واشنطن تدعم الجيش الوطني وتُعيق الانفتاح بين أنقرة ودمشق

القامشلي ـ نورث برس

تواجه مناطق سيطرة فصائل المعارضة السورية في الشمال السوري، تحدٍّ جديد يتمثّل بمحاولات تشكيل جسم عسكري موحَّد بدعمٍ أميركي، يأتي هذا في ظلّ مساعي أنقرة لإعادة العلاقات مع دمشق.

ونقل موقع الأخبار اللبناني المُقرّب من الحكومة السورية، عن مصادر ميدانية معارضة، قولها إن مشروع تشكيل جسم عسكري جديد يأتي “استجابةً لمساعي الولايات المتحدة في خلق بيئة مناسبة لتنمية استثمارات تستهدف من خلالها إنعاش المنطقة، ضمن خطّة أوسع غرضها ترسيخ حدود السيطرة الحالية، وإفشال مسار أستانا”.

وكانت روسيا، دعت الولايات المتحدة؛ لحضور اجتماعات أستانا بصفة “مراقب” لكنها امتنعت، بحسب تصريحات نائب وزير الخارجية الروسي، ميخائيل بوغدانوف.

وكشفت المصادر، أن مسؤولين أميركيين، وخلال لقاءات عدّة مع ممثّلين عن قِوى في المعارضة السورية (الائتلاف المعارِض والحكومة السورية المؤقتة) التابعة له، طرحوا ضرورة إعادة تشكيل الجيش الوطني.

كما شدّدوا على ضرورة “وضع حدّ للنزاعات الفصائلية التي ستُعيق عملية إنعاش المنطقة اقتصادياً، بالإضافة إلى إشراك وجوه شعبية جديدة في إدارتها أمنياً”.

وتواصلت نورث برس، مع مكتب التوجيه المعنوي التابع للجيش الوطني، للاستفسار عن معطيات الموضوع؛ إلا أن المكتب رفض التصريح، ولكنه في نفس الوقت لم ينفِ صحة المعلومات، معتبراً أن له “أبعاداً سياسية تضرُّ بالوضع السياسي والعسكري في المنطقة”.

ومع الطرح الأميركي، جرى حديث خلال الأيام الماضية، عن تشكيل إدارة مؤلّفة من 28 عضواً، تضمّ سبعة ممثّلين عن الفيالق الثلاثة التي يتشكّل منها الجيش الوطني، بالإضافة إلى سبعة آخرين من وجهاء المناطق.

ففي السادس عشر من هذا الشهر، أعلنت فصائل الجيش الوطني السوري، بمشاركة شخصيات سياسية، تشكيل “مجلس ثوري موحّد”؛ بهدف توحيد كل من القيادة العسكرية وإنهاء حالة الانقسام والاحتراب، وإدارة الموارد الاقتصادية والحواجز والقِوى الأمنية، والمكاتب القانونية والرقابة والعلاقات العامة.

استثمار تحرير الشام

ويأتي الإعلان على خلفية مبادرة أطلقها مدير إدارة التوجيه المعنوي بالجيش الوطني السوري، حسن الدغيم، مع العديد من الشخصيات الأكاديمية السورية.

وأشار مصدر “الأخبار”؛ أنه تدور شكوك في الأوساط المعارِضة “حول يد تركيّة في تخريب مشروع الإدارة الموحّدة المُشار إليه”، خصوصاً أن ممثّلي الاستخبارات التركيّة، رفضوا خلال الفترة الماضية، ثلاث مقترحات تَقدّمت بها الفصائل لتوحيد نشاطها.

وطُرحت المبادرة لأول مرة؛ عقب دخول هيئة تحرير الشام، إلى جندريس وعفرين، بريف حلب الشمالي؛ لدعم “حركة أحرار الشام- القاطع الشرقي” (الفرقة-32)، في مواجهة الجبهة الشامية (الفيلق الثالث)؛ في حزيران/ يونيو، الماضي؛ قبل انسحابها بوساطة تركية.

وسبق ذلك، أن طرح العديد من الأطراف أيضاً مبادرة مُشابهة؛ في شهر شباط/ فبراير، من هذا العام، بالتزامن مع تفاصيل محاسبة قائد فصيل “سليمان شاه”، محمد الجاسم (أبو عمشة).

والشهر الماضي، خرج مئات المُحتجّين، في مدن: عفرين، وأعزاز، ومارع، والباب، وجرابلس، وبلدة أخترين بريفي حلب الشمالي والشرقي، شمالي سوريا، لحثّ فصائل المعارضة السورية على التوحُّد وفتح الجبهات ضدّ قوات الحكومة.

والهدف من التشكيل الإداري الجديد “مأسسةُ نشاط الفصائل، وتشكيل إدارة واحدة للمعابر ومصادر التمويل، ومنْع محاولات أيّ فصيل بتوسيع دائرة سيطرته”.

لكن الطرح قُوبِل برفضٍ من فصائل عدّة مرتبطة بالاستخبارات التركية، من بينها “سليمان شاه” و”الحمزة”.

وعلى خلفية ذلك، صدر قرار بفصل الجماعتَين من “الفرقة الثالثة”، الأمر الذي يُثير المخاوف من إشعال فتيل مواجهات أخرى مستقبلاً؛ في ظلّ تمسُّك الفصيلَين بموقفهما، ومحاولات مُنافسيهما السيطرة على مناطقهما.

ونقلت صحيفة “العربي الجديد”، عن مصادر محلية؛ مُقرّبة من شخصيات اعتبارية مؤثِّرة في الشمال السوري من بين التي قدّمت المبادرة للجيش الوطني، أن الاتفاق “ما يزال في طور المداولات”، مُضيفةً أنه “لا يوجد شيء رسمي حتى اللحظة، ولكن نرجو أن نشهد تشكيل هذا المجلس”.

ويعيد ذلك إلى الواجهة؛ الرغبة التركية في استثمار هيئة تحرير الشام، وتمهيد الأرض لها لتوسِّع سيطرتها نحو شمال حلب، في ظلّ موثوقية تبعية زعيمها، أبو محمد الجولاني، و”نجاح” مشروعه في إدلب، والشكّ المتزايد في طبيعة العلاقات التي بدأت تنمو بين فصائلٍ من المعارضة والولايات المتحدة، بحسب الموقع اللبناني.

عوائق وتوافق الانفتاح التركي على دمشق

ويأتي هذا، بالتزامن مع مواصلة تركيا إبداء رغبتها في الانفتاح على دمشق، والتطبيع معها وسط ترحيب روسيا؛ التي سارعت باقتراح عقدِ لقاء على مستوى وزيري الخارجية، تمهيداً لآخَر على مستوى الرئيسين.

ولكن هذه الرغبة محفوفة بعوائق مرتبطة بسياسات أنقرة، وأخرى بالسّعي الأميركي لسحب ورقة المعارضة السورية من يد تركيا.

وتبذل موسكو بالتعاون مع طهران، وفق مسار أستانا، وسعها لإزالة العوائق بين دمشق وأنقرة، وحثّت الخُطى بعد التسريبات حول زيارة لرئيس الاستخبارات التركية، هاكان فيدان، إلى سوريا، وعقْده سلسلة اجتماعات مطوّلة مع نظيره السوري علي مملوك، رافقتها أيضاً، وفقَ الخارجية الروسية، لقاءات بين مسؤولين عسكريين من البلدَين.

وكانت تسريبات تركية، تناقلتها صحف عدّة، من بينها صحيفة “صباح” المقرّبة من حزب العدالة والتنمية الحاكم، تطرّقت بشكلٍ غير مباشر إلى الثوابت التي حدّدتها دمشق لأيّ انفتاح على أنقرة، والمتمثّلة في انسحاب تركيا من الأراضي السورية، ووقْف دعمها للفصائل المسلّحة.

وهذه الشروط تُشكّل عائقاً أمام التقارُب بين البلدَين، في ظلّ رغبة تركيا؛ بإبقاء قوّاتها في الشمال السوري في الوقت الرّاهن، والانسحاب في وقتٍ لاحق وفق شروط، من بينها “إبعاد قوات سوريا الديمقراطية عن حدودها”.

ويظهر توافق بين الجهود التركية للتخلُّص من اللاجئين السوريين، وتلك التي تبذلها دمشق وموسكو، لإعادة اللاجئين من دول الجوار، وهو ما يُشكِّل أرضية أولى للحوار السوري ـ التركي.

ومن بين العوائق التي قد تعرقل الانفتاح التركي على دمشق، تَوسُّع الدور الأميركي في المنطقة، ورغبة واشنطن في إبقاء الوضع الراهن على ما هو عليه، بما يخدم مصالحها، ويضمن استمرار وجودها العسكري في المناطق النفطية، بحسب مصدر موقع “الأخبار” اللبناني.

وعلى الصعيد العسكري، كثّفت قوات الحكومة وروسيا، قصفها لتجمُّعات عناصر هيئة تحرير الشام، وزاد القصف التركي لمناطقٍ في شمال شرقي سوريا، والتي يوجد فيها نقاط للجيش السوري.

ورغم ما سبق، إلا أنقرة تُظهر عبر السرديّات السياسية العديدة التي يجري تداولها في الصُحف المقرّبة من العدالة والتنمية، رغبة كبيرة في “إنجاح” عملية التّطبيع مع دمشق، واعترافاً ضمنياً بفشل السياسة المُتّبعة سابقاً تجاه سوريا.

إعداد وتحرير: قيس العبدالله