاً أنّ الهجرة كانت خياراً للخروج من حالة الحرب والركود ولم يكن لهم ذنبٌ فيها.
الخوف من العودة
وخلال الحديث مع "محمد وشاهر" يتصل "أنس" عبر تطبيق "الواتس آب" والذي ما زال في لبنان يعمل محاسب شركة شحنٍ، وهو خريج بكالوريوس في العلوم المالية والمصرفية، قال "لدي العديد من الخطط لسوريا والكثير من المشاريع لتنفيذها, لكن لا فرصة مناسبة لي هناك, لا أجرؤ على العودة ولا أريد قتل طموحي".
على جانب محمد يجلس شاهر الغوطاني, خريج معهد برمجيات, قال إنّ هذه البلاد أصابها البلاء، والهجرة هي إحدى مصائبها.
وأضاف شاهر " كنت أعمل بمعملٍ وأموري كانت مستقرةً إلى أن أتت الحرب التي دمّرت كل شيء, تعرضنا للتهديد والتهجير والكثير من الأمور, وقتها قررت السفر لأنني المُعيل الوحيد في البيت".
تبخّرُ الأحلامِ
لكن ببداية عودته كان حجم الصدمات التي تعرض لها يوازي حجم المعاناة التي عاشها خلال سنين الغربة, "كانت عشرات الوعود تنتظرني لكنها تبخّرت جميعها لحظة عودتي, حاولت تأسيس مشروعين لكنني فشلت وخسرت جميع أموالي, حالياً أعمل عاملاً عادياً".
وأكّد محمد وشاهر أنّه وبعيداً عن معاناة الهجرة الشخصية "هناك من يحسدنا على غربتنا كانوا يقولون لنا, جمعتم مصاري وهربتم من الحرب, لكنهم لا يعرفون صعوبة المعيشة والآلام التي نعيشها ونعانيها".
مساندة البعض بالغربة
كان الأصدقاء الثلاثة (محمد وشاهر وأنس) يجتمعون أيام العطل وكان هذا ما يخفف عليهم غربتهم بحسب ما قال محمد، بينما أردف شاهر "عندما كنا نسمع الأخبار السيئة من الشام ومن بلدنا, كنا نجتمع سويةً لنساند بعضنا".
وأوضح أنّهم في آخر لقاءٍ مع أنس وعددٍ من الأصدقاء, يخبرونهم بعودتهم لسوريا قالوا لهم "شو هسترتوا لحتى ترجعوا" أي، هل جننتم حتى تعودوا إلى سوريا.
هؤلاء الشباب الثلاثة كان لديهم نفس الحلم ونفس الهدف, ولكن الحرب فعلت فعلتها. وهناك الآلاف مثل محمد وأنس وشاهر, لا يزالون يعيشون حيرة العودة وخيبة الأمل.