القارئ الرقيب في معرض الكتاب بدمشق.. عودةٌ إلى زمن المُخبرين الشعبيين وثقافة "الجمهور عاوز كده"
دمشق – جاد نجار - NPA
طغى تصريح مدير عام مكتبة الأسد على الأضواء الدعائية والبهرجة الإعلامية التي رافقت معرض الكتاب في دورته الواحدة والثلاثين، مثيراً لغطاً عند عدد من المثقفين والكتّاب السوريين الذين رأوا في قوله كارثةً تضاف إلى كوارث الثقافة السورية التي لم تخرج بعد من عقلية الوصاية الأمنية.
فتصريح مدير مكتبة الأسد، إياد مرشد حول رغبته في إيجاد دورٍ فاعلٍ للقارئ في هذه الدورة من المعرض، من حيث إبلاغه إدارة المعرض عن أي محتوى يتضمن إساءة للمجتمع السوري وقيمه، بهدف محاسبته على الفور، أثار ردود أفعال وانتقادات.
ومن ضمن ردود الأفعال هذه، ما كتبه الروائي خليل صويلح على حسابه في موقع التواصل الاجتماعي فيسبوك، أوجزه بـ: "أهلاً بك أيها القارئ الرقيب المتطوّع الركن".
في حين عبّرت عفراء هدبا، مديرة دار دلمون الجديدة في تصريحٍ خاصٍ لـ"نورث برس" عن استياءها موضّحةً "هذا التصريح، مشكلة، لأنّه إقصاءٌ للآخرين، فالكتب مثل البشر طيفٌ متعددٌ، ولا يمكن أن تتشابه الأمزجة والأفكار".
وأردفت "بوجود النت ووسائل التواصل الاجتماعي لم تعد فكرة الرقابة القديمة واردةً. ما تمنعني منه هنا؛ سأجده على النت وأقرأه بطريقة ما".
فيما أضافت: "المعرفةُ باتت متاحةً للجميع، وهناك ضوابط، لكن محدّداتها لا يحكمها الرأي العام أو الشارع، إذ رأينا ما الذي يمكن أن يكون عليه الشارع في كثير من الأحداث".
وأشارت إلى سحب كُتبٍ من رفوف المعرض في مكتبة الأسد رغم حصولها على موافقة وزارتي الثقافة والإعلام، ما دفع دور النشر للاعتراض ومقابلة المسؤولين، الذين أعادوا لهم الكُتب المصادر بعد جدالٍ طويلٍ.
في حين يؤكّد أمرَ مصادرةِ الكتب صاحبُ دار الطليعة الجديدة، حبيب الضعدي إذ يقول: "مستوى القرّاء عندنا بكل أسفٍ، لا يسمح أصلاً أن تجعلهم بموقع الرقيب على الكتب، وهذا ما حصل معنا هنا".
وأضاف الضعدي بأنّ بعض الإصدارات التي حصلت مسبقاً على موافقة التداول من وزارة الإعلام، سُحبَت، نتيجة اعتراضاتٍ من البعض من جمهور القرَّاء".
فيما تجاوز سامي أحمد، صاحب دار التكوين، رأي زملائه قائلاً لـ"نورث برس": "أعتقد أنّ التصريح فيه حالةٌ عنفيّة، تُجاه أصحاب دور النشر تحديداً، فالمسألة ليست بالملاحظات التي يبديها الناس، لكن بهذا التصريح كأننا أمام رقابة جديدة عنيفة على الكِتاب في سورية، والكِتاب لم يعد يحتمل رقاباتٍ متعددةً".
وأورد الأحمد مثالاً على ذلك بالقول: "الكِتاب يحصل على موافقةٍ من وزارة الإعلام، لكنه يتعرض لرقابة خاصة هنا، في معرض الكتاب، بحجة أنّه يمس بالأخلاق، التي هي كلمة مطاطة يفهمها الرقباء على أنها متعلقة بالجنس، لكنها حقيقةً متعلقة بأخطاء معرفية وتأريخية أو بمعلومات كاذبة مثلاً".
ويرى أنّ الرُقباء يحاولون جعل الجميع "نسخة واحدة"، معتبراً أن هذا هو مردُّ ما يسمى "النعرات الطائفية"، ويرى أنّ على الجميع أن يفهموا بعضهم مثلما هم وأن تُفهم الطوائف بشكل معرفي، كما وصفها أبو حيان التوحيدي: "الصديقُ آخر؛ هو أنت".
ودعا في ختام حديثه قائلاً: "كفانا منعاً للكِتاب على اسم كاتبه دون معرفة محتواه".
ورأى الكاتب زيد قطريب في حديثه لـ"نورث برس" أن اعتماد مبدأ القارئ الرقيب يحمل أكثر من مشكلة، فالقُراء ليسوا بمزاجٍ واحدٍ ولا سويةٍ ثقافيةٍ واحدٍة، معتبراً أنّ ما يروق للقارئ الديني قد لا يروق للقارئ العلماني أو الليبرالي، مشدّداً على أنّ ميزة معارض الكتب هي التنازع والجدل والتعبير عن جميع الاتجاهات والأفكار والإيديولوجيات.
كذلك أضاف قطريب بأنّ وزارة الثقافة أرادت تبرئة ساحتها مما حصل في المعرض السابق من تواجد كتب "معارضة"، فجعلت من فكرة "القارئ الرقيب" بمثابة "كفارة ذنب مسبقة" لما تقوم به من تنظيمها للمعرض، في حال وجود أي مطبوعٍ لا يتناسب مع السياسة العامة.
ثقافة كارثية
"إنها عقلية ستعيدنا إلى حالةٍ ثقافيةٍ كارثيةٍ تُدعى: الجمهور عاوز كده"، بهذه العبارة افتتح القاصّ الصحفي علي الراعي حديثه لـ"نورث برس".
إذ أكّد الراعي على أنّ مصر قدمت فناً درامياً وسينمائياً هابطاً لإرضاء الجمهور على مدى عدة سنوات، نتيجة خضوعها لمقولة "الجمهور عاوز كده".
كما شدّد على أنّ الذائقة الشعبية "كارثية" وتشبه المقولة السابقة، مثلما كان الحال عليه في مسلسل باب الحارة، على حد وصفه، وترك الذائقة هذه لتقود الكتاب النخبوي، فهذا يؤدي "لقيادة المعايير المعرفية إلى ثقافة لا تُفهَم أو تتقبل الآخر".
ويرى أنّ نقيصة تصريح مدير مكتبة الأسد حول "القارئ الرقيب"، هو أنّ الذائقة الشعبية من "أخطر الرقابات"، وأورد مثالاً فيما حدث مع فيلم /دم النخل/ للمخرج السوري نجدة أنزور، مشيراً إلى أنّ ذلك يؤكّد هذه الحالة التي يصفها الراعي.
وختم بأنّه إذا لم يحتمل مكوِّنٌ سوريٌ إشارةً صغيرةً إليه في فيلم وغير مقصودة، فكيف إذا كان الجمهور قيِّماً على نشر الكِتاب، ويقول الراعي: كأنك بذلك تقول للقارئ أريدك أن تكون عواينيّاً (في تلميحٍ منه إلى كلمةٍ درجت في مسلسل باب الحارة تُطلَقُ على المُخبِر). مطلقاً نداءه الأخير "أفلا تكفينا الرقابات الكثيرة التي نعاني منها ؟".