إنتاج القمح للسنة الثانية توالياً يسجل تراجعاً شمالي الحسكة

تل تمر – نورث برس

بعد شقاء موسم كامل، يضع المزارع قاسم محمد ( 75عاماَ) يديه خلف ظهره وهو ينظر بيأس إلى محصوله الذي بالكاد يجنبه خسائر تكاليف زراعته، بعدما تسبب الجفاف، للسنة الثانية توالياً، بخسائر للمزارعين في مناطق شمال شرقي سوريا.

وتسبب الانحباس المطري جراء التغير المناخي بتراجع كبير في كميات الإنتاج للمحاصيل الاستراتيجية في مناطق شمال شرقي سوريا، الأمر الذي يهدد الأمن الغذائي للمنطقة، بالإضافة إلى أن القمح يعتبر الركيزة الأساسية كمصدر دخل لشريحة واسعة من السكان وأبرز دعائم الاقتصاد لعموم البلاد.

وعلى بُعد 15 كم جنوبي بلدة تل تمر بريف الحسكة، أوشكت الحصادة الزراعية الانتهاء من حصاد محصول “محمد” من القمح المروي ضمن مساحة 130 دونماً، إلا أن تقديرات المزارع للإنتاج بالكاد تغطي تكاليف محصوله.

ويقول لنورث برس: “لقد كان موسماً صعباً بسبب قلة المحروقات التي اشترينا أغلبها في نهاية الموسم من السوق السوداء بأسعار باهظة، كما كان لقلة الأمطار دور كبير أيضاً”.

ويشير إلى أنه بالكاد ينتج الدونم الواحد ما بين كيس ونصف إلى اثنين (يزن كل كيس ما بين 100 إلى 110 كغ).

وشكل جفاف نهر الخابور الذي يعد المصدر المائي الرئيسي للري في منطقة الحسكة، بعد قطعه من قبل تركيا، الضرر للمزارعين الذين اضطروا إلى شراء كميات من المحروقات من السوق السوداء بأسعار مرتفعة لري محاصيلهم عبر الآبار، في ظل قلة الكميات وتأخر الإدارة الذاتية في عملية التوزيع.

“مقومات غائبة”

وتحت لهيب أشعة الشمس، يوضح “محمد”، أنه بعد انتظار موسم كامل لن يدرَّ محصوله بالأرباح التي كان يتوقعها، مشيراً إلى أن المواسم الزراعية باتت تتجه نحو الأسوأ.

ووفقاً لإحصائيات مديرية الزراعة في بلدة تل تمر، فقد بلغت كمية إنتاج القمح للموسم الحالي في منطقة تل تمر إلى الآن قرابة 25 ألف طن،  بينما تشير التقديرات بأن تصل إلى ضعف الكمية الراهنة.

وبحسرة يقول المزارع حاتم العايد (55 عاماً)، إنهم كمزارعين يفتقرون إلى مقومات الزراعة، الأمر الذي كبدهم خسائر مادية في مصدر رزقهم الرئيسي.

ويضيف، وهو يقف بين أرضه التي أنهى حصدها قبل أيام، “نحن كمزارعون ليس لدينا السماد والمازوت، بالإضافة إلى أعطال المولدة الكهربائية المتكررة، لا يوجد مقومات للزراعة حتى تنتج أراضينا كميات جيدة”.

وفي قريته (المنتفعين) جنوبي بلدة تل تمر، لم ينتج محصول “العايد” من القمح، على مساحة 6 دونم، ما كان يأمله بعدما أثقلت تكاليف الزراعة كاهله، حيث جنى نحو خمسة أكياس فقط.

ويؤكد هو الآخر بدوره تأثير الجفاف على الإنتاج الزراعي، “كما ترون الطقس تغير والتصحر بات على امتداد النظر، مقارنة مع السنوات الفائتة التي كانت المواسم فيها جيدة، حالياً المواد باهظة والإنتاج ضعيف”.

وواجهت هيئة الاقتصاد والزراعة في الإدارة الذاتية لشمال وشرق سوريا، صعوبات مع بداية العام الزراعي الحالي جراء النقص في كميات البذار ضمن مستودعاتها خلال العام الماضي، وفقاً لتصريح سابق لسلمان بارودو، الرئيس المشترك للهيئة لنورث برس.

وهو ما دفع مزارعين لشراء البذار من السوق بسعر 1500 ليرة لكل كيلوغرام، فضلاً عن المحروقات التي يصل سعرها إلى ضعفي سعرها الأساسي في محطات الوقود.

عزوف عن الزراعة

وفي ظل الصعوبات التي واجهت المزارعين من ناحية المقومات، إلا أن المراقبين في الشأن الزراعي يقولون إن تراجع الزراعة خلال العامين الأخيرين بريف الحسكة، يعود إلى عزوف الكثير من المزارعين عن الزراعة جراء القصف والتهديدات التركية المتكررة على المنطقة.

وتعتبر بلدة تل تمر منطقة ساخنة بعدما تحولت لخط تماس بين مجلس العسكري السرياني والقوات الحكومية من جهة، والقوات التركية وفصائل المعارضة المسلحة الموالية لها، من جهة أخرى، منذ تشرين الأول / أكتوبر 2019.

وتقصف القوات التركية بالأسلحة الثقيلة بين الحين والآخر، مما يشكل مخاوف كبيرة على حياة السكان ومحاصيلهم الزراعية، بالرغم أن المنطقة تشملها اتفاقية وقف إطلاق النار المبرمة بين روسيا وتركيا قبل ثلاثة أعوام.

ويقول العايد بقلق: “الوضع الأمني أيضاً له تأثير كبير، حالياً أفكر بزراعة القطن لكن نسمع بين الحين والآخر أصوات القذائف وهذا يخلق عدم الطمأنينة والارتياح لدينا’”.

ويضيف: “الزراعة هي مصدر عيشنا، إذا طالها القصف أو هاجمتنا تركيا سوف نتدمر مادياً”.

إعداد: دلسوز يوسف- تحرير: سوزدار محمد