التوقيت التركي لتفكك الائتلاف السوري

رغم كل محاولات رئيس الائتلاف السوري المعارض، سالم المسلط، تبرير ما سماه بالحركة الإصلاحية داخل الائتلاف، بعد فصل 17 عضواً منه، إلا أنها لم تقنع حتى أقرب المقربين إليه، ولعل هذا ما يطرح السؤال الجوهري، وهو، هل ما جرى كان عملية إصلاحية فعلا أم أنه كان قراراً  تركيا؟.

في الواقع، الحديث عن الدور التركي لا بد أن يقودنا إلى جملة عوامل سبقت ما جرى للائتلاف، لعل أهمها:

1- عندما دعا مكتب رئيس الائتلاف الأسبق، رياض حجاب، قبل فترة إلى اجتماع لأقطاب المعارضة في الدوحة بغية توحيد صفوفها، سرعان ما تحركت تركيا، وقد نجحت عبر مساعيها المتعددة في جعل الاجتماع مجرد ندوة فاشلة لا أثر لها.

2- على وقع فشل اجتماع الدوحة، أغلقت حكومة حزب العدالة والتنمية الحاكم، سلسلة مكاتب للائتلاف في تركيا، كان أبرزها مكتب أنقرة الخاص بالتنسيق مع الحكومة التركية بخصوص اللاجئين، ورغم محاولة وضع هذه الخطوة في إطار تخفيف الأعباء المالية والادارية، إلا أن الثابت أنها جاءت تعبيراً عن خطة تركية مسبقة للتخلي عن الأعباء المترتبة عليها من جراء علاقتها العضوية مع الائتلاف، وبالملف السوري عموماً.

3- إن توقيت ما سمي بالخطوة الإصلاحية داخل الائتلاف، له علاقة مباشرة بالتحولات والتبدلات التي تشهدها السياسة الإقليمية التركية، وعليه مهما حاول المسلط ومن حوله، القول إن الخطوة كانت بقرار خاص من الائتلاف، إلا أنه لا يمكن فصلها عن توقيت الانفتاح التركي المستميت على الإمارات ومصر وإسرائيل والسعودية..

بوصف الائتلاف تعبير سياسي عن مساحة اشتباك إقليمي، ولعل ما يدعم هذا الاعتقاد، هو التخلي التركي التدريجي عن جماعات الإسلام السياسي، وتحديداً الإخوان المسلمين، حيث يعرف الجميع أن من يتحكم بالائتلاف هم جماعة الإخوان المسلمين، وما يثبت صحة هذا الاعتقاد، هو أن الكتلة المستهدفة من عملية (الإصلاح) كانت من الأقطاب الأساسية للإخوان المسلمين، وعلى رأسهم أحمد رمضان الذي يعمل تحت اسم رئيس حركة العمل الوطني من أجل سوريا رغم أنه من القيادات النافذة في جماعة الإخوان.

قد يسأل البعض عن أسباب دفع تركيا الائتلاف إلى التفكك باسم الإصلاح، ويسأل عن مصلحتها في ذلك، خاصة أنها هي التي وقفت وراء تشكيله وإدارته طوال العقد الماضي، ولفهم ذلك لا بد من النظر إلى جملة عوامل لها علاقة مباشرة بالسياسة التركية في المرحلة المقبلة،

ومن أهم هذه العوامل:

1- أن تركيا تستعد لانتخابات مفصلية في صيف العام المقبل، وتدرك حكومة حزب العدالة والتنمية أن الملف السوري، وعلى رأسه ملف اللاجئين السوريين بات عبأً كبيراً عليه، وأن المطلوب هو اتخاذ سلسلة خطوات لمنع استغلال المعارضة هذا الملف لصالحها في الانتخابات، خاصة في ظل تصاعد شعبية المعارضة، وعليه ما جرى للائتلاف ليست سوى خطوة في سلسلة خطوات ستشهدها سياسة حكومة حزب العدالة والتنمية إزاء الملف السوري في المرحلة المقبلة لتحسين صورته الانتخابية.

2- لا يمكن النظر إلى ما جرى للائتلاف بعيداً عن الإشارات الكثيرة التي ترسلها تركيا إلى الحكومة السورية في دمشق، على شكل استعداد للحوار، والحديث عن شروط لفتح صفحة جديدة معها، ومع التحولات التي تشهدها السياسة التركية، والسعي الحثيث للانفتاح على مصر والسعودية، إذ أن مثل هذا الأمر سيصبح على قائمة أولوية السياسة التركية في المرحلة المقبلة، خاصة أن سوريا تشكل جسراً اقتصادياً وتجارياً لها إلى الدول العربية، فيما فتح صفحة جديدة معها، يعني الانتقال إلى العمل المشترك لوأد تجربة الإدارة الذاتية في شمال شرقي سوريا، وهذا في صلب السياسة التركية.

3- مع استمرار الحرب الروسية على أوكرانيا، تدرك تركيا أن قضية اللاجئين السوريين لم تعد قضية تحظى بأهمية لدى المجتمع الدولي الذي بات جل اهتمامه ينصب على اللاجئين الأوكرانيين، وحسابات تركيا هنا، هي حسابات الربح والخسارة، وعليه لا تريد تحمل المزيد من الأعباء وإنما التخفيف منها.

4- إن التوجه التركي في المرحلة المقبلة يقوم على تعويم الحكومة المؤقتة برئاسة عبد الرحمن مصطفى على حساب الدور الذي كان يقوم به الائتلاف، وهذا مؤشر مهم في كيفية تعامل تركيا سياسياً مع الملف السوري، لاسيما في ظل فشل اللجنة الدستورية، وانتهاء مفعول مسار أستانا – سوتشي، ولا يعني مثل هذا الأمر التخلي عن دعم الجماعات المسلحة لطالما تشكل الأخيرة أداة لتنفيذ أجنداتها هنا وهناك.

بعيداً عن البعد التركي فيما جرى للائتلاف، السؤال الجوهري الذي يطرح نفسه هنا، ما هو مستقبل الائتلاف؟ ثمة من يرى أن الائتلاف خسر معركته ضد النظام السوري، وأنه بات يسير نحو التفكك الأكيد، لاسيما بعد إخراج أربعة كتل من مكوناته، وإعلان بعض المفصولين منه عن تشكيل تيار الإصلاح، فالاتهامات المتبادلة بالخيانة والانقلاب والكذب … بين أقطابه باتت سيد الموقف، والأهم هو خسارته مصداقيته حتى في حاضنته. تركيا انقلبت على سياستها السابقة التي عرفت بدعم ثورات الربيع العربي، وهي في طريقها إلى ذلك تقول: الفاشلون يلقون على قارعة الطريق، والفاشلون هنا، هم الجماعات التي ربطت مصيرها بتركيا، من الإخوان إلى الائتلاف بمكوناته المختلفة.