السوريون ليسوا بحاجة لـ(أوكرانيا) لحل مأساتهم

لم تكن مشكلة السوريين هي عدم قدرتهم على إثبات الجرائم ضد الإنسانية وجرائم الحرب التي تعرضوا لها بكل المناطق هي المشكلة، لإقناع المجتمع الدولي بضرورة التحرك لإيجاد حل سريع لمأساتهم, كي يكونوا بحاجة لاستخدام ما يحصل الآن في أوكرانيا لإقناع المجتمع الدولي أن الحالتين متطابقتين، وأنه كما تحرك هناك بشكل كبير جداً وفعال فإنه يجب أن يتعامل مع الحالة السورية بنفس الطريقة؟.

رغم أن الدولة المطلوب التصدي لها بالحالتين هي نفسها (روسيا)، لكن الفارق بين الحالتين كبير سواء في الجغرافية السياسية والموقع الخطر لأوكرانيا على حدود أوروبا والناتو وروسيا, سواء في أن من يقاتل ويطلب المساعدات هناك هو الرئيس الشرعي وجيش البلد المدرب عسكرياً  وذو عقيدة قتال وطنية أو في مقدار مساحة البلد وعدد سكانها وثرواتها.

فما جرى في سوريا موثق بطريقة دقيقة وقانونية تصلح للتقديم في أهم المحاكم بالعالم وتشمل آلاف الأدلة (وثائق رسمية – صور – فيديوهات – اتصالات صوتية بين القيادات المختلفة – تسجيلات لأوامر بالقتل من أعلى قيادات الأجهزة والأمن). هذه الأدلة وفقاً للمدعي العام السابق لجرائم الحرب السفير ستيف راب فإن “مجموعة من التي تم جمعها ضد الرئيس السوري أقوى حتى مما استخدمه الحلفاء لإدانة النازيين في محاكمة نورمبرج.

ولكن بالمقابل فإن استغلال ما يجري في أوكرانيا مهم جداً ويندرج تحت باب الحنكة السياسية وذلك لخدمة مصلحة السوريين ولكن هذا يتطلب فريقاً سياسياً خبيراً محنكاً يقتنص نافذة الفرص المتاحة, يكون متصدراً لقيادة المعارضة المتنوعة ويحسن التنسيق بينها, يدرك نقاط القوة والضعف التي يستند عليها, يرسم سيناريو شامل ويحشد التأييد له من اطياف المعارضة المختلفة ومن الدول الفاعلة بالملف السوري.

سوريا اليوم مقسمة بين أربع حكومات لكل منها مساحة جغرافية وعدد سكان محدد ثلاثة منها لها هرمية إدارية وتراتبية واضحة ومركزية مالية بينما تتوزع الصلاحيات الإدارية في منطقة شمال غربي سوريا (التي تحت النفوذ التركي) ضمن ثلاثة ولاة أتراك مختلفين مما يجعل عملية النهوض الاقتصادي والخدمي أصعب وتتم بدون تنسيق أو تكامل فيما بينها؟.

المرحلة الحالية وكما هو واضح, أن العمليات العسكرية والقصف الذي يوقع عشرات القتلى يومياً ليست متاحة، والتحدي اليوم أمام القيادات المختلفة هو إعادة البناء وإدارة الملف الاقتصادي.

التحديات الاقتصادية وجلب الاستثمارات وخلق فرص عمل تحتاج لمهارات وخبرات مختلفة عن إدارة القتال والحرب وبالتالي هناك حاجة بكل المناطق للاستعانة بخبرات استشاريين لتحسين واقع الحياة للسكان بكل منطقة والذي بدونه فإن الشباب الذي لا يجد فرصة عمل ويعيش تحت خط الفقر بعيداً عن التعليم الرسمي هو أسهل شريحة للاستقطاب من قبل المتطرفين والإرهابيين وهذا ما سيشكل تباعاً مشاكل كبرى لكل المناطق.

بعد حوالي شهر سيبدأ موسم حصاد القمح والذي وبسبب ما يجري في أوكرانيا، ارتفع سعره عالمياً وزادت صعوبة الحصول عليه وهو ما سيخلق توتراً بين المناطق من أجل المحافظة عليه في كل منطقة لتأمين أمنها الغذائي وهذا سيخلق تحد أمام الإدارات في عملية الحصاد والشراء وتأمين الأموال اللازمة للشراء والتخزين الجيد.

نافذة فرصة أوكرانيا لن تكون متاحة أمام السياسيين السوريين للأبد وضروري جداً أن يرتقوا لهذا الحدث بعيداً عن الخلافات الشخصية والتمسك بالمناصب والمهاترات حول الحصص.