باحثون أمريكيون لـ"نورث برس": انتشار الجهاديين في تل أبيض يهدّد المنطقة والعالم بعودة التطرف
واشنطن - هديل عويس ـ NPA
في حزيران/يونيو العام 2015، كتبت مجلة النيويوركر، "سيطرت أخيراً وحدات حماية الشعب على تل أبيض، المدينة الحدودية السورية التي انتقلت من منطقة سيطرة "للجيش السوري الحر" الى بلدة يستخدمها تنظيم "الدولة الاسلامية" كنقطة تهريبٍ رئيسيةٍ للمقاتلين والمعدات التي تنتقل من تركيا الى عاصمة الخلافة المزعومة في الرقة.
واستطردت المجلة، "هزيمة الدولة الاسلامية في تدمر وانتصارات الجيش العراقي في الرمادي أدت الى حرمان الدولة الاسلامية من الكثير من طرق الإمداد، الخسارة التي تعززها اليوم سيطرة وحدات حماية الشعب على تل أبيض".
وفي نفس الشهر من نفس العام، كتبت "الوول ستريت جورنال"، "وحدات حماية الشعب تحرم الدولة الإسلامية من خط إمدادٍ رئيسيٍ بتحرير مدينة تل أبيض".
وأضافت "في هجومٍ سريعٍ وناجحٍ تم تحرير مدينة تل أبيض عبر الجهود التي دعمتها الولايات المتحدة مقدمةً نموذجاً ناجحاً للطريقة التي يمكن تحرير المنطقة فيها من التنظيمات المتطرفة".
وفي تصريحاتٍ "للوول ستريت جورنال" قال المسؤولون الأمريكيون أنّ تحرير تل أبيض يعتبر انتصاراً كبيراً إذ يحرم تنظيم "الدولة الاسلامية" من المقاتلين الأجانب والإمدادات الاخرى التي كانت تتسرب عبر تل أبيض.
وبالتزامن أيضاً مع الحملة لتحرير تل أبيض من التنظيم المتطرف، كانت "الواشنطن بوست" قد كشفت عن اهمية تحرير أقرب نقطةٍ احتلها تنظيم "الدولة الاسلامية" من الحدود مع تركيا، حيث كتبت الصحيفة "مقاتلوا التنظيم أمام الحملة لتحرير المدينة لاذوا بالفرار أمّا الى الرقة عاصمة خلافتهم أو الى داخل تركيا".
وفتحت "الوول ستريت جورنال" في العام 2014، تحقيقاً في طريقة بيع جهاديي "الدولة الاسلامية" وغيرها من التنظيمات المتطرفة للنفط عبر الحدود السورية – التركية بواسطة تعويم الوقود في الأنهر على الطوافات أو ضخه عبر الانابيب تحت الأرض أو عبر الخيول والبغال ليجد النفط المهرَّب سوقاً له جنوب تركيا، حيث أكّد تحقيق "الوول ستريت جورنال" أنّ تركيا كانت تتغاضى بشكلٍ كاملٍ عن تجارة الوقود غير المشروعة التي استفاد متطرفون من عائداتها.
وتقول ايرنا تسوكرمان - محلّلة الأمن القومي من واشنطن لـ"نورث برس" أنه يجدر التعمق فيما حدث في العام 2015 لفهم تبعات الخشية اليوم من مستقبل المنطقة التي احتلتها تركيا ومستقبلها حيث كانت تل أبيض نقطة إمدادٍ وتهريبٍ أساسيةً لتنظيم "الدول الاسلامية" عبر الحدود التركية، وبعد تحريرها الكثير من المقاتلين الذي كانوا مع التنظيم بقوا في المنطقة على الحدود أو دخلوا تركيا كما نعرف ويعرف الجميع وبالتالي تركيا وأهداف أمنها القومي لا تتركز على منع هؤلاء المقاتلين من اعادة الانتشار والنشاط".
وتضيف، في ضوء هذه الحقائق، فان طرد الكرد والأقليات من المنطقة يعني أن وضع إدلب التي تسيطر عليها جماعاتٌ متطرفةٌ سيتكرر في تل أبيض، وهناك أسبابٌ وجيهةٌ للاعتقاد بأنّ تنظيم "الدولة الاسلامية" سيكون لديه كل الاتاحة ليعود الى المنطقة الامنة له بعد ابعاد الوحدات الكردية.
وترى ايرنا، أنّه لو دققنا أيضاً بوضع الوحدات الكردية وفترة حكمها لهذه الحدود نرى أنها لم تتعرض للأمن القومي التركي بأيّ تهديدٍ لا من ناحية الاعتداء العسكري ولا من ناحية التخطيط والدعم.
أمّا عن الدور الروسي، فتقول ايرنا، أنّ روسيا التي سمحت لتركيا لتدخل الى المنطقة ستشعر الآن أنها لعبت لعبةً خطيرةً سترتد عليها.
ويقول كوستانتين كرامير، الباحث السياسي والعسكري لـ"نورث برس" أنّ روسيا ستسعى في المستقبل لتنفيذ استراتيجيةٍ شبيهةٍ بما يحصل في تل رفعت الحلبية والشهباء، حيث تقوم كلٌ من وحدات حماية الشعب والجيش السوري بعملياتٍ مشتركةٍ ضدّ الجماعات المدعومة تركياً من جهاديين وذلك في تل أبيض ورأس العين لتشكيل درع سوري - كردي ضدّ المدعومين تركياً سيكبر نفوذه في كل العمق السوري.
ويضيف: أردوغان لا يريد الذهاب الى كل هذا الحدّ من المواجهة وعلى نطاق واسعٍ من سوريا، ومبدئياً يعتمد على الميليشيات التي يدفع لها ثمن القتال لكي لا يسقط جنودٌ أتراك، ولكن لا يملك خطةً للمستقبل خاصةً أنّ التحالف بين دمشق و"قسد" يمنعه من تشكيل ما يسمى بمنطقةٍ امنةٍ.
ويقول كرامير، المنطقة التي أخذتها الميليشيات المدعومة تركياً تتراوح ما بين تل أبيض ورأس العين ولكن تبقى معزولةً عن المناطق الاخرى التي تحتلها تركيا وبالتالي هذا لا يحقق لأردوغان هدف المنطقة الآمنة فالقوات التي يدعمها لابد لها من أن تدخل الاراضي في جنوب تركيا لتصل من تل أبيض الى عفرين وبالعكس وهذا يخلق المزيد من الفوضى ويزج بالمزيد من السوريين في تركيا ولا يحقق هدفه ويجعلها فقط مناطق محتلةً من سوريا تابعة للسيطرة والنفوذ التركي.
ويرى كرامير أنّ تركيا لتحقق هذا تريد أن تحتل كوباني الأمر الذي يصطدم بشدة بعائق الرفض الدولي الشديد لدخول تركيا للمدينة او للزج بالميليشيات التي تدعمها تركيا بالمزيد من الحملات العسكرية وبالتالي جرائم الحرب، اضافةً الى الموقف السوري والروسي الجديد الذي يتقارب الان مع قسد ويعقّد هذا الهدف على تركيا.
وبعيداً عن تقطع المناطق التي تحتلها تركيا وافتقارها للأمن والاستقرار وانتشار الجهاديين فيها الامر الذي يقلق روسيا والمجتمع الدولي، يقول كرامير أنّ جيب ادلب أيضاً يشكّل ضغطاً اضافياً على أردوغان بعد أن بات بيئةً حاضنةً وآمنةً للجماعات الارهابية ليُقتل فيها زعيم الدولة الاسلامية البغدادي ومقتل مساعديه في المناطق الأخرى التي تسيطر عليها تركيا مثل جرابلس الذي كان يبني بيتاً للبغدادي لينتقل اليه.
ويختتم، الابادة العرقية هي واقعٌ لا مهرب منه في أيّ منطقة تتقدم إليها تركيا، فالأهالي يتم طردهم ولا يمكن أن يعيشوا في ظل الجماعات المتطرفة التي تهدّد بقطع رؤوس ما تسميهم بـ "الكفار" ولكن في نفس الوقت، المنطقة التي احتلتها تركيا سيتجنبها اللاجئون المقيمون في تركيا لأنّها غير آمنة وغير صالحة للعيش ومليئةٌ بقطاع الطرق والمجرمين والفاسدين الذين لا يلقون أيّ محاسبةٍ من تركيا، وبالتالي سيكون هناك فقط محاولاتٌ قسريةٌ من تركيا لإجبار البعض على الذهاب الى هذه المنطقة.