لا حياة طبيعية في قرى شمالي الحسكة على الشريط الحدودي مع تركيا

الدرباسية – نورث برس

في قرية جطل، بريف بلدة الدرباسية، شمالي الحسكة، يستعجل محمد علي شيخ، في الصباح الباكر لقضاء حوائجه، تحسُّباً للقصف الذي قد يبدأ في أي لحظة.

يقول الرجل الخمسيني، “حياتنا نُرتِّبها بحسب القصف التركي، نحاول أن نُنهي أعمالنا قبل أن تسقط القذائف”.

ويعيش “علي شيخ”، كما باقي سكان قُرى وبلدات؛ على الشريط الحدودي مع تركيا، في شمال وشرقي سوريا؛ حالةً من عدم الاستقرار، بسبب القصف التركي الذي يمنعهم من ممارسة حياتهم بشكل طبيعي.

وأيام القصف، لا يتمكّن المزارعون من الاهتمام بأراضيهم ويتوقف العمال عن العمل، بينما تغلق المدارس أبوابها، وتُشل الحركة التجارية في الأسواق.

وخلال الآونة الأخيرة، صعّدت تركيا والفصائل الموالية لها؛ من وتيرة هجماتهم على المدن والقُرى والبلدات؛ المحاذية للشريط الحدودي.

ويصف “علي شيخ”، حالهم مع القصف، “قبل هذا الوضع لم نكن مضطّرون لحساب يومنا بهذه الطريقة، لم يعُد بمقدورنا حتى الاجتماع مع أهلنا وجيراننا وممارسة حياتنا كما السابق؛ انظر للوضع الذي أصبحنا فيه”.

وبات السكان يخشَون الخروج من منازلهم، حتى الأطفال يخافون الخروج للعب بعيداً عن أعيُن أهاليهم، خوفاً من تجدُّد القصف التركي، رغم أن المنازل نفسها لا تكون آمنة أثناء القصف.

وفي الشهر الماضي، حاله كحال الكثير من سكان القرية، ترك الرجل الخمسيني؛ منزله وتوجّه برفقة عائلته إلى القامشلي، بعد اشتداد القصف وعادت العائلة بعد أسبوع من توقُّف القصف.

ويُعبِّر عن استيائه من استمرار هذا الحال، “أرضي لم أذهب إليها منذ أسبوع، القصف لا يترُك لنا المجال لنُكمل عملنا أو نُعلِّم أولادنا”.

“لن نترك قريتنا”

وبحسب سكان، فإن القصف تارةً يكون بالقذائف، وتارةً أُخرى؛ تُطلق الجندرمة التركية؛ الرصاص العشوائي باتجاه القُرى المحاذية للحدود.

ورغم المخاطر، يصرُّ “علي شيخ”، على البقاء في قريته، “يريد الأتراك تهجيرنا من قُرانا، لكن لن نترك قريتنا، سأعيش وأموت في أرضي”.

والشهر الماضي، قصفت المدفعية التركية والفصائل الموالية لها، قُرىً حدودية بدءاً من ريفي عين عيسى وتل أبيض شمالي الرقة، مروراً ببلدتي أبو راسين وتل تمر، وصولاً إلى الدرباسية وعامودا والقامشلي، شمال وشمال غربي الحسكة.

وفي قرية تل حمدون، بريف بلدة عامودا، غربي القامشلي، يعيش سعيد خليل؛ (58 عاماً)، حالةً من القلق الدائم والخوف من التصعيد العسكري التركي، “نعيش تحت تهديد القصف، أخشى على أولادي ومنزلي من سقوط القذائف عليهم”.

ويقول بلهجته المحلية؛ “يومياً هناك قصف أو ضرب رصاص، الناس بدأت تكره حياتها، ما تشوف إلا الناس تركض، يلي رايح على شغلو يلف ويرجع عالبيت، يلي رايح يزور حدا يرجع بس بدو يوصل البيت”.

ويتساءل بنبرة غاضبة، “انظر بعينك، أين هي النقاط العسكرية في هذه القرية، كلهم مدنيّون، أطفال ونساء ورجال وكبار في السن، يا أخي عندما يضربون بيت من هذه البيوت الصغيرة؛ ماذا يظنونه؟ هل هو معمل أسلحة؟”.

“كيف نعيش؟”

وتسبّب القصف التركي المُتجدّد؛ بموجة نزوح محدودة بين سكان المناطق المستهدفة باتجاه المناطق الجنوبية  البعيدة عن الحدود.

ومع استمرار التهديدات التركية، تشهد مناطق الشريط الحدودي؛ زيادة واضحة في هجرة السكان لخارج البلاد أو نحو مدينة الحسكة، والمناطق البعيدة عن الحدود التركية.

ويتحدّث “خليل”، عن حالة الهلع التي تصيبهم أثناء اشتداد القصف، “يضربوننا بقذائف الهاون، تلك القذائف لها صوت كالرّعد، حين تسقط تثير غبار كثيف يحجب النظر، الأطفال من شدّة الخوف؛ يختبئون تحت الأغطية؛ ظنّاً منهم بأنها ستحميهم”.

ويُضيف بلهجته المحلية: “ماعاد نصلّح شي ببيوتنا لما تنضرب بقذيفة، لأنو متوقعين إنو يرجع الأتراك يقصفوا القرية ويهدموا البيوت، ونحن لا حول ولا قوة لنا”.

وتعاني زوجة “خليل”، من مرض السكري، وقد أخبره الطبيب بارتفاع سكر الدم لديها “نتيجةً لسوء حالتها النفسية”.

فيما يتساءل، يوسف منصور، (64 عاماً)، من سكان قرية تل زيوان، بريف القامشلي، عن سبب الهجمات التركية على شمال وشرقي سوريا، وأهلها الآمنين في منازلهم؟

ويظلّ الهاجس الأول للسكان أثناء القصف حماية الأطفال، يقول “منصور”، بلهجته المحلية؛ يلي عندو طفل برا يطلعمثل المجنون يدور عليه بس ليحميه، هما حاقدين علينا ولو إيش ماعملنا راح يضربونا، هدول  مايفرّقوا بين عسكري ومدني”.

ومع بدء العام الدراسي الجديد، ينتاب السكان القلق أثناء إرسال أطفالهم إلى المدارس، في ظلّ الخوف المستمر من تجدّد القصف التركي على قُراهم.

يُضيف “منصور”، “لقد عطّل الأتراك كل حياتنا؛ لا نعرف كيف نعمل؟ كيف نعيش؟ كيف سيتعلّم أطفالنا في ظلّ هذا التّوتر والقلق الدائم”.

إعداد: صلاح أوسكان – تحرير: سوزدار محمد