تخثر الدم يصيب فئة عمرية من الشباب السوري والأسباب مختلفة
دمشق- نورث برس
لم يكن يدري عمران دياب، طالب الثالث الثانوي من مدينة حمص، أن دماغه لن يحتمل ضغط الامتحانات، لتدخل والدته وتراه يحتضن كتابه، فنام إلى الأبد قبيل صباح الامتحان الأول في الشهادة الثانوية بجلطة دماغية.
وهناك في ساحة الهدى بمنطقة المزة، غرب دمشق ومنذ أسبوعين تقريباً، بينما كان محمد أحمد (33 عاماً) وهو سائق تكسي من مدينة دمشق، ينادي على الركاب، وقعَ على الأرض بسبب أزمة قلبية ولم يكمل طريقه إلى البرامكة.
وفي التاسع والعشرين من الشهر الماضي، توفي الصحفي عقبة الصفدي (28 عاماً) الذي كان يعمل 16 ساعة يومياً إثر جلطة قلبية مفاجئة.
وقال أصدقاء الصحفي لنورث برس، إن موت صديقهم، نبه المقربين والعاملين في الصحافة أن “لا شيء يستحق التعب في هذه الحياة”.
وكثيرة هي الأخبار التي تتحدث عن الجلطات القلبية والدماغية، التي لا تميز بين شاب وفتاة أو كبير وصغير، لكنها وحسب الملاحظ وتصريحات الأطباء، ازدادت مؤخراً وبكثرة بين الشباب والشابات ممن تتراوح أعمارهم/ن بين 20 و40 عاماً.
وتقول منظمة الصحة العالمية إن الجلطة الدماغية غير شائعة لدى الأشخاص دون 40 عاماً وعندما تحدث فإن السبب الرئيسي هو ارتفاع ضغط الدم.
ويصاب 15 مليون شخص حول العالم بسكتة دماغية سنوياً، خمسة ملايين يموتون وخمسة ملايين يبقون عاجزين بشكل دائم، بحسب المنظمة العالمية.
فيما يعد اتّباع نظام غذائي غير صحي وعدم ممارسة النشاط البدني وتعاطي التبغ والكحول على نحو ضار، من أهم العوامل السلوكية التي تؤدي إلى حدوث أمراض القلب والسكتة الدماغية، بحسب المنظمة.
وفي ظل ازدياد حالات الجلطات بين فئة الشباب في سوريا، يرجح البعض أن الضغوط النفسية اليومية من الأسباب المحتملة لحدوثها.
وفي هذا الصدد قال محمد محمد (33 عاماً) وهو اسم مستعار لطبيب اختصاص قلبية ويكمل دراساته العليا في جامعة دمشق، إن هناك جملة عوامل تتعلق بالجلطات القلبية عند الشباب والشابات منها عوامل وراثية تتعلق بالعائلة، ومنها الشحوم والدهون والكحول والكولسترول وغيرها من الأسباب التي تحتاج سنوات للدراسة.

ونفى الطبيب أن يكون الضغط النفسي سبباً مباشراً للجلطة، لكنه أشار إلى أنه، وبحسب الدراسات، فإن الشريان يكون مبطناً من الداخل وتأتي طبقات تكلسية وشحمية وتتراكم عليه على مدار السنين، ويأتي نمط الحياة والتدخين والضغط النفسي كأسباب لزيادة تراكم هذه الطبقات، لتستقر الحالة وتتحول إلى جلطة خطيرة.
وزاد على ذلك أن “الشدة النفسية حسب رأيي الشخصي دورها هنا في هذه الحالة، الشدة النفسية ترفع الأدرنالين في الجسم والذي بدوره يسرع ضربات القلب وتنقبض الأوعية فيمكن تمزق العصائد الشحمية وتشكل عليها خثرات”.
وشدد الطبيب على أن الحزن لا يمكن أن يؤدي للجلطة بحسب الدراسات، “لكن هذه النتيجة تتنافى مع منطق ما يحدث في سوريا من إصابات لشباب بجلطات نتيجة عوامل نفسية وخصوصاً بعد نفي كل العوامل الوراثية”.
تحذيرات
ومنذ عشرين يوماً، تحدث رئيس الهيئة العامة للطب الشرعي في دمشق، زاهر حجو، للصحافة المحلية في مناطق سيطرة الحكومة السورية، عن ارتفاع نسبة الوفيات بين الشبّان نتيجة الإصابة باحتشاء عضلة القلب ومن بينها حالات سجلت ضمن العاملين في القطاع الطبي.
وفي منتصف نيسان/ أبريل الفائت، حذر رئيس قسم الإسعاف في الهيئة العامة لـ”مشفى الباسل” لأمراض وجراحة القلب بدمشق، منار العقاد، من زيادة الأزمات القلبية بين الشباب خلال الفترة الأخيرة، خلال تصريحه لإذاعة شام إف إم المحلية.
وقال “العقاد” حينها إن نسبة عدد مراجعي إسعاف المشفى بأعمار بين الـ20 والـ40 عاماً، نحو 10 في المئة من المراجعين، وكشف أن أصغر حالة توفيت نتيجة نقص التروية القلبية كانت حالة بعمر الـ 24 عاماً.
“هذا حال شباب سوريا”
يذكر إياد محمد(36 عاماً) وهو اسم مستعار لمهندس في المصرف المركزي وينحدر من مدينة القرداحة، لنورث برس، أنه بات يتناول الأسبرين (مميعات الدم) بعد استشارة طبيب مختص وذلك خوفاً من الجلطات القلبية والدماغية.
ويقول: “أخاف أن أموت بجلطةٍ على سريري، أشعر أن دماغي لا يتوقف عن التفكير مطلقاً حتى عند النوم”.
ويشير المهندس إلى أن الشباب السوري اليوم، “يموت ألف مرة ومرة، يفكر كيف يتدبر أموره المعيشية ومستقبله مجهول الهوية”.
وعن حياته الخاصة وكيف يقضي وقته أيام العطلة، يجيب: “أقضيها في ترتيب المنزل وإعداد الطبخات للأسبوع القادم، وأمشي مع رفاقي ورفيقاتي في حديقة الجلاء، هذه هي وسيلة التفريغ المجانية التي يتيح لي معاشي الشهري أن أقوم بها”.
وفي المقابل تقول زينة علي (45 عاماً) وهو اسم مستعار لمحامية من مدينة طرطوس، إنهم حتى أثناء الترفيه يتحدثون مع الأصدقاء عن الهموم وكيف سيكملون حياتهم في هذه البلاد، “نتحدث عن الغاز والمازوت والوضع الاقتصادي وكل أنواع ضغوط الحياة الأخرى”.
ويعقب صديقها همام نور (35 عاماً) وهو اسم مستعار لمحام من حلب يعمل مع “علي” في مكتبٍ واحد بدمشق، “كل يوم عن يوم بحس قلبي رح يوقف وبخاف فعلاً من كثر حالات التجلطات التي أصابت الشباب والصبايا، بقول ما بدي فكر، بس ما بحس بحالي إلا عم فكر”.
ويضيف المحامي: “هذا حال شباب سوريا الذين يعيشون داخل مناطق سيطرة الحكومة السورية التي تضيق الخناق عليهم اقتصادياً يوماً بعد يوم”.